النهار - لبنان - سياسة بقلم مجد بو مجاهد

17 تموز 2020
تشكيل حكومة مستقلّة. إجراء انتخابات نيابية حرّة ونزيهة. تنفيذ إصلاحات بنيويّة وقطاعيّة. التشبّث بالسيادة اللبنانية. تثبيت مسار الدولة المدنية. بناء اقتصاد منتج... شكّلت هذه العناوين جسم انطلاقة “الجبهة المدنية الوطنية” التي ولدت قبل أيام من مزود انتفاضة 17 تشرين الأوّل تحت عنوان “الثورة مستمرّة“. وقد ضمّت الجبهة مجموعة بارزة من ناشطي الانتفاضة وقادة الرأي، في وقت علمت “النهار” أنّ مجموعات أخرى من الناشطين تعمل على بناء تجمّعات مشابهة على أن تنسّق كلّ المجموعات في النهاية مع بعضها البعض.

حتّمت المشاكل المعيشية التي يواجهها المواطن في ظلّ استشراء الفساد والبطالة، ضرورة اجتماع نخب فكرية وسياسية ونقابية وثقافية واجتماعية على برامج معيّنة من خلال “الجبهة المدنية الوطنية”، ومن المؤكد “أنّنا سنكمل النقاش بوسائل عمل لإيقاف الكارثة التي يمرّ بها الوطن والتغيير في مسار الانحدار الذي يهدّد الكيان والدولة بالانحلال”، بهذه العبارة يسرد المؤرّخ الدكتور عصام خليفة ظروف إنشاء الجبهة، مؤكّداً لـ”النهار” أنّ “ذلك لا يمنع أن هناك مجموعات أخرى يصبّ اهتمامها في هذا الإطار، ويفترض أن تتفاعل وتنسّق في ما بينها ليكون الضغط فعّال. ولا يمكن القول أن في التاريخ لا شيء لا يتغيّر بل كلّه يتبدّل، بما في ذلك الضغط الشعبي والديموغرافي؛ إذ لا يمكن استمرار وضع الانهيار كما هو. وستشهد المرحلة المقبلة مختلف أنواع الضغط الديموقراطي المنظم، والمطلوب من المتضررين من الكارثة ألا يتفرّجوا بل أن يضعوا جهودهم وينسّقوا لخلاص الوطن”.

ويتناول العميد المتقاعد خالد حماده عبر “النهار” ثوابت الجبهة المنبثقة من انتفاضة 17 تشرين، والمتمثلة بـ”التشبّث بالسيادة اللبنانية كاملة واستعادة الشرعية الدولية عبر قرارات الأمم المتحدة وتطبيق إعلان بعبدا، وتنفيذ الإصلاحات البنيوية والقطاعية، وإنهاء نظام المحاصصة، وتعزيز دورة الحوكمة المسؤولة في موازاة الإصلاحات، وتطبيق ما لم يطبق من اتفاق الطائف، وبناء اقتصاد سليم ومنتج يقوم على تفعيل القطاعات الإنتاجية والاقتصاد الرقمي، بالإضافة إلى إصلاح مكامن الخلل والفساد وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة في قطاعات الكهرباء والاتصالات والنظام المصرفي والتربوي”، مشدّداً على أنّه “لا يمكن تحقيق الإصلاحات من دون الوصول إلى سيادة كاملة وتطبيق القرارات الدولية، ولا أحد يدعونا إلى خوض معركة خاسرة، إذ لا حلّ في ظلّ دولتين وسلاحين. وقد فشلت الدولة لأن القرارات تتّخذ من أطراف خارجة عن الشرعية. يستجدون الدول العربية التي يشتمونها، ويرفضون صندوق النقد الدولي ثم يستجدونه. أصبح الأفق مغلقاً أمام السلطة وسيؤدي حُكماً إلى انفجار اجتماعيّ، في ظلّ أكثر من درس معبّر عن سقوط هذه السلطة وضرورة تكوين سلطة بديلة تحترم السيادة. وتُدرك البيئات المجتمعية بما فيها بيئة حزب الله، حجم الخسائر الناجمة عن الانغماس في صراعات لا نهاية لها”.

المحطّات المرتقبة للجبهة، والتي تُناقَش على جدول التحرّكات والمبادرات، يشرحها لـ”النهار” الوجه النقابيّ نعمه محفوض في قوله “إنّنا نعمل على تجميع القوى والمجموعات الناشطة، بعدما تراجعت الهمّة وراهن بعض الناشطين على حكومة حسان دياب الذي عرفته خلال فترة تولّيه وزارة التربية والتعليم، وأعلم أنّ القرار ليس له. بادرنا الى التواصل مع المواطنين وشرحنا الأسباب الي تؤكد بأنها ليست حكومة مستقلة، إذ لم يسبق أن مرّ في تاريخ لبنان حكومة من هذا النوع، في ظلّ الاستخفاف بعقول المواطنين والكارثة الحاصلة التي لم نشهدها حتى في أيام الحرب؛ فيما تبدو الحكومة في مكان والناس في مكان آخر. فعّلنا اللّقاءات منذ قرابة الشهرين مع الوجوه التي شكّلت زنبرك الانتفاضة، للوصول إلى الجبهة المدنية. ويشكّل موضوع تحقيق السيادة وضبط مرافق الدولة ومطارها وحدودها السائبة، الموضوع الأساسي الذي يميّز الجبهة تحديداً. يحتاج الوطن إلى إعلان الحقيقة كما هي، في وقت البلد مخطوف من حزب الله ولا يمكن حلّ المشكلة قبل تحرير الدولة من سلطة ايران، والتي تحتمي بها كلّ الطبقة السياسية. نعمل على شبك التواصل مع المجموعات الأخرى ونناقش أجندة التحرّكات المرتقبة ونبحث الدعوة إلى إضراب عام وإلى تحرّكات كبيرة خلال الأسبوعين المقبلين، إذ تعقد الاجتماعات التخصصيّة في ظل تفشّي البطالة وغياب فرص العمل في شتى القطاعات وانتفاء الحلول أمام اللبنانيين، سوى العودة إلى الشارع وإسقاط الحكّام عن كراسيهم وتشكيل حكومة مستقلّة وحقيقيّة”.
في مقاربة الباحث أديب نعمه الذي حضر مناسبة إطلاق الجبهة، فإنّ “ما حصل واحدة من المحاولات للتعبير عن حاجة موضوعية لوجود ائتلافات وطنية لتحقيق أهداف 17 تشرين، مع توقّع أن نشهد محاولات من أطراف أخرى. أعتقد أن الأمور لا تنجح من المرة الأولى بطبيعة الحال، وهذه إحدى المحاولات وخطوة إيجابية لأن الناس تحاول أن تجتمع وأن تضع رؤية سياسية، وأتصوّر أنّه لم يحصل حتى اللحظة إنضاج كافٍ للخطاب والمضمون”. ويتوقّع نعمه في حديث لـ”النهار” أن “تولد جبهات أخرى ومن ثم إنشاء حراك على قاعدة المحاولات الأولى، إذ تصدر موجة ثانية من المحاولات الأكثر نضجاً، والتي يمكن أن تضمّ من الجبهات المختلفة بطبيعة الحال. في اعتقادي أن ما حصل (بروفا) لإنشاء جبهة لأول مرة، لكن لا بد من البدء من مكان ما، وأعتقد أن أطرافاً أخرى ممكن أن تعلن عن جبهة ثانية وثالثة، وتحصل غربلة حتى إنشاء جبهة تضمّ عناصر من الجبهات المختلفة التي يمكن أن تتقارب أكثر حول برنامج عملها. ما حصل خطوة أولى ايجابية أكثر تقدماً من المحاولات السابقة، وهذا ما يعبّر عن اقتناع لدى الجميع بأنه لا بدّ من تشكيل جبهات توحّد الناس”.