محليات - نداء الوطن

22 تموز 2020

لبنان مخطوف واللُّبنانيُّون معنيُّون بتحرير دولتهم واستعادتها نظيفة… ونحن نُساعِد أنفُسَنا
السيّد جان إيف لودريان المحترم، وزير أوروبا والشؤون الخارجيَّة، الجمهوريَّة الفرنسيَّة،

تحيَّة وبعد،

نُقدِّرعالياً اهتمام فرنسا التَّاريخي بلبنان وشَعبه، ونفهمُ بالعُمق المحبَّة التي تجمع الشَّعبين اللُّبناني والفرنسي، بما يتشاركان فيه من قِيَمٍ حضاريَّة في الحريَّة وحقوق الإنسان والعدالة الإجتماعيَّة والعيش معاً.

لبنان الكبير الذي يُشبه طموحات اللبنانيّين وإبداعاتِهم منذ قِيامه في العام 1920، بالإستناد إلى إرثٍ ثمينٍ تضرُبُ جذوره في التَّاريخ على مدى آلاف السنين، لبنانُ الكبير، سيّد لودريان، مخطوف ومُعذَّب.

خطفتْه سُلطةٌ سياسيَّة إحترفَت تعليق الدُّستور، والسَّطو على القضاء، وقونَنَة الفساد، وعَزْل الكفاءات، واستباحة السيادة، وبناء المُنتفعات الطائفية والمذهبية، وهدر الموارد، واستغلال صداقات لبنان العربية والدولية ومن ثمَّ تدميرها، وإفقار اللبنانيّين وتجويعهم، واللبنانيون انطلقوا في ثورة 17 تشرين الأول 2019 يعلمون كم هي المسالِك وعِرة في تحرير وطنهم من خاطفي سيادتِه واقتصاده وماله، وكم هي أصعب في استعادة دولتهم نظيفة بعدما أمعَنَت فيها السلطة خراباً عظيماً.

السيّد لودريان،

لقد أصغينا بتمعُّن وحُزنٍ إلى مُخاطبتكم السُّلطة في لبنان: “ساعدوا أنفُسكم لنُساعِدَكم”، والإشكاليَّة الأساسُ هنا، أنَّكم ما زلتُم تتأمّلون بأنَّ هذه السُّلطة تُمثِّل لبنان واللبنانيّين، فيما الحقيقة المؤكّدة أمام الرأي العام، كُلّ الرأي العام، أنَّ هذه السُّلطة فاقدة للشرعية الشَّعبية، فيما شرعيتها التمثيليَّة والتي تدّعي مكوِّناتها بالإستحصال عليها، فكيف تستقيم في ظِلّ إحجام أكثر من 50% من اللبنانيّين عن الإقتراع في الإنتخابات النيابية الأخيرة (2018)، وفي ظلّ تشكيكٍ بُنيويّ بقانون انتخابات، فُصِّل على قياس هذه السُّلطة الفاسدة، وبالتَّالي فإنَّ حتَّى الشرعيَّة التمثيليَّة مشكوك فيها. في أيّ حال، ثورة 17 تشرين أسقطَت وَهْم هذه السُّلطة بامتِلاكِها شرعيَّة.

السيّد لودريان،

اللبنانيون سائرون بثباتٍ في خيار تحرير وطنهم واستعادة دولتهم، وهُم يدعون فرنسا الى الإصغاء إلى صَوتهم العالي، في نضالهم لتنفيذ الثوابت التالية:

1 – لبنان دولة مدنيَّة مؤتمنة على حُسن إدارة تعدُّديَّة مكوِّناتها في مواطنة حاضنة للتنوُّع، يصونُها الدُّستور بكُلِّ مندرجاته، ويُرسِّخُ نموذجها الحضاري “العيش معاً”. السُّلطة دمَّرت هذا النَّموذج.

2- لبنان دولة قادرة على بَسط سيادتها بقواها الشَّرعية العسكرية والأمنية لحِفظ الأمن وحماية الحدود، وهي معنيَّة بصَوْن أمنِها القوميّ ضمن المصلحة الوطنيَّة العُليا، وترفُض أي اعتداء على السيادة.

3 – لبنان دولة مؤسِّسة في الأمم المتَّحدة وجامعة الدُّول العربيَّة وملتزِمٌ قراراتِهما ومواثيقهما ومعاهداتهما ذات الصِّلة، وهو في ميثاقه الوطنيّ (1943) معنيٌّ بحياده عن سياسات المحاور. السُّلطة قتلت هذا الميثاق، وقتلت اتفاق الطائف الذي يحميه.

4 – لبنان دولة تزخرُ بالكفاءات والإمكانات، وأبناؤها قادرون على بناء إدارةٍ منفتحةٍ وشفَّافة فيه، وقضاءٍ مستقلّ، وسيادة ناجزة، واقتصاد مزدهر مستدام، وحماية اجتماعيَّة متماسكة. كُلّ هذا في إنفاذٍ لـ”الحوكمة السليمة”. السُّلطة إغتالت هذه الطموحات.

5 – لبنان دولة قادِرة على إنجاز الإصلاحاتِ البُنيويَّة والقِطاعيَّة، ليس من باب الحاجة إلى أموالِ المساعدات، بل من باب القناعة بأنَّ الخير العامّ وكرامة الإنسان أساسٌ في رُقيّ الشُّعوب واحترامها لتاريخ آبائها المؤسّسين، وأجيالها القادمة.

السيد لودريان، نُثمِّن عالياً حرص فرنسا التَّاريخي على مُساعدة لبنان، والوقوف إلى جانِب سيادتِه واستقلاله ووحدته، كما نشكر كُلّ المبادرات التي أطلقتها لمُحاولة إنقاذه، لكنْ باتَ من المُهمّ التأكُّد أنَّ شرعيَّة السُّلطة الفاسدة في لبنان سَقَطَت، واللُّبنانيُّون باتوا يسيرون، كُلٌّ من موقِعه، في جبهة مدنيَّة وطنيَّة لإعادة تشكيل السُّلطة، ومن المُفيد الإصغاء إلى ما هُم يريدون. أمَّا تأنيبُ السُّلطة فقد أثبت أنَّه مرحليّ، إذ إنَّ هذه السّلطة مُصِرَّة على تدمير لبنان، حاملةً شعار تمثيله، وقد واجهت ثورة اللبنانيين بالقمع والتوقيف والإستدارة الخبيثة.

لبنان مخطوف ونحن معنيُّون بتحرير دولتنا واستعادتِها نظيفة. لبنان ينهار، فلا كهرباء فيه ولا مياه، ولا بنى تحتية ولا اتصالات ولا شبكة مواصلات، وصعوبة هائلة في استمرار الحصول على الخدمات التربويَّة والاستشفائيَّة، بل إنَّ حتّى أدنى مقوّمات الحياة فيه باتت معدومة… نحنُ نُساعِدُ أنفسَنا لكنْ يعنينا أن تُساعدونا بتجاوز مُعادلة إمَّا السُّلطة أو الفراغ، إنَّهُم هُم الفراغ، هُم اللارؤية، هُم اللاَّقِيادة. اللُّبنانيُّون يمتكلون الرؤية والبرنامج والقيادة.

السيّد لودريان، إنَّ توجُّهنا إليكم بهذا الكتاب، لا يُشكّل مُطلقاً استدعاءً لتدخُّل فرنسي لصالح فريق ضدّ آخر، بل استدعاء للصداقة التَّاريخيَّة التي تربط بين بلدينا من أجل النُّصح والمساعدة والضغط، بما يُخرج مسؤولينا من إنكارهم لمطالبنا وتمسّكهم بالسلطة، ما يُساعد في إرساء القواعد المُنقذة لِلُبنانِنا، الوطن الذي يختزن كل القيم الإنسانيَّة والثقافيَّة والحضاريَّة التي قرأتها فرنسا باكراً في بدايات القرن العشرين، فأعطته الحيّز السياسي والرعاية الأخوية لكي يكون جوهرة مُضيئة على شرق المتوسط.

السيّد لودريان، إنَّ هذه الجوهرة تتعرَّض للخطف والسرقة اليوم، فهلّا لبّيتم نداء الإستغاثة إنقاذاً للبنان وللثروة الإنسانية. هلاَّ أصغيتُم إليهم!