نداء الوطن - إقتصاد بقلم خالد أبو شقرا

21 أيار 2020
طالبوا بالإصلاحات من أجل تقديم المساعدات فأتاهم الجواب سريعاً بتعويم فساد الصفقات. انها سردية الكهرباء “العصية” عن الحل مع الدول المانحة، “سيدر” وصندوق النقد الدولي. خرافة تخطت بسماجتها قصة إبريق الزيت. فإن قلنا “نعم” وإن قلنا “لا” يقصّون علينا قصة الكهرباء.

ما حصل في مجلس الوزراء بتفويض وزير الطاقة التفاوض من “دولة إلى شركة”، لبناء معامل تصل قيمتها إلى 5 مليارات دولار، هو رأس الفساد. ليس لانه يناقض مبدأ الشفافية، الذي بُح صوت مبعوث مؤتمر “سيدر” بيار دوكان وهو يطالب به، فحسب، بل لانه يعيدنا إلى المربع الاول من الأزمة: زيادة في المديونية، هدر وصفقات… ولا كهرباء.

تساؤل “ملتقى التأثير المدني”، الذي لعب دوراً اساسياً في تسليط الضوء على مكامن الهدر والفساد منذ انطلاق ثورة تشرين، في اللقاء الالكتروني الخامس: “الفساد وإعصار الكهرباء المقبل”: ان كان ملف الكهرباء سيفجر برنامج الصندوق؟ ليس تفصيلاً. فاستنساخ خطة “الطوارئ الصيفية” كما اسماها “الاشتراكي”، وتكحيلها بـ”مذكرة التفاهم لتطوير مشاريع الطاقة”.. سيعميها.

بدعة التوقيع بالتراضي

“مجرد إجراء العقود بالتراضي، هو مدخل أساسي للهدر والفساد. حيث تسقط العناوين الواهية والمبررات”، يتفق المتحاورون في اللقاء الالكتروني “للملتقى”. فالمذكّرة “تؤدي الى عقود تصل قيمتها بالحد الادنى الى 1 مليار دولار، وبالحد الاقصى الى 5 مليارات دولار. كما تتضمن عقوداً باطنية تتراوح قيمتها بين 300 و400 مليون دولار سنوياً في مرحلة الانشاء، ونحو 80 مليون دولار سنوياً للتشغيل. وقد أعطيت هذه المذكرة من الوقت للتنفيذ 6 أشهر قابلة للتمديد. اي ما هو كافٍ لاجراء مناقصة شفافة”.

فلماذا اذاً الذهاب الى مذكرة تفاهم وعقود بالتراضي؟

“ببساطة لانها محاولة التفاف على كل الشروط الدولية، والتي عاد وشدد عليها دوكان، في الاجتماع الالكتروني مع الحكومة أخيراً، من أجل الذهاب الى الحلول الموقتة”، يقول المهندس المتابع للملف محمد بصبوص.

تُناقض مذكرة التفاهم قرارات مجلس الوزراء السابقة بشكل واضح. فالاخيرة تؤكد ان عملية التفاوض ستكون من دولة إلى دولة. فيما المذكرة تتضمن شقاً بالغ الخطورة، يتمحور حول امكانية الشركات الاجنبية التي سيتم التعاقد معها تأمين التمويل الجزئي (85%) من خلال صندوق تابع للدولة أو من خلال مصرف تجاري، وهو ما يعني عملياً، ضرب كل ما يمت للدولة المُتعاقد معها بصلة، والانتقال الى عقود BOT أو ما يعرف بالكهرباء بـ PPA. وهذا ما يعتبره بصبوص “مخالفة فظيعة تتخطى قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. فعقود الـ BOT تتطلب الالتزام بالقانون 129/2019 (وهذا ما أكد عليه المجلس الدستوري بعد محاولة وزيرة الطاقة ندى البستاني استثناء عقود BOT من قانون المحاسبة العامة)، أي ما يعني تطبيق معايير المحاسبة العمومية من خلال وجود هيئة ناظمة للقطاع، والزام مرور العقود بادارة المناقصات وتحضير دفاتر الشروط. وهذا ما لن يطبق”.

سلعاتا عود على بدء

يستميت وزير الطاقة، وفريقه السياسي من خلفه، من أجل تمرير صفقة معمل سلعاتا، على الرغم من تصويت مجلس الوزراء ضدها. الحجج المقدمة بضرورة تنفيذ كل المشاريع دفعة واحدة، وعدم قدرة المعامل الباقية على تأمين الكهرباء 24/24 من دون سلعاتا، تنقضها معطيات عدة. ومنها:

– الكلفة المرتفعة للمعمل بالمقارنة مع كل من الزهراني ودير عمار.

– وجوب تأمين مبالغ مالية هائلة للاستملاكات، تقدر بحسب وثيقة صادرة عن مؤسسة كهرباء لبنان بـ 200 مليون دولار.

– عدم وجود البنى التحتية المطلوبة في المنطقة، وارتفاع كلفة ربطها بالشبكة.

– عدم تخطي المسافة بينها وبين معملي دير عمار 27 كلم. إنطلاقاً من هذه المعطيات “هناك علامة استفهام كبيرة تطرح على اصرار فريق وزير الطاقة على هذا المعمل، عبر تخريجة غير مفهومة ومتناقضة مع قرار مجلس الوزراء”، يقول بصبوص.

خطة الكهرباء التي تأمل من خلالها السلطة تظهير اصلاحاتها للعالم الخارجي والرأي العام الداخلي، مليئة بالشوائب والنواقص وتخطي القوانين. فهي ما زالت تركز على الشق التقني، رغم ان قطاع الطاقة يقوم على اربعة مكوّنات أساسية: تقني، مالي، هيكلي – مؤسساتي، قانوني. و”ما التركيز في لبنان على مكوّن الانتاج التقني، الا السبب في “انهيار” قطاع الكهرباء”، يعتبر البيان الختامي الصادر عن ملتقى التأثير المدني. هذا بالاضافة الى تعميتها المقصودة على اهمية الطاقة المتجددة وإمكانية تغطية كل المناطق فوق 400 متر بالطاقة الشمسية في غضون 6-9 أشهر وبالتالي إراحة شبكة الانتاج من الضغط.