“ملتقى التأثير المدني” في مسار الحوارات الصّباحيّة معنيّ بالدّفع باتّجاه بناء سياسات عامّة، كما السّعي مع شركائه في القِوى المجتمعيّة الحيّة للالتِزام بحوكمة رشيدة أساسها قِيام دولة المواطنة السيّدة الحرّة العادلة المستقِلّة يسُودُها تطبيق الدّستور وإنفاذ القوانين المرعيّة الإجراء، مع احتِرام مبادئ الشّفافيّة والإنتاجيّة والمساءَلة والمحاسبة.
في لُبنان، وتحت وطأةِ الانهِماك في التحديات اليوميّة، ومع أهميّة استعادة الفِكْر إلى الشأن العامّ، يعُود “ملتقى التأثير المدني” ليقرأ الحاجة إلى إطلاق مسار حواراتٍ صباحيّة (Morning Dialogues) مع أصحاب الاختِصاص في موضوعاتٍ وطنيّة، واقتصاديّة – اجتماعيّة، وثقافيّة، بما يُعيد إلى المساحة العامّة المشتركة في الرّأي العامّ، بعضًا من بوصلتِها الملتبسة.
الأهداف
- جمع ذوي التخصّص والخِبرة مع فاعليّات في القِوى المجتمعيّة الحيّة للتّفكير في مآزِق لبنان والحلول.
- إشراك فاعليّاتِ القوى المجتمعيّة الحيّة في حواراتٍ مفتوحة تتّجه إلى بناء تصوّراتٍ لسياساتٍ عامّة وتشكيل أُسسٍ لحوكمة رشيدة بحسب ما يرِدُ في رسالة وهدف “ملتقى التأثير المدني“.
- استنهاض الرّأي العامّ للانخراط في تفكيرٍ علميّ بعيدًا عن المقاربات السّطحيّة والنمطيّة، واستِعادة منطق العِلْم في عالم الشأن العامّ ربطًا بالخير العامّ.
- توفير مادّة نِقاش في الإعلام ووسائل التّواصُل الاجتماعيّ حول القضايا الوطنيّة مع تمّاسِها باللّحظة الرّاهِنة، إنّما مع فهم مسبّبات ما يُعايشُه الشعب اللُّبناني أكثر منه الانكفاء إلى فَهْم العَوارض.
اللقاء الأوّل 19-10-2022
“جوهر وثيقة الوفاق الوطني المادّة 95 من الدّستور“
لمحات من اللّقاء الأوّل من مسار الحوارات الصّباحيّة “جوهر وثيقة الوفاق الوطني المادّة 95 من الدّستور”.
لمشاهدة الحلقة كاملة
اللّقاء الاول أتى تحت عنوان “جوهر وثيقة الوفاق الوطني المادّة 95 من الدّستور” بهدف الإضاءة على التطورات المستجدة على الساحة اللبنانية في هذه المرحلة بالذات، ولا سيما تلك المتصلة بالاستحقاقات الدستورية والسياسية التي تفرض إعادة الاعتبار للدستور نصًّا وروحا من أجل بناء دولة المواطنة الحرة والسيدة والعادلة والمستقلّة. في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّ بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني وبعده وثائقي : “ملتقى التأثير المدني : عشر سنوات/ القضيّة لبنان والإنسان”.
بيان صحفي
في اللقاء الأوّل “جوهر وثيقة الوفاق الوطني المادّة 95 من الدّستور“
ملتقى التأثير المدني يُطلق مسار “الحوارات الصباحية” الشهريّة
الخليل: معنيّون كملتقى بمواجهة الانقِلاب على الدُّستور واستِباحة السّيادة
قانصوه: تأجيل إلغاء الطائفية تأجيل للدولة
يونس: إتّفاق الطّائف خلاصُ لبنان وميثاقُهُ الكيانيّ
أطلق ملتقى التأثير المدني اليوم اللقاء الأول من مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية قبل ظهر اليوم في فندق الجفينور – روتانا الحمرا في حضور نخبة من أركان القانون والدستور والثقافة والفكر والإعلام، وفاعليّاتٍ أكاديميّة، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني.
اللّقاء الاول أتى تحت عنوان “جوهر وثيقة الوفاق الوطني المادّة 95 من الدّستور” بهدف الإضاءة على التطورات المستجدة على الساحة اللبنانية في هذه المرحلة بالذات، ولا سيما تلك المتصلة بالاستحقاقات الدستورية والسياسية التي تفرض إعادة الاعتبار للدستور نصًّا وروحا من أجل بناء دولة المواطنة الحرة والسيدة والعادلة والمستقلّة. في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّ بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني وبعده وثائقي : “ملتقى التأثير المدني : عشر سنوات/ القضيّة لبنان والإنسان”.
كلمة الخليل
بعدها ألقى رئيس “ملتقى التأثير المدني” فيصل الخليل كلمة ترحيبيّة أشار فيها إلى أن “الأوجاع التي تعاظمت على كُلّ المستويات الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والاستشفائيّة، والتربويّة. فرضت على الملتقى بان يكون معنيا بمُقاربة مسبِّبات هذه الأوجاع حيثُ يستمرّ الانقِلاب على الدُّستور، واستِباحة السّيادة، وتعميم الفساد، والانقِضاض على العدالة”، وأضاف الخليل “لم نَزَل نُعاني المحاصصة والزبائنيّة، وتحالُف المافيا والميليشيا الذي حوّل لبنان من نموذجٍ حضاريّ إلى دولة فاشِلة، تعرَّضّ فيها الشعب اللّبناني لجريمة منظّمة قتلت كلّ القطاعات واغتالت العدالة الاجتماعيّة والازدهار الاقتصادي، وكان أبشع تعبير عن هذه الجريمة المنظّمة تفجير بيروت في 4 آب “2020”. وختم الخليل: “نحنُ وإيّاكُم معنيُّون بمُقاربة هذه المُسبّبات لِنَبْحَث سويًّا كُلٌّ من موقِعه في كيف نُنقِذ لبنان من هذا المستنقع الجهنّمي، ونحمي هويّته الحضاريّة، وهذا يتطلّب تصويب المفاهيم، لبناء سياساتٍ عامّة تطبقّها الحوكمة الرَّشيدة، وهذا يقع في صُلْبِ هدف ورسالة ملتقى التأثير المدني. إنّه زمن إعادة تكوين السُّلطة واسترداد الدّولة. فمسار “الحوارات الصّباحيّة” نُريدُه انطِلاق فِكرٍ تغييريّ إصلاحيّ لِفعْل تغييريّ إصلاحيّ، المُهمّة شاقّة لكنّها لَيسَت مستحيلة.”
كلمة قانصوه
أمّا “ميسِّر الحوار” الأستاذ الجامعي والباحث الدكتور وجيه قانصوه فأشار في تقديمه لإشكاليّة إلغاء الطائفيّة كما ورد في اتّفاق الطائف إلى موجب “العبور من مستنقع الاصطفافات والتوترات التي لا تتوقف، إلى فضاء الاستقرار والحياة السعيدة والمنتجة.وكلما جاء استحقاق هذه المهمة، نتهيب منها ونرتعب ونخاف، وتتذرع بحجج كثيرة، فلا نجد سبيلا سوى إرجائه، لنرجىء معه الوطن المعاف والدولة القادرة، حيث تبين أن هذا التأجيل لإلغاء الطائفية هو تأجيل للدولة، وإرجاء للديمقراطية، وتعطيل للحياة”. واعتبر قانصوه أنّه “لإلغاء الطائفية أكثر من بعد أوّلهما: تدبيري وتنظيمي، وهو ما يتصل بـ “النص الدستوري حوله، وحول الآليات التشريعية والقانونية والتنظيمية داخل مؤسسات الدولة، لترسيخ إلغاء الطائفية شكلاً نهائياً وجذرياً ناظماً للحياة العامة. وهو ما يفرض مجموعة من الأسئلة عن دور المجتمع، في قواه المدنية والثقافية في عملية إلغاء الطائفية، فلا يقتصر دور الهيئة التي ستشكل لهذه الغاية على تحويل إدراج إلغاء الطائفية إلى نص مباشر وصريح، وإنما يستتبع ذلك جملة آليات ومواد ضرورية، والتي منها القانون الانتخابي، قانون الأحزاب السياسية، لاطائفية الرئاسات الثلاث، مناصب الدولة، كما يطال قانون الأحوال الشخصية، علاقة الدولة بالمؤسسات الدينية.” وأضاف قانصو “هذا يعني أن إلغاء الطائفية تتطلب عملية دقيقة وحساسة، وتتطلب رؤية كاملة واستراتيجية فعالة لإحداث هذا الانتقال بطريقة تحول دون تحول إلغاء الطائفية إلى وسيلة غلبة طائفية على طائفة، أو أتباع دين على أتباع دين آخر. بحكم الخلل في الديمغرافيا اللبنانية من جهة، وبحكم المؤثرات الخارجية التي توفر لجهة أو مذهب إمكانات غلبة وهيمنة لا تتوفر في المذاهب الأخرى”. أما
البعد الثاني، فهو ثقافي اجتماعي، ما يعني أن إلغاء الطائفية هو تحول في المزاج والسلوك والذهنية وأطر العلاقات ونمط التوزع السكاني. وإعادة هيكلة عمل الدولة والعمل السياسي على مرتكزات غير طائفية”. وختم قانصوه “أنّ إلغاء الطائفية خطوة جرئية وخطرة، لكنها باتت ضرورة لإنقاذ الوطن والمواطن، فهي عمليّة تحول لا تحصل دفعة واحدة، ولا تحصل بقرار سياسي ونصّ تشريعيّ، بل هي تحوّل مجتمعي يتحقق على يد المجتمع نفسه. فكما أنه لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين، كذلك لا معنى للاطائفية من دون لاطائفيين”.
كلمة يونس
ثمّ قدم الدّكتور نزار يونس ورقة العمل الخاصة باللقاء تحت عنوان “جوهر وثيقة الوفاق الوطني المادّة 95 من الدّستور”: واستفاض فيها بالإشارة إلى “وقوف لبنان عند مفترق مفصلي تتطاحن وتتصارع فيه المجموعات العصبية من دون جدوى”. وقال يونس: “علينا في البداية أن نعترف بأن الأزمات التي نعاني وطأتها، ليست قدَراً لا نفاذ منه، فهي النتيجة الحتميّة لنظام سياسيّ يؤدّي بحكم تكوينه وديناميّة عمله إلى كلّ ما نعاني من فساد وترهّل في بنية الدولة. لكن وعلى الرغم من إجماعنا في مؤتمر الوفاق الوطني في الطائف على أن التخلي عن هذا النظام هو السبيل الوحيد لقيام الدولة الزمنية الديمقراطية، عدنا الى كنفه مهرولين كما لو أن الميثاق لم يعد مرجعيتنا، وكما لو أن المادة 95 من الدستور وضِعت لتبقى حبراً على ورق.”
وبعدما لفت يونس الى “أن الإكتفاء بالشجار حول إلغاء الطائفية السياسية يثير حساسيات وهواجس”، إعتبر أنّ “تجاهل النص الدستوري الذي قضى بأن يُعهد إلى الهيئة الوطنية للحوار مهمة إقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية يطرح تساؤلات حول نزاهة أدعياء الدفاع عن الإتفاق”. وتساءل يونس عن “البديل عن تطبيق المادة 95 من الدستور؟ بعد ما أكّدت المؤسسة السياسية الطائفية عجزها عن المضي في المماطلة والتسويف للالتفاف حول الميثاق وتعطيل الدستور” متخوّفاً من “فتنة جديدة تقود الى مؤتمر وفاق جديد أو الى كارثة أكثر تدميراً”.
وحدّد يونس بعض المبادئ الأساسية، متحدثا عن “مشروعية الوطن اللبناني وعلّة وجوده” واستطرادًا، قال: ” لبنان لم يكن يومًا ساحة صراع قبائل أو طوائف لكل منها عنصرية أو دينٌ قوميٌ، بل كان أرض تلاقٍ، ومستقراً للعائلات الروحية والإتنية التي نزحت إليه، واعتبرته من دون سواه في هذا الشرق، ملاذًا وواحة أمان وأرض كرامات. ففي أصعب الظروف عاش اللبنانيون معًا. ولم تثنِهم المؤامرات والفتن والنزاعات التي تعرّضوا فتصدّوا بشجاعة لمحاولة السلطنة تتريك العالم العربي وطمس ذاكرته”. وقال يونس”إنّ ديار الإسلام مترامية الأطراف، ولن يزيدها هذا الوطن الصغير اتّساعًا. كذلك فإن أرض المسيحية شاسعة، ولن يزيدها لبنان رحابة، وهو وطنهما معًا وليس وطنًا لدين دون الآخر. هذا ما أكدّه الإرشاد الرسولي في رجاء جديد للبنان، الذي جاء فيه إِنَّ للبنان دورًا أكبر من مساحته وعدد سكانه”. واعتبر يونس ” أنّ لبنان أكثر من
وطن، إنه رسالة. ورسالته، النابعة من تعددية الإيمان، تكمن في تعارف الإسلام والمسيحية، وفي محبة الآخر وقبوله مختلفًا”. وبعدما تحدث يونس عن توصيف الدولة في علم السياسة، وهي تعني “المؤسسة القانونية والسياسية والتنظيمية المولَجة إدارة كيان وطني في شتّى جوانب حياة مواطنيه”، إعتبر “انه من غير الجائز، الخلط بين الوطن والدولة كمفهوم سياسي واحد. ومن المعيب الاستمرار بالخلط بين الوطن والمؤسسة السياسية التي اغتصبت مقدرات الوطن وشعبه وتاريخه. لأنّ ذلك يقود حتمًا، الى التنكّر لحق أي فئة من الاجتماع اللبناني التعددي في الشراكة في الوطن على قدم المساواة مع أي جماعة أخرى مهما كبُر عددها أو اشتدّ ساعدها لفرض إرادتها على الآخرين. ولقد تنبّه الى ذلك سماحة الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، فقد أوصى مريديه من الطائفة الشيعية ومن اللبنانيين عمومًا بـأنّ التنوّع اللبناني هو قدوة وطنية كبرى ونوافذ حضارية على العالم ورسالة حوار دائم في ذاته ومحيطه. إن المجتمع الأهلي في لبنان متنوّع. ويجب أن يظل متنوعًا في ما ينبغي أن يكون المجتمع السياسي موحّدًا”.
واعتبر يونس أنّ “الدستور كتاب أداء السلطة الناظمة للعيش معًا في الدولة، وهو معني بهندسة النظام السياسي، وتأمين ضبط إيقاعه.. وان “إرادة العيش معًا، جوهر استقرار الأوطان”. ثم عدّد بعض المحطات التي عاشها لبنان “في ظل نظام سياسي طائفي عُرِّف بالصيغة اللبنانية في الحقبة التي تلت تفكك السلطنة العثمانية وإعادة تشكيل الكيانات السياسية في ظل الانتداب الفرنسي والنفوذ البريطاني، على قاعدة الصراع على تقاسم السلطات في الدولة الناشئة بين إقطاعيات طائفية وأسرية. إلى أن جاءت الحرب التي أذِنت توازنات القوى الإقليمية والدولية بإنهائها في العام 1989، وأتاحت انعقاد مؤتمر للوفاق الوطني في الطائف. ورحَّب اللبنانيون، بوثيقة الوفاق الوطني بين جناحي الوطن لإنهاء الحرب وقيام الدولة التي تمّ إدراج مبادئها في مقدّمة الدستور، كحلّ نهائي تعاقدي للقضايا التي أدّى التشابك أو التنازع حولها في الماضي بين المواقع الطائفية إلى الحؤول دون قيام الدولة”. وتايع يونس: “لم يكن بالإمكان في تلك المرحلة الحرجة، التوسّع في تنفيذ كافة الإجراءات الدستورية والقانونية الضرورية للتخلّي عن النظام السياسي، فتقرّر إرجاء تنفيذ الإجراءات المواكبة لإلغاء الطائفية لإتاحة فرصة للحوار والتفاهم بين اللبنانيين أنفسهم، خلال المرحلة الانتقالية التي لحظها الميثاق. واعتبر ان بداية الطريق “مباشرة الحوار الوطني، بموجب المادة /95/ من الدستور تجسيدًا لمقتضيات الميثاق، بتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية و مَهَمَّتها دراسة الطرق الكفيلة لإلغاء الطائفيّة واقتراحها وتقديمها لمجلسي النواب والوزراء، ومتابعة تنفيذ الخطّة المرحليّة. ورجّح يونس بـ “أنّ هذه الفقرة من الميثاق كانت الدافع الحاسم للانقلاب عليه وتشويه أهدافه وتعطيل تنفيذه، خوفًا من المضي في تحقيق الوفاق المرتكز على تلازم التخلّي عن التمثيل السياسي الطائفي في الدولة وعن الآفة الطائفية في الوطن”.
واعتبر يونس أنّ رئيس الجمهورية مسؤول عن “تنفيذ أحكام الدستور ومقتضيات المادة /95/ منه”. فهو رئيس هيئة الحوار الوطني المكلفة باقتراح الإجراءات والأنظمة الملازمة لقيام دولة مواطنة ديمقراطية لاطائفية. وقد ميَّز المؤتمرون في الطائف رئيس الجمهورية بـ مَهمة تاريخية جعلت منه المؤتمن على تحقيق الموجب الميثاقي الذي ينصّ على أنّ إلغاء الطائفية السياسية هدف وطنيّ يقتضي تحقيقه، على اعتباره الشأن الأهمّ لحاضر ولمستقبل اللبنانيين المسيحيين والمسلمين، على حد سواء.” وبعدما رفض يونس الرأي الشائع الذي يعتبر الدستور المعمول به حاليًا بكلّ مندرجاته “ميثاقًا لا يمكن تعديل أي من نصوصه يجانب الحقيقة”. معتبراً بـ “أن الهاجس الأكبر وهو وعي رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور، لدوره المستحدث، بعد اتفاق الطائف الذي يستدعي الكثير من الشجاعة وحذاقة الرأي والبصيرة والمسؤولية، لا كممثل لطائفة بل كحارس للميثاق ومسؤول عن احترام الدستور و تطويره وتعديله، عندما يقتضي الأمر، لا كمحاسب للحصص الطائفية”.
وحدّد يونس جملة العناوين الأساسية للحوار وهي من “القضايا التي شكّلت في الماضي أرضية الخلاف والتناقض بين الفئات اللبنانية على خلفية طائفية، والتي ما زالت تستدعي حوارًا وطنيًا نزيهًا وشجاعًا، وهي تقع من ضمن اربعة محاور أولها القيم الذاتية التأسيسية للجمهورية التي تتحدث عن أي وطن نريد، وثانيها ما يتعلق بـ الكيان والهوية الوطنية والهوية القومية، وثالثها فصل الدين عن الدولة. ورابعها كيفية تكوين السلطة”.
وعليه تحدث يونس عن دور “الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفيّة” وقال إنها “المعوّل عليها للحفاظ على خصوصية هذا الوطن ومستقبل أجياله، في حال تخلّينا عن الطائفية السياسية وتوزيع السلطة حصصًا بين الطوائف، وعلى قدم المساواة من دون هيمنة فريق على آخر؟ ورسم الآلية التي توفّر الديمومة لهذه الصيغة، وتحافظ على التوازن والسلم الأهلي وتكون صمّام الأمان في الأزمات الوطنية؟”
وختم يونس بالقول: “إذا قدّر للدولة أن تقوم، لنتحرر أولاً تجاه العالم الخارجي من وصمة التخلّف، حيث ستكون لنا دولة عصرية مثل سوانا من شعوب العالم، كبديل عن تجمع طوائف متناحرة، لا تليق بما ندّعيه من تقدم حضاري. وسيتحول الأفراد “من رعايا طوائف إلى مواطنين في دولة، لا حاجة لهم لوسيط أو شفيع معها. وسيعاد للموظف المحرر من الارتهان دوره في رعاية المواطنين وخدمة الشأن العام”.
ملتقى التأثير المدني
المكتب الإعلامي
كلمة رئيس ملتقى التأثير المدني فيصل الخليل
السيّدات والسّادة،
كم يطيبُ لنا أن نلتقي بعد غيابٍ فرَضَتْه أزماتٌ مع جائِحة كورونا. نعُودُ وإيّاكُم في "ملتقى التأثير المدني" نُطْلِقُ مسار "الحوارات الصّباحيّة" وكُنّا قد بدأنا بها منذ سنوات في مساراتٍ متعدّدة مع كُلّ القِوى المجتمعيّة الحيّة، نستكمل خيارنا في العَوْدة إلى الدُّستور نصًّا وروحًا كي نبني سويًّا دولة المواطنة الحُرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العيش معًا.
نَعْلَم بالعُمْقِ أنّ أوجاعنا تتعاظم على كُلّ المستويات الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والاستشفائيّة، والتربويّة، وحتّى الأخلاقيّة، لكنّنا معنيّون أيضًا بمُقاربة مسبِّبات هذه الأوجاع حيثُ يستمرّ الانقِلاب على الدُّستور، واستِباحة السّيادة، وتعميم الفساد، والانقِضاض على العدالة. لم نَزَل نُعاني المحاصصة والزبائنيّة، وتحالُف المافيا والميليشيا الذي حوّل لبنان من نموذجٍ حضاريّ إلى دولة فاشِلة، تعرَّضّ فيها الشعب اللّبناني لجريمة منظّمة قتلت كلّ القطاعات واغتالت العدالة الاجتماعيّة والازدهار الاقتصادي، وكان أبشع تعبير عن هذه الجريمة المنظّمة تفجير بيروت في 4 آب 2020. نحنُ وإيّاكُم معنيُّون بمُقاربة هذه المُسبّبات لِنَبْحَث سويًّا كُلٌّ من موقِعه في كيف نُنقِذ لبنان من هذا المستنقع الجهنّمي، ونحمي هويّته الحضاريّة، وهذا يتطلّب تصويب المفاهيم، وتصويب المسارات، لبناء سياساتٍ عامّة تطبقّها الحوكمة الرَّشيدة، وهذا يقع في صُلْبِ هدف ورسالة "ملتقى التأثير المدني" إنّه زمن إعادة تكوين السُّلطة واسترداد الدّولة.
السيّدات والسّادة،
مسار "الحوارات الصّباحيّة" نُريدُه انطِلاق فِكرٍ تغييريّ إصلاحيّ لِفعْل تغييريّ إصلاحيّ. المُهمّة شاقّة لكنّها لَيسَت مستحيلة. ولُبنان يستأهِلُ منّا مُقيمين ومغتربين إستِمرار النّضال.
إنّنا إذ نتطلّع إلى استدامة تعاوننا في خدمة القضيّة اللّبنانيّة والإنسان، نأملُ أن نُنَجِّح معًا هذا المسار، فتعود العقلانيّة والحكمة والصّلابة والنّزاهة رأس حربة لِقِيام دولة المواطنة، دولة الحقّ والعدل. هذا عهدٌ علينا ووعد.
عُشتم وعاش لبنان
كلمة الدكتور وجيه قانصوه / ميّسر الحوار
إلغاء الطائفية السياسية، مطلب بديهي، نقر جميعا بضرورته للعبور من مستنقع الاصطفافات والتوترات التي لا تتوقف، إلى فضاء الاستقرار والحياة السعيدة والمنتجة. رغم ذلك، وكلما جاء استحقاق هذه المهمة، نتهيب منها ونرتعب ونخاف، نشعر بثقلها وعبئها ومخاطرها. نتفحص حولنا بنظرة سريعة لنجد أننا غير جاهزين، أو أن الظروف غير مؤاتية، ونتذرع بحجج كثيرة، لغرض رفع هذا العبء عن الأكتاف، ولنتنصل من خطورة وجسارة حمله، فلا نجد سبيلا سوى تأجيله، دفعه إلى الأمام، إرجاءه ، لنرجيء معه الوطن المعافي والدولة القادرة، حيث تبين بعد كل هذه السنين، أن تأجيل إلغاء الطائفية هو تأجيل للدولة، إرجاء للديمقراطية، تعطيل للحياة، ترك الوطن أسير شبكة المصالح والقوى الطائفية التي باتت في تشعباتها وامتداداتها كالاخطبوط، الذي يوزع سلطته وينشر نفوذه وتأثيره وتحكمه في كافة أرجاء الحياة العامة والخاصة.
تعود مسألة إلغاء الطائفية إلى الواجهة، بعد الحراك المجتمعي الكثيف الرافض لها، المتطلع إلى غد أفضل، ووطن رحب يتسع للجميع. لكن دون ذلك عوائق وعقبات. فإلغاء الطائفية ليس قفزة في الهواء، وليس قانونا تشريعياً فحسب، بل هو عملية تحول بطيء ومعقد وشامل، لا تطال الحياة السياسية وصناعة القرار السياسي فحسب، بل تطال المسلكيات والعلاقات والذهنيات ونمط الحياة. ما يعني أن إلغاء الطائفية السياسية هو تحول للذات اللبنانية نفسها، في نظرتها إلى نفسها وغيرها والعالم.
لإلغاء الطائفية السياسية بعدان:
البعد الأول تدبيري وتنظيمي، وهذا يتصل بالنص الدستوري حوله، وحول الآليات التشريعية والقانونية والتنظيمية داخل مؤسسات الدولة، لترسيخ إلغاء الطائفية شكلاً نهائياً وجذرياً ناظماً للحياة العامة.
وإزاء هذه البعد تتولد عدة أسئلة لا بد من التباحث حولها:
أ. حول الجهة الذي تقوم بابتكار الآليات والميكانزمات لتحقيق الإنتقال من الحال الطائفي إلى الحال اللاطائفي. فالمحذور هنا هو الوقوع في الحلقة المفرغة. إذ إن الهيئة الوطنية المقترحة لإلغاء الطائفية السياسية ستكون مؤلفة من الجسم السياسي والهيئات التثميلية ذات الطبيعة الطائفية. مما يعني إيكال المهمة إلى غير أهلها من جهة، وإلى مسعى هذه القوى إلى إماتة الفكرة وإفراغها من حقيقتها ومضمونها الفعلي، مثلما حدث في قانون النسبية الانتخابي الأخير.
ب. ما هو دور المجتمع، في قواه المدنية والثقافية في عملية إلغاء الطائفية، ومن يختار الشخصيات الثقافية والوجوه الاجتماعية داخل الهيئة الوطنية.
ت. لا يقتصر دور الهيئة على تحويل إدراج إلغاء الطائفية إلى نص مباشر وصريح، وإنما يستتبع ذلك جملة آليات ومواد ضرورية، والتي منها القانون الانتخابي، قانون الأحزاب السياسية، لاطائفية الرئاسات الثلاث، مناصب الدولة، قانون الأحوال الشخصية، علاقة الدولة بالمؤسسات الدينية.. ما يعني أن إلغاء الطائفية تتطلب عملية دقيقة وحساسة وتتطلب رؤية كاملة واستراتيجية فعالة لإحداث هذا الانتقال.
ث. ما هي الضمانات التي تحول دون تجول إلغاء الطائفية إلى وسيلة غلبة طائفية على طائفة، أو أتباع دين على أتباع دين آخر. بحكم الخلل في الديمغرافيا اللبنانية من جهة، وبحكم المؤثرات الخارجية التي توفر لجهة أو مذهب إمكانات غلبة وهيمنة لا تتوفر في المذاهب الأخرى. بالتالي كيف يتم التوفيق بين عمومية العمل السياسي الخالي من اللون الطائفي وتفريغ المناصب والمراكز من لونها الطائفي من جهة، وحفظ التوازن والخصوصيات والتعددية التي هي سمة المجتمع اللبناني وحقيقته الحضارية.
أما البعد الثاني، فهو ثقافي اجتماعي، ما يعني أن إلغاء الطائفية هو تحول في المزاج والسلوك والذهنية وأطر العلاقات ونمط التوزع السكاني. إذ إضافة إلى إعادة هيكلة عمل الدولة والعمل السياسي على مرتكزات غير طائفية، لا بد من إزالة كل مظاهر السلوك والتفكير ولغة الطائفية والولاءات الاجتماعية.
هذا يستدعي جملة نقاط:
أ. تأسيس نظام تربوي ينسجم مع مبدأ اللاطائفية، وينشيء الأجيال على وعي لاطائفي. بالتالي ما هي الاستراتيجية التربوية التي ترسخ مبدأ اللاطائفية في الوعي والسلوك المجتمعي؟
ب. ما علاقة إلغاء الطائفية بمبدأ العلمانية؟ هل يتقاطعان أم يتطابقان؟
ت. كيف تتم إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية، لإزالة كل أوجه الخطاب الطائفي المتغلغل بشدة في المؤسسات الاعلامية. أي إعادة إنتاج الخطاب الإعلامي على أسس غير طائفية؟
ث. مساحة وحدود نشاط المؤسسات الدينية، بخاصة في المجال التربوي والوعظي؟
ج. ضرورة إعادة النظر بالفرز السكاني على قاعدة طائفية، والسبيل إلى توسيع دائرة الهوية والشخصية اللبنانييتين، على جساب الهوية والشخصية الطائفية.
ح. كيف نفعل قوى المجتمع، من منابر ثقافية وقوى مدنية وبيئية وعلمية، للإسهام في عملية التحول المجتمعي نحو اللاطائفية.
بالمحصلة، الطائفية خطوة جرئية وخطرة، لكنها باتت ضرورة لإنقاذ الوطن والمواطن، هي عملية تحول لا تحصل دفعة واحدة، بل عملية عابرة للأجيال، بحكم أنها تحول في نمط الحياة وتغير في معنى الحياة وقيمتها. هي عملية لا تحصل بقرار سياسي ونص تشريعي، بل هي تحول مجتمعي تتحقق على يد المجتمع نفسه. فكما أنه لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين، كذلك لا معنى للاطائفية من دون لاطائفيين.
ورقة عمل الدّكتور نزار يونس
مقدمة
يقف لبنان اليوم عند مفترق مفصلي تتطاحن وتتصارع فيه المجموعات العصبية من دون جدوى. كل يبحث عما يعتبره حقاً مرصوداً له، على أن أي حق يخرج عن إطار الدولة الجامعة والضامنة والمتحررة من قيود الطائفية والتحاصص، لن يستقيم ولن يسهم إلا في تهديم الأمل بوطن سوي وبمواطن سعيد وعزيز في هذا الوطن.
لا يكفي أن نلعن القدَر ونقف عاجزين عن مواجهة أقدارنا المأساوية، لنصطفّ مذاهب وقبائل وأتباعاً، نتبادل الاتهامات ونندب حظنا التعيس، فنكيل الشتائم للسياسيين ولبعضنا البعض وفي النهاية نراوح مكاننا.
علينا في البداية أن نعترف بأن الأزمات التي نعاني وطأتها، ليست قدَراً لا نفاذ منه، فهي النتيجة الحتميّة لنظام سياسيّ يؤدّي بحكم تكوينه وديناميّة عمله إلى كلّ ما نعاني من فساد وترهّل في بنية الدولة. لكن وعلى الرغم من إجماعنا في مؤتمر الوفاق الوطني في الطائف على أن التخلي عن هذا النظام هو السبيل الوحيد لقيام الدولة الزمنية الديمقراطية، عدنا الى كنفه مهرولين كما لو أن الميثاق لم يعد مرجعيتنا، وكما لو أن المادة 95 من الدستور وضِعت لتبقى حبراً على ورق.
في الأوضاع الحرجة التي تمر بها بلادنا اليوم، لم يعد من الجائز قبول هذا الانفصام الملفت بين الخطاب السياسي والمآذارة، وبين القول والفعل. فكيف ندّعي التزاماً بإتفاق الطائف في الوقت الذي نرفض تطبيق البند الأهم فيه، والذي هو جوهر الإتفاق ذاته، أعني بذلك التخلي عن نظام المحاصصة الطائفي.
من الواضح أن الإكتفاء بالشجار حول إلغاء الطائفية السياسية يثير حساسيات وهواجس. لكن تجاهل النص الدستوري الذي قضى بأن يُعهد الى الهيئة الوطنية للحوار مهمة إقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية يطرح تساؤلات حول نزاهة أدعياء الدفاع عن الإتفاق. فما هو البديل عن تطبيق المادة 95 من الدستور؟ بعد ما أكّدت المؤسسة السياسية الطائفية عجزها عن المضي في المماطلة والتسويف للإلتفاف حول الميثاق ولتعطيل الدستور، بإنتظار ظروف قد تتيح لها التنكّر لموجباته، وانتظار فتنة جديدة على أمل أن تقودها الى مؤتمر وفاق جديد أو الى كارثة أكثر تدميراً؟
في مشروعية الوطن اللبناني وعلّة وجوده
إن اسم لبنان مرتبط بمعطيات جغرافية طبيعية ثابتة، وهو لم يشمل الجزء، وإنما الكلّ، فهو وحدة جغرافية، بقيت خلال العصور متماهية إلى حد كبير مع جغرافية لبنان المعاصر الذي أعطى اسمه للشعب الذي سكنه وليس العكس. واستطرادًا، يمكن القول أنّ معطيات البيئة اللبنانية طبعت الشعب اللبناني بطابعها الخاص وساهمت في تحديد هويته الحضارية ضمن حدود جغرافية طبيعية ثابتة توحدت منذ نيّف وخمسة قرون في كيان سياسي في حقبة الأمير فخر الدين الكبير. وقد شكل هذا الكيان العزيز والمقاوم المحاولة الأولى لتحرر شعوب هذا المشرق من ظلامية وجور السلطنة العثمانية.
ومنعًا للتمادي في ترويج الأضاليل من قبل من لا يضمر الخير لوطننا، لا بد من التأكيد ان لا علاقة إطلاقًا لحدود الدولة اللبنانية الحالية باتفاقية "سايكس بيكو"، خلافًا لحدود الكثير من الدول التي استحدثتها تلك الاتفاقية والتي رُسِمت خطوطًا مستقيمة في البوادي والأدغال. فمن غير الجائز أو اللائق مقارنة مشروعية الوطن اللبناني التاريخي بسواه من الأوطان الناشئة في جوارنا وفي العالم.
لبنان لم يكن يومًا ساحة صراع قبائل أو طوائف لكل منها عنصرية أو دينٌ قوميٌ، بل كان أرض تلاقٍ، ومستقــَـراً للعائلات الروحية والإتنية التي نزحت إليه، واعتبرته، من دون سواه في هذا الشرق، ملاذًا وواحة أمان وأرض كرامات. فقد كان هذا النزوح فعل ارادة واعية من الوافدين المسلمين والمسيحيين الذين تخلّوا عن السهول والواحات والأنهر، وارتضوا شظف العيش والكفاف ثمنًا للحرية في هذه الجبال الوعرة والعصيّة على الإذلال التي صنعت الشخصية اللبنانية، الغنية بخصائص مشتركة بين المسلمين والمسيحيين تتجاوز انتماءاتهم الدينية أو العرقية.
في خصوصية الوطن وفرادة شعبه ورسالته
في أصعب الظروف عاش اللبنانيون معًا، واجهوا ظروف الظلمة والقهر، وتقاسموا لقمة العيش في الأفراح والأتراح، عانوا من الشح والعوز لكنهم لم يتخلّوا أبدًا عن الولاء للأرض التي حضنتهم ولم يُفرّطوا بها، ولم يتنكّروا في أي ظرف للعرى الحياتية التي حبكها صمودهم ونضالهم الأسطوريان من أجل البقاء.
لم يواجه سكان الجبل، كلّ سكانه، عُقَدَ الأقليات، ولم يتعرّضوا أبدًا لغربة العيش في "الغيتوات" المنغلقة. فالشعب اللبناني، على رغم التنوّع الروحي والثقافي للجماعات التي تعيش على أرضه، وربما، بفضل هذا التنوّع بالذات، تمكّن من تظهير شخصية نمطية مميزة خاصة به. ففي العالم اليوم، كما في الأمس، عدد ضئيل من الشعوب التي يُعرّف عنها بهوّية خاصة ومميزة، كما يُعرّف عن الرواد اللبنانيين في المهاجر وفي دنيا العرب.
لم تثنِهم المؤامرات والفتن والنزاعات التي تعرّضوا لها في القرن التاسع عشر، عمّا اختطّوه لأنفسهم من دور، يتجاوز جغرافيا بلادهم الضيّقة ووجودهم المادي. تصدّوا بشجاعة لمحاولة السلطنة تتريك العالم العربي وطمس ذاكرته ومحو حضارته ولغته. وعملوا على قيادة نهضة عظيمة لإعادة الروح إلى الحضارة العربية، واستعادة هويتهم القومية ودورهم التاريخي في تألق هذه الحضارة واستدامة روافدها.
لبنان لم يكن يومًا أكبر وأنبل من يوم قُيّض له أن يكون وطن الثقافة وموطن الأحرار، يوم كانت بيروت حاضرة العالم المشرقي، وجامعته ودار نشره، ومركز انبعاث نهضته في الفكر والفن والشعر والغناء، ومنبر حرّية فيه لكل ملاحق من بلده بسبب أفكاره، وعندما كانت تخاطب العرب بلسان عربي فصيح وتحاور الغرب بلغاته وفكره. يومها أطلق السيد "رينيه ماهو" Maheu René رئيس منظّمة الأونيسكو صرخته المدوّية في جريدة "لو موند" الفرنسية في بداية الحرب الأهلية "بأن سِمات لبنان وشعب لبنان حاجة للعالم، وهي تُجسّد جوهر الحضارة نفسها، وهي غير شائعة لنقبل نضوب منابعها في المكان الأضمن لتوافرها بغزارة".
لم يأتِ كلام رئيس منظمة الأونيسكو من فراغ، فللوطن الصغير في الوجدان العالمي مكانة خاصة. وما زال الرهان قائمًا على دوره في ترويج ثقافة الحياة والتلاقي بين الحضارات وبين المسيحية والإسلام. وما زالت النُخب الثقافية المعنية بالحضارة والسلام ضنينة بشعب لبنان وحريصة على بقائه. ولا بدّ للعالم أن يهبّ لنجدته، وإلى إعادة الروح إلى الوطن، إذا قرر اللبنانيون الباقون فيه ألاّ يموت.
إن ديار الإسلام مترامية الأطراف، ولن يزيدها هذا الوطن الصغير اتّساعًا. كذلك فإن أرض المسيحية شاسعة، ولن يزيدها لبنان رحابة، وهو وطنهما معًا وليس وطنًا لدين دون الآخر. هذا ما أكدّه الإرشاد الرسولي في رجاء جديد للبنان، الذي جاء فيه" إِنَّ للبنان دورًا أكبر من مساحته وعدد سكانه". واعتبر " أن لبنان أكثر من وطن، إنه رسالة. ورسالته، النابعة من تعددية الإيمان، تكمن في تعارف الإسلام والمسيحية، وفي محبة الآخر وقبوله مختلفًا".
الدولة في علم السياسة
الدولة، في علم السياسة، تعني المؤسسة القانونية والسياسية والتنظيمية المولَجة إدارة كيان وطني في شتّى جوانب حياة مواطنيه من اجل رغدهم وتحقيق تطلعاتهم. وعلى الدولة المنجزة أن تكون دولة حق وعدالة في مآذارتها للسلطة، ودولة عقلانية في تكوينها وبنيتها، وأن تؤدّي مهماتها كسلطة أحادية النصاب، تراتبية الهيكلية، وحيادية في إدارة المصالح الفردية والفئوية والقطاعية المتضاربة، حيث تؤدي دور الحَكَم النزيه والحكيم في النزاعات حول تناقض المصالح أو الرغبات لحلـِّها، وفقًا لدستورها، وقوانينها، وأنظمتها. فمن غير الجائز، الخلط بين الوطن والدولة كمفهوم سياسي واحد. إذ إنَّ الدولة هي الأداة الإجرائية لحماية الوطن والذراع التي ترعى حياة المواطنين وتصون أمنهم ورغدهم وحرياتهم. ومن المعيب الاستمرار بالخلط بين الوطن والمؤسسة السياسية التي اغتصبت مقدرات الوطن وشعبه وتاريخه، لأن ذلك يقود حتمًا، الى التنكّر لحق أي فئة من الاجتماع اللبناني التعددي في الشراكة في الوطن على قدم المساواة مع أي جماعة أخرى مهما كبُر عددها أو اشتدّ ساعدها لفرض إرادتها على الآخرين. كما يقود الى التشبّث بالشراكة المستحيلة في الدولة بين الطوائف المتصارعة تحت لواء بدعة "الديمقراطية التوافقية" المناقضة كليًّا للوفاق وللميثاق وللحس السليم.
لقد تنبّه الى ذلك سماحة الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، فقد أوصى مريديه من الطائفة الشيعية ومن اللبنانيين عمومًا ب " أن التنوّع اللبناني هو قدوة وطنية كبرى ونوافذ حضارية على العالم ورسالة حوار دائم في ذاته ومحيطه. إن المجتمع الأهلي في لبنان متنوّع. ويجب أن يظل متنوعًا في ما ينبغي أن يكون المجتمع السياسي موحّدًا"، هذا الكلام المضيء الذي يميّز ما بين الوطن التعددي والدولة الأحادية ما زال مفتاح الولوج إلى عمق تفكير هذه الشخصية الوطنية الاستثنائية.
الدستور "كتاب" أداء السلطة الناظمة للعيش معًا في الدولة
والدستور، كما وصفه الحقوقي الفرنسي Robert Badinter، هو أداة سياسية وهندسة قانونية ولحظة تاريخية وصياغة أدبية، يندرج في حقبة تاريخية من حياة الدول، وتستند شرعيته إلى مراعاته أحكام ميثاق العيش معًا والنظام العام، أي العقد الاجتماعي بين المواطنين، وبينهم وبين الدولة. فلا يمكن، تاليًا، استعارة الدستور من المخيـّــلة ولا عزله عن الواقع، حيث يرتبط نجاح السلطة بكفاءة الدستور الناظم بأن يكون مرجعًا يُحتكَـم إليه للفصل في تناقض المصالح والرغبات الخاصة، وفي مراعاة المبادئ الديمقراطية التأسيسية لضمان وحدة المجتمع الأهلي وتماسكه وانفتاحه على التطوّر والتقدّم.
فالدستور معني بهندسة النظام السياسي، وتأمين ضبط إيقاعه، يُمارَس وفق ديناميات تحدِّد كفاءة أدائه وتفاعله مع سواه. فباستثناء بنود الميثاق، المكوِّن الأول لنشوء الأوطان Existant Premier الذي يرفد الدستور بثوابته، فإن سائر النصوص الدستورية تأتي نتاج تطور مفاهيم الحكم وتجربته التاريخية، فمن الراهن أن الخلط بين الدستور والميثاق يؤدي الى تعطيلهما معًا.
إرادة العيش معًا، جوهر استقرار الأوطان
الأوطان ليست حقيقة أولية، قائمة بذاتها. فهي تصوّر ذهني مجرّد يجسـِّـد إرادة جماعات في العيش معًا، يؤكّده الشعور بالانتماء إلى ذاكرة مشتركة والرغبة في الانضواء في صيرورة جامعة في كيان سياسي مؤهل لإدارة النهوض الاقتصادي والاجتماعي لهذه الجماعات.
ومن المسلّم به، أن إرادة العيش معًا، هي اللَّبنة الأساس في قيام الأوطان واستقرارها، حيث إنها تكرّس أو تظهّر إرادة جماعات، ارتضت العيش معًا، في كيان جغرافي وسياسي محدّد، وجدت فيه المقوّمات الضرورية لتحقيق ذاتها وتطلّعاتها.
إذا كانت إرادة العيش معًا هي الأساس في نشوء الأوطان وبقائها، فلا يكفي تأكيدها كشعار، حتى تقوم الدولة العصرية المستقرة والقادرة على التطور ومواجهة الأزمات الوطنية الكبرى، الناجمة عن شعور فئة بالغبن في مرحلة معينة، أو بالحرمان أو الإحباط في مرحلة أخرى. فكلّ جماعة ترى، ومن حقها ذلك، أن لها حقوقًا مكرّسة في الوطن، وأن شراكتها فيه مشروطة بصون حقوقها دون انتقاص أو تجزئة، وأهمها الحق في الحرية والمساواة السياسية الحقيقية وفي الوجود الآمن وتحقيق الذات.
فإن كانت إرادة العيش المشترك، مسلّمة طبيعية في الكيانات الموحّدة، والمنصهرة اجتماعيًا وحضاريًا، فهي ليست كذلك في الأوطان ذات التعدّدية الدينية أو العرقية أو الثقافية، حيث تحتاج ديمومتها إلى التوافق بين أطرافها على الشروط والالتزامات المتبادلة للعيش معًا، التي من شأنها تنظيم إطار الضوابط والقواعد الضرورية لإدارة إشكاليات التباين في المصالح أو الرغبات، إذ لا يحق لأحد أن يحدّد حقوق الآخر على قاعدة الأكثرية والأقلية، كما لا يجوز أبدًا، بغية شدّ العصب الطائفي، المتاجرة بهواجس الإقصاء والإذلال أو الاعتداد بنوازع الهيمنة أو الاستحواذ أو الاستئثار.
لماذا الميثاق؟
لدينا وطن رائع، كان مؤهّلًا ليغدو من أعظم أوطان الأرض. وكان لديه ولدى سكّانه كامل المقوّمات لبناء اقتصاد عملاق على أرض بهية، ولإنتاج ثقافة مرهفة لشعب ذكي وشجاع، لديه الجدارة والعزم على المساهمة في صيرورة الحضارة، كما يفعل، في كلّ يوم وتحت كلّ سماء، أرتال من الرجال والنساء اللبنانيين الذين رمتهم الأقدار في أمصار لم تلوّثها بعد أنانية من تولّوا أقدار الوطن الحزين، وتركوه عرضة للهوان والسقوط.
تأسس النظام السياسي الطائفي الذي عُرِّف "بالصيغة" اللبنانية في الحقبة التي تلت تفكك السلطنة العثمانية وإعادة تشكيل الكيانات السياسية في ظل الانتداب الفرنسي والنفوذ البريطاني، على قاعدة الصراع على تقاسم السلطات في الدولة الناشئة بين إقطاعيات طائفية وأسرية. لقد خلّف هذا الصراع تناقضًا وهميًا بين هذه الإقطاعيات وجد مسوّغه في اصطناع هوية متخيلة خاصة لكل من جناحي الوطن، وقد اوغل الفريقان في سعيهما لإعطاء الوطن اللبناني وجهًا دينيًا أو عنصريًا يميّزه ليضمن من خلاله السيطرة ايديولوجيًا عليه. فقد أثارت هيمنة الطائفة المارونية على القرار السياسي حفيظة الآخرين وشعورهم بالغبن وبالحاجة للاستقواء بالمحيط مما قاد الى شعور فريق بالغبن والفريق الآخر بالخوف ودفع الفريقان الى المشاركة في حرب الآخرين على أرضهم.
استمرت الحرب الأهلية طويلًا حتى أذِنت توازنات القوى الإقليمية والدولية بإنهائها في العام 1989، وأتاحت انعقاد مؤتمر للوفاق الوطني في الطائف، في المملكة العربية السعودية، بإشراف جامعة الدول العربية وبرعاية كريمة وشجاعة من
اللجنة العربية العليا المشكّلة من المملكة العربية السعودية ومن المملكة المغربية، والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وقد كلّفت اللجنة مندوبها معالي الأخضر الإبراهيمي هندسة الوفاق الوطني بين اللبنانيين، وكان اختيارها حاذقًا وموفقًا.
رحَّب اللبنانيون، بوثيقة الوفاق الوطني بين جناحي الوطن لإنهاء الحرب وقيام الدولة التي تمّ إدراج مبادئها في مقدّمة الدستور، كحلّ نهائي تعاقدي للقضايا التي أدّى التشابك أو التنازع حولها في الماضي بين المواقع الطائفية إلى الحؤول دون قيام الدولة.
لم يكن بالإمكان في تلك المرحلة الحرجة، التوسّع في تنفيذ كافة الإجراءات الدستورية والقانونية الضرورية للتخلّي عن النظام السياسي، المتجذّر والراسخ في الأذهان وفي الجغرافيا السياسية والإدارية، فتقرّر إرجاء تنفيذ الإجراءات المواكبة لإلغاء الطائفية لإتاحة فرصة للحوار والتفاهم بين اللبنانيين أنفسهم، خلال المرحلة الانتقالية التي لحظها الميثاق.
وفي ما يلي بنود الميثاق التي أُدرِجت في مقدمة الدستور:
أ. لبنان وطن سيّد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضًا وشعبًا ومؤسسات بحدوده المنصوص عنها في هذا الدستور والمُعترف بها دوليًا.
ب. لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسّس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظّمة الأمم المتحدة وملتزم ميثاقها والإعلان العالمي لحقوق الانسان. تجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات من دون استثناء.
ج. لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، من دون تمايز أو تفضيل.
د. الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يآذارها عبر المؤسسات الدستورية.
ه. النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.
و. النظام الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة.
ز. الإنماء المتوازن للمناطق، ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام.
ح. إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه، وفق خطة مرحلية.
ط. أرض لبنان أرض واحدة لكلّ اللبنانيين. فلكلّ لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتّع به، في ظلّ سيادة القانون. فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين.
ي. لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
الالتزام بالميثاق: قاعدة الوفاق الوطني
لقد نصّت الفقرة (ي) من مبادئ الميثاق الوطني على أن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"، وقد وظفت منظومة المحاصصة هذه الفقرة سلاحًا طائفيًا قاتلًا تستعمله أداة لتعطيل العيش المشترك بالذات، تحت غطاء ما أُطلق عليه زورًا تسمية الميثاقية.
الميثاقية تعني الالتزام بميثاق العيش المشترك أي التقيّد الشجاع والنزيه بنصوص وثيقة الوفاق الوطني وما تمليه من موجبات وما ترسمه من خارطة طريق لتنفيذ أحكامها حيث إن التخلّي عن النظام الطائفي لإتاحة فرصة بناء الدولة هو الركن التأسيسي للوفاق من أجل العيش المشترك. أمّا الاعتداد بالحصص الطائفية المزعومة وبالتقنين والتخصيص فهو مناقض كلّيًا لروح وثيقة الوفاق الوطني وللعيش المشترك، وهو خيانة للشعب وللوطن وللعقل والإدراك السليم.
1. الوفاق يعني، بكلّ بساطة، الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني نصًا وروحًا، واعتبار هذه الوثيقة، عقدًا ملزمًا ومستدامًا غير قابل للتعديل أو للتجزئة أو الانتقاص، كما يعني أنَّ أي تحايل أو تشاطر يقود حتمًا الى الانتحار او الاندثار.
2. الوفاق يعني التوازن بين جناحَي الوطن الذي يحافظ على خصوصية لبنان ويعكس حقائق التاريخ ويجسّد المشروع الذي ناضل في سبيله روّاد النهضة في سعيهم لقيام دولة زمنية في أوطانهم وفصل الدين عن الدولة الزمنية التي تجد شرعية وجودها في القيم الذاتية للأوطان التعددية التي أرستها مفاهيم الحضارة وشرعة حقوق الإنسان.
الميثاق في مبادئه التأسيسية
جوهر الميثاق هو التخلّي عن نظام التمثيل الطائفي في الدولة القائم على مبدأ تقاسم السلطة بين المذاهب، واستبدال الشراكة الافتراضية المستحيلة بين المذاهب بشراكة حقيقية بين المواطنين في دولتهم، هذا من جهة. وفي المقابل أكّد الميثاق على الشراكة في الوطن التعددي الحريص على الحقوق المصانة لكل مكوّناته ومواطنيه، وخاصة الحق بالتنوّع والاختلاف.
كرّس الميثاق مبادئ "وثيقة الاستقلال" التي أعلنها الرئيس رياض الصلح في البيان الوزاري لحكومة الاستقلال الأولى الصادر في 8/11/1943، التي تماهت مع "الميثاق الوطني" الذي دعى اليه يوسف السودا وتقي الدين الصلح في العام 1938، على اعتباره عهدًا بين اللبنانيين للحصول على الاستقلال وللتخلّي عن النظام الطائفي وعن الانحياز إلى الشرق أو إلى الغرب على قاعدة الكرامة الوطنية والمساواة التي تعني المشاركة في الحكم والقرار أي علمنة الدولة في الوطن التعددي.
اختزل الميثاق، المرتكزات الأساسية للوفاق، بحيث لا حقوق للمذاهب على حساب الدولة، ولا تخصيص ولا تقنين لأي موقع في السلطة لمذهب أو لعشيرة. الميثاق أخذ من الطوائف ما ليس لها وأعاده إلى المواطنين، وفي المقابل حدد الميثاق سِمات الوطن الذي نريده على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات بين كل مكوناته، على اعتبار أن لا سبيل إلى الوفاق الحقيقي في المجتمعات ذات التنوّع الديني أو العنصري من دون الإلتزام بالقِيَم الاجتماعية الأساسية التي لا تتناقض مع ما تعتبره الجماعات المكوّنة للوطن ماسًا بحريتها، والتي يُعتبَر احترامها وصونها أساسًا لشرعية الدولة والسلطات الحاكمة.
لقد اكّد الميثاق القيم التأسيسية لقيام دولة حديثة زمنية أهمها قِيَم الحرّية في الشأن العام والخاص وحرّية الفكر والمعتقد والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، والعدالة الاجتماعية والحقوق في الملكية الفردية وفي التعليم والصحة والإنماء. ومن أهم هذه القيم التي تختصر كلّ ما سواها، الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان والتزام الجمهورية تجسيد مبادئه في جميع الحقول والمجالات بدون استثناء في رحاب الوطن الذي تعاقدنا على العيش فيه.
السيادة الوطنية والاستقلال
أقرّ الميثاق نهائية الوطن اللبناني وهويته العربية وقضى بسيادة الدولة على كامل أراضيها واستقلال قرارها الوطني بدون وصاية او شراكة. ومن البدهي أن لا سبيل الى الوفاق الوطني الحقيقي إذا ما أجيزت لفريق داخلي أو خارجي حقوق تتعارض مع السيادة الوطنية ومع حق الدولة المطلق في الانفراد في امتلاك السلاح وفي الدفاع عن الوطن، وفي قرار السلم والحرب، أو فيما لو تصوّر أي فريق أن بإمكانه فرض إرادته على الآخرين تحت أي اعتبار.
المرحلة الانتقالية لتنفيذ الاتفاق
كان القصد من المرحلة الانتقالية لتنفيذ الاتفاق إعادة الاعتبار الى المجتمع المدني والسعي لمشاركة النُخب الوطنية والفكرية على امتداد الوطن في حوار بنّاء حول المبادئ والقيم والالتزامات التي تمّ إقرارها في الطائف خارج منطق الأعداد والتعداد وموازين القوى والولاءات. من الراهن أن لا سبيل لمواجهة التآمر والعقل الخرافي ما لم يؤدي الحوار الى حالة شعبية مُدركة ترفع الغطاء عن الفكر المنحرف ومروجي الأوهام والترهات، فلا بدّ من الحوار الوطني الصادق والشجاع لمعالجة رواسب الفكر الطائفي في المجتمع وفي القوانين والأنظمة وإقرار التدابير الآيلة إلى إلغاء الطائفية ومعالجة تداعيات الجرثومة اللعينة في الحياة الخاصة والعامة، في نطاق مبادئ الوفاق التي أقرّها الميثاق، لتفادي التناقضات والتباينات، على خلفية الانتماءات الفئوية أو مصالح أطراف المؤسسة السياسية الحاكمة ورغباتهم.
تجدر الإشارة، إلى أنّ الميثاق لم يُجِز خلال هذه المرحلة الانتقالية تخصيص التمثيل الطائفي أو تقنينه لا في الرئاسات ولا في الوزارات، لا في الأعراف ولا في النصوص. فبدعة "الترويكا"، التي تمّ إرساؤها خلال ولاية الرئيس الهراوي والتي زيّنت لشرعية اقتسام السلطة بين "الرئاسات" الثلاث الطائفية خلال المرحلة الانتقالية، لا تتعدّى كونها واحدة من الألغام التي زرعها الوصيّ لتشابك المؤسسات الدستورية والاستعاضة عنها بفتاوى الوصاية وإملاءاتها.
بداية الطريق: مباشرة الحوار الوطني، بموجب المادة /95/ من الدستور
تجسيدًا لمقتضيات الميثاق، تمّ تعديل المادّة /95/ من الدستور، عملًا بأحكام الفقرة (ز) من بند الإصلاحات التي أقرّها الميثاق، التي تنص على ما يأتي:
"على مجلس النواب المُنتخب على أساس المناصفة بين اللبنانيين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفيّة السياسيّة وفق خطّة مرحليّة، وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تضمّ، بالإضافة إليه كلّ من رئيسي مجلس النواب والوزراء، وشخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مَهَمَّة الهيئة دراسة الطرق الكفيلة لإلغاء الطائفيّة واقتراحها وتقديمها لمجلسي النواب والوزراء، ومتابعة تنفيذ الخطّة المرحليّة".
من المرجّح أن هذه الفقرة من الميثاق، التي أُدرجت في المادة /95/ من الدستور، كانت الدافع الحاسم للانقلاب عليه وتشويه أهدافه وتعطيل تنفيذه، خوفًا من المضي في تحقيق الوفاق المرتكز على تلازم التخلّي عن التمثيل السياسي الطائفي في الدولة وعن الآفة الطائفية في الوطن، هذه المَهمة الدقيقة التي أنيطت بأول مجلس نواب تمثيلي يُنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. وكانت الغاية من المناصفة إضفاء الشرعية الميثاقية على مجلس النواب المُنتخب على أساس المناصفة والتمثيل السليم لاستكمال تنفيذ الميثاق على اعتباره ممثلًا لجناحي الوطن، ومن شأن ذلك توافر الإطار الدستوري والقانوني للقضاء على رواسب العلّة الطائفية. وهذا الأمر لم يكن مُرحّبًا به أو مقبولًا من قِبَل سلطة الوصاية التي أصرّت على أنها الأدرى بما يريده اللبنانيون والأحرص على مستقبلهم.
منعًا لأي التباس حول المادة /95/ المشار إليها التي تقضي بالتخلّي عن الطائفية من طريق الحوار بين اللبنانيين، لا بد من توضيح الآتي:
أولًا: الطائفيّة السياسيّة، تعني نظام التمثيل السياسي الطائفي في الدولة المستحيلة الذي هو أساس العلّة والمعطّل لقيام أي دولة.
ثانيًا: المقصود بإلغاء الطائفيّة السياسية، هو إلغاء التمثيل الطائفي وتحرير الحيّز العام المُغتصب أو المُصادر من المواقع النافذة في المنظومة السياسية.
ثالثًا: قضى الميثاق بتشكيل الهيئة الوطنيّة للحوار، لدراسة الطرق الكفيلة لإلغاء الطائفية التي يرأسها رئيس الجمهوريّة، من شخصيّات سياسيّة وفكريّة واجتماعيّة، فضلًا عن رئيسي مجلس النواب والوزراء. المقصود إذًا تشكيل الهيئة من شخصيّات وطنية مستقلّة عن الاصطفافات الطائفية والسياسية. قادرة على إدارة حوار وطني حول القضايا التي شكلت في الماضي المادة المُحفِزة للانقسامات وللحساسيات الطائفية، ومن الطبيعي ألّا يقتصر هذا الحوار على أعضاء الهيئة الوطنية وحسب، ولا بدّ ان يؤدي الى مشاركة نخب وفاعليات الاجتماع اللبناني في الوطن وبلاد الانتشار.
رابعًا: التنفيذ الدقيق والكامل للفقرة (ز) من الميثاق، موجب ميثاقي، من غير الجائز التغاضي عن تحقيقه أو التنكّر لأحكامه، حيث أنه المدخل الإلزامي إلى قيام الدولة والى تجاوز المرحلة الانتقالية التي لحظها الميثاق، حيث أسفر التأخير في تنفيذها، لأكثر من ثلاثة عقود، نتيجة الانقلاب الذي حصل غداة اندلاع حرب الخليج، الى الإخلال الخطير بالميثاق وبقواعد انتخاب مجلس نواب تمثيلي على أساس المناصفة بين جناحي الوطن، وحوّل السلطة القائمة، بكل مؤسساتها الى سلطة أمر واقع، وقاد شعبنا الى اليأس والهجرة.
رئيس الجمهورية مسؤول عن تنفيذ أحكام الدستور ومقتضيات المادة /95/ من الدستور.
لقد قضت وثيقة الوفاق الوطني بتولي رئيس الجمهورية رئاسة هيئة الحوار الوطني المكلفة باقتراح الإجراءات والأنظمة الملازمة لقيام دولة مواطنة ديمقراطية لاطائفية. لكنّ هذا الموجب غُيّب بعد اغتيال الرّئيس رينه معوض، إذ توجس من خلفوه في رئاسة الدولة من سلوك الطريق المحظّر. وقد أكّد اللجوء إلى الاغتيال الجبان، خوف القتلة من مناعة الشعب اللبناني ومن قدراته في بناء دولة عصرية، دولة حرية وكرامة محررة من التخلّف ومن سجون الطوائف مؤهلة أن تصبح مثالًا رادعًا لادعاءات الأنظمة العنصرية والديكتاتورية والقمعية التي لا تضمر الخير لوطننا.
التوازن بين جناحي الوطن يقتضي تحرّر رئاسة الجمهورية من ملكية الطوائف
قضت وثيقة الوفاق الوطنيّ، بأنّ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، وبأنّ نظامها اللاطائفي قائمٌ على مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها. كما لحظت أن يكون رئيس الجمهورية، من أي طائفة كان، رئيسًا للدولة ورمزًا لوحدة الوطن، وأن يسهر على احترام الدستور، وعلى المحافظة على استقلال الدولة ووحدتها وسلامة أراضيها.
لقد ميَّز المؤتمرون في الطائف رئيس الجمهورية بمَهمة تاريخية جعلت منه المؤتمن على تحقيق الموجب الميثاقي الذي ينصّ على أنّ إلغاء الطائفية السياسية هدف وطنيّ يقتضي تحقيقه، على اعتباره الشأن الأهمّ لحاضر ولمستقبل اللبنانيين المسيحيين والمسلمين، على حد سواء، والطريق الآمن للحفاظ على الوطن وعلى تطلعات شاباته وشبابه وأجياله الصاعدة.
إن حرمان الجمهوريّة من رئيس بالمطلق، ليس أشدّ ضررًا من حرمانها من رئيس يمتلك الشجاعة والحكمة، ونفاذ الرؤية، والقدرة على استعادة الوطن لجميع أبنائه. وهذا الحرمان ينسحب على جميع اللبنانيين المسيحيين والمسلمين والعلمانيين على حد سواء.
الحوار من أجل صياغة دستور للدولة الموعودة
من الواجب وضع حدّ للالتباس الشائع حيال الخلط بين ميثاق الطائف ودستور الجمهورية اللبنانية الذي سمّي، عن جهل أو عن قصد، "دستور الطائف"، وهو دستور العام 1926، الذي أُدخلت عليه تعديلات، كان آخرها التعديل الذي حصل في العام 1990، والذي تناول، بشكل مجتزأ، الإصلاحات السياسية والإجرائية التي أقرّها الميثاق، والذي تحوّل الى أداة للتشابك والاشتباك بين الرؤساء في الترويكا وأتباعهم ومريديهم.
إن الرأي الشائع الذي يعتبر الدستور المعمول به حاليًا بكلّ مندرجاته ميثاقًا لا يمكن تعديل أي من نصوصه، يجانب الحقيقة. وقد لا يكون مجرّدًا أو نزيهًا. على اعتباره يعطل إمكانية تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني وتعديل النصوص الدستورية الغامضة أو الملتبسة، حول صلاحيّات المؤسسات الدستورية، وفصل السلطات وتوازنها وتعاونها.
فالدستور، بحكم وظيفته، الكتاب الناظم لهندسة النظام السياسيّ وتأمين ضبط إيقاعه لاستدراك الثغرات في نصوصه أو التناقضات بين بنوده، وهو كأي كائن حيّ معني بمواكبة المتغيرات التي لا بدّ منها في حياة الأمم. وعلى السلطة التشريعية تصحيح أيّ نصّ دستوريّ لا يراعي موجبات الدولة الحديثة أو يتعارض مع النظام العامّ أو مع الميثاق. ومن الراهن ان كافة الدساتير بما في ذلك الدستور اللبناني، نصّت على آلية تعديلها عندما تدعو الحاجة لحسن أداء السلطات الدستورية، ومن المؤسف أن تقتصر التعديلات منذ الطائف وحتى هذا التاريخ على مخالفات الدستور في سبيل تمديد الرئاسات الملتبسة خلافًا للميثاق وللمبادئ الدستورية.
يبقى الهاجس الأكبر وهو وعي رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور، لدوره المستحدث، بعد اتفاق الطائف الذي يستدعي الكثير من الشجاعة وحذاقة الرأي والبصيرة والمسؤولية، لا كممثل لطائفة بل كحارس للميثاق ومسؤول عن احترام الدستور وتطويره وتعديله، عندما يقتضي الأمر، لا كمحاسب للحصص الطائفية.
من غير الجائز الخلط بين رئاسة الدولة المعنية بإعادة السفينة الجانحة إلى مرفأ الأمان، وبين رئاسة إحدى الطوائف التي تجعل الرئيس شريكًا في تقاسم المناصب في السلطة والمؤسّسات، في ترويكا المحاصصة الطائفية التي روّج لها الوصيّ المنتدَب، بعد الانقلاب على الميثاق، لاستيلاد هذا الكائن المسخ الثلاثي الرؤوس والأبعاد. فمن غير المجدي انتخاب رئيس للجمهورية تعوزه القدرة أو الشجاعة لمواجهة التحديات التي تنتظر الوطن الذي لا وطن لنا سواه.
القضايا الجوهرية للحوار الوطني
لوطننا المعذّب مقومات موضوعية لبناء دولة زاهرة واقتصاد عملاق وثقافة متألّقة ودور عالمي في تطوّر حضارة الإنسان، وله خصوصيته الفريدة الناجمة عن تكوين مجتمعه، في التآلف والتعارف بين الأديان والشعوب، هذا الدور الذي غدا اليوم حاجة للعالم أكثر من أي وقت مضى.
من البديهيّ، أن لا مجال للنهوض الاقتصاديّ أو للإصلاح السياسي أو للتنمية البشرية أو للسلم الأهلي ما لم يتوافر للبنانيين دستور حديث لانتظام أداء السلطات ومؤسسات الدولة ويجسّد ثوابت ميثاق عيشهم المشترك، يتناول القضايا الجوهريّة التي أقرّها الميثاق، والتي لا تزال الفئات المكوّنة للمجتمع الوطني تعتبرها أساسية لتحقيق ذاتها في المساواة والكرامة، في جمهورية ديمقراطية برلمانية عصرية وفي وطن عزيز ومُصان.
تتناول الإصلاحات المعوّل عليها لتنفيذ الميثاق، تكريس الالتزامات الميثاقية المتبادلة بين اللبنانيين لقيام دولتهم اللاطائفية. وهي تشكل، في حال إقرارها، عقدًا اجتماعيًا يعبّر عن إرادة اللبنانيين في توضيح الأسس التي توافقوا عليها وإدراجها في الدستور "الكتاب" الناظم لعيشهم معًا وللعبور الى دولة المواطنة.
صيغة العقد الاجتماعي هذا لن تأتي من فراغ، إذ عليها أن تجسّد، بشجاعة وأمانة، مقتضيات الوفاق الوطني لمعالجة القضايا التي شكّلت في الماضي، ولا تزال تشكّل أساس الهواجس في الفكر الطائفي. وسيكون على هيئة الحوار وعلى المجتمع المدني تصوّر الصيغة التي توفّر للجماعات اللبنانية ترتيبات العيش معًا، التي لا بدّ أن تتناول التباين في وجهات النظر بين الجماعات على خلفية طائفية. قد لا يكون هذا التباين جوهريًا أو اساسيًا، ولكنَّ إغفال التوافق حوله، بنزاهة وشفافية، وتوثيقه في الدستور والقوانين والأنظمة، يترك الباب مشرّعًا لتجار الفكر الطائفي ولأعداء لبنان.
القضايا الأساسية للحوار
إنَّ القضايا الرئيسية التي شكّلت في الماضي أرضية الخلاف والتناقض بين الفئات اللبنانية على خلفية طائفية، والتي ما زالت تستدعي حوارًا وطنيًا نزيهًا وشجاعًا، هي:
المحور الأول: القيم الذاتية التأسيسية للجمهورية: أي وطن نريد
لا فرصة لقيام دولة حديثة ديمقراطية مستقرة محرَّرة من سجون الطوائف، ما لم يؤكّد اللبنانيون بشكل واضح ودقيق وغير ملتبس في دستور دولتهم الأحادية النصاب شراكتهم في الوطن على قاعدة المساواة والتزامهم النزيه بالقيم الذاتية التأسيسية لجمهوريتهم، كالحرية في الشأن العام والخاص والكرامة الإنسانية والوطنية، وحرية الضمير والفكر والمعتقد والتقيّد بالشرعة العالمية لحقوق الإنسان في كل المجالات وحق المواطنين بالمساواة وبالعدالة الاجتماعية وبالصحة والتعليم، وهذه المبادئ العامة تستدعي استدراكها في النصوص الدستورية وفي القوانين.
المحور الثاني: الكيان والهوية الوطنية والهوية القومية
أقرّ الميثاق أن لبنان وطن سيّد مستقل ونهائي. وانه وطن عربي الهوية والانتماء. تتكامل فيه الهوية الوطنية اللبنانية مع الهوية العربية الجامعة، على اعتبارهما معًا هوية مستقبلية، يجسّدها انتماؤنا الى ميراث الحضارة العربية المتألقة والمحررة من الولاءات الدينية والعرقية والجغرافية والمكرّسة لدور لبنان ورسالته في دنيا العرب.
كانت بلاد العرب، على امتداد مساحتها، المسرح الأرحب للقاء حضارات البشر، منذ فجر التاريخ، قبل أن تتمخّض حضارةً عربيةً غنيةً بتراكم طبقات روحية شكلّت بتنوّعها مختبرًا إنسانيًا للتآلف والتعارف، لبلورة الهوية العربية المنفتحة والسمحاء التي نادى بها روّاد الفكر اللبنانيون، منذ القرن التاسع عشر، ونادوا بها منطلقًا وقاعدة لبناء مستقبل مشترك، يُعيد إلى العرب ما أعطوه للعالم، ويعيد لبنان الى موقعه في ورشة نهضة الشعوب العربية وعودة الروح الى حضارتهم وقيمهم. ومن المهم أن يؤكّد اللبنانيون خيارهم لهذه العروبة الجامعة، بدون انتقاص أو تجزئة.
المحور الثالث: فصل الدين عن الدولة
الدولة الزمنية التي تُلغي الطائفية هي البديل عن الدولة الطائفية التي تُلغي إمكان قيام دولة منجزة. وهي تطرح إشكالية فصل الدين عن الدولة، ودائرة الإيمان عن دائرة السياسة. ومن الراهن أن بإمكاننا، من طريق الحوار، إقرار نظام زمني خاصّ بنا، بدون الحاجة إلى تجاهل خصوصيات المذاهب والطوائف. وسيكون على الهيئة الوطنية للحوار طرح الحلول التي تصون حرية الضمير والمعتقد، بدون أن يؤدي ذلك إلى تحويل العلمنة الى دين جديد للدولة، أو إلى إشكالات المؤسسات الروحية في مآذارة سلطاتها على من تعتبرهم من رعاياها.
المحور الرابع: تكوين السلطة
إنَّ النظام السياسي الذي ارتضاه الاجتماع اللبناني للعيش معًا هو الديمقراطية القائمة على مبادئ أصبحت من النظام العام، الذي يتقدّم في تراتبية المعايير القانونية على الميثاق وعلى الدستور. ومن أهم هذه المبادئ اعتبار حقوق المواطن في المساواة والعدالة حقوقًا طبيعية مكرّسة، لا يجوز الانتقاص منها. وهي تنسحب على الجماعات وعلى الأقليات الدينية والإتنية، وتتقدّم على منطق الأعداد والتعداد.
اللبنانيون مجمعون في أدبيّاتهم السياسية على اعتبار مبدأ التوازن بين جناحي الوطن، واحدًا من المسلّمات الميثاقية التأسيسية للعيش معًا. إنّ حلّ الإشكالية المطروحة لتكريس هذه المسلّمة يمرّ بالتوافق على الضوابط التي تحدّ من تنامي عصب المتّحدات التفكيكية المؤدية إلى الانقسامات العمودية الملازمة لشهوة الاستحواذ أو لنوازع إلغاء الآخر وإقصائه، وقد أوكل الميثاق هذه المهمة النبيلة الى هيئة الحوار الوطني.
من نافل القول أن الشرط الإضافي الملازم لقيام الدولة الزمنية العصرية، يكمن في الكفّ عن تقاسم المناصب بين الطوائف، مما يعني، تحرير كافة المواقع في السلطة، بدءًا من رئاسة الجمهورية حتى حارس المحطة، من التخصيص والتقنين، وهذا هو جوهر ميثاق الطائف. ويعني ذلك توفير الفرصة لأي مواطن، بمعزل عن طائفته وانتماءاته، لارتقاء أي منصب عام. أي، تحرير المنصب من ملكية المواقع النافذة في الطوائف وإعادته إلى المواطن، بمعزل عن دينه ومذهبه وانتمائه، وبدون تمييز بين مواطن وآخر، لا في القوانين والأنظمة ولا في التطبيق.
السؤال الذي ينتظر الجواب من الهيئة الوطنية للحوار، المعوّل عليها للحفاظ على خصوصية هذا الوطن ومستقبل أجياله هو الآتي:
كيف يمكن، في حال تخلّينا عن الطائفية السياسية وتوزيع السلطة حصصًا بين الطوائف، أن نوفّر الظروف لإنتاج سلطة وطنية تشارك فيها الجماعات اللبنانية على قدم المساواة من دون هيمنة فريق على آخر؟ وما هي الآلية التي توفّر الديمومة لهذه الصيغة، وتحافظ على التوازن والسلم الأهلي وتكون صمّام الأمان في الأزمات الوطنية؟
الجواب عن السؤال المطروح، هو في الحقيقة، الوسيلة المنطقية للبحث عن هذه الصيغة البديلة. فمن الراهن، في الأنظمة البرلمانية الديمقراطية، أن المجلس النيابي المنتخب بشكل سليم والذي يمثل مكوّنات الوطن هو المصدر الأساسي لكافة السلطات، لأنه مولج بإنتاج المؤسسات الدستورية ومراقبة أدائها ومحاسبتها. فلنفترض أن بإمكاننا إيجاد صيغة إجرائية تؤمن الحضور المتوازن، في مجلس نيابي تمثيلي يُنتخب خارج القيد الطائفي، وأن هذا المجلس الذي سيتألف من ممثلين منتخبين وفقاً للمبادئ الديمقراطية، سينتخب بدوره رئيساً للجمهورية، بمعزل عن انتمائه الطائفي، وكذلك رئيساً لمجلس النواب، وسوف تُشكَّل الحكومة وفقاً للأصول الديمقراطية، وستكون هذه الحكومة خاضعة لمراقبة ومحاسبة مجلس نيابي يُمثّل بصدق الشرائح اللبنانية كافة، دون أن يوفر للرئيس أو لوزرائه، من أي طائفة كانوا، حصانة مذهبية؛ ولنفترض أن ذلك سوف ينسحب على الموظفين في الإدارة. مهما بدا هذا الكلام تبسيطياً وعرضةً للنقاش، فلا بد من أن يؤدي التخلي عن نظام المحاصصة الطائفية، إلى البحث عن معايير بديلة، لتولّي المناصب في الإدارة والمجال العام، ترتكز على الكفاءة والجدارة، وسيكون على المسؤول مهما كانت طائفته انتهاج الحياد في مآذارة مسؤولياته مع المواطنين. فإذا توافرت هذه الآلية لإنتاج سلطة وطنية خارج نهج المحاصصة الطائفية، فسيكون عند ذلك، وعند ذلك فقط، إمكانية لقيام دولة زمنية أحادية النصاب، تراتبية وحيادية، خلافاً لواقع نظام المحاصصة الطائفي الفاشل والفاسد.
إذا قدر للدولة أن تقوم، سنتحرر أولاً تجاه العالم الخارجي من وصمة التخلّف، حيث ستكون لنا دولة عصرية مثل سوانا من شعوب العالم، كبديل عن تجمع طوائف متناحرة، لا تليق بما ندّعيه من تقدم حضاري. وسيتحول الأفراد من رعايا طوائف إلى مواطنين في دولة، لا حاجة لهم لوسيط أو شفيع معها. وسيعاد للموظف المحرر من الارتهان دوره في رعاية المواطنين وخدمة الشأن العام.
إن انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وخارج نظام المحاصصة، سيتيح إعادة تشكيل العلاقات الإجتماعية، وحمل اللاعبين في أعلى الهرم، المحررين من التبعية الطائفية، إلى الكف عن استقطاب اتباع لهم في المراتب الأدنى ليجاروهم المنطق ذاته. وسيصبح عندئذ من الممكن المحاسبة والمساءلة وتطهير الموظف الفاسد، وانتقاد هذا الرئيس او ذاك، دون أن يعني ذلك تعرضاً لهذه الطائفة أو تلك، وسوف يمكن حل أزماتنا الوطنية ديمقراطياً باللعبة البرلمانية دون الجنوح للإستقواء بالغير والبحث عن وساطة أو مرجعية خارجية أو شفاعة صديق أو شقيق.
اللقاء الثّاني 16-11-2022
“اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا”
لمحات من اللّقاء الثّاني من مسار الحوارات الصّباحيّة “اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا”
لمشاهدة الحلقة كاملة
اللّقاء الثاني أتى تحت عنوان “اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا”، بهدف الإضاءة على التطورات المستجدة على هذا المستوى البحث الجاري بشأن سلسلة من اقتراحات ومشاريع القوانين الخاصة باللامركزية الاداريّة الموسّعة والمواقف المتعددة منها، بما يعيد الاعتبار الى “وثيقة الوفاق الوطني” أي الدستور نصًّا وروحا من أجل بناء دولة المواطنة الحرّة والسيدة والعادلة والمستقلّة.
في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّ بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده فيلمين وثائقيين الأول تناول: “ملتقى التأثير المدني: عشر سنوات/ القضيّة لبنان والإنسان”. والثاني كان ملخّصًا لوقائع اللقاء الاول من مسار هذه الحوارات الذي عقد الشهر الماضي تحت عنوان” جوهر وثيقة الوفاق الوطني المادة 95 من الدستور”.
بيان صحفي
في اللقاء الثاني “اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا”
ملتقى التأثير المدني استأنف برنامجه من “الحوارات الصباحية” الشهريّة
حاسبيني: أخَذْنا على عاتِقِنا كملتقى الانكِباب على مُعالجة مسبِّبات الأزمة لا عوارِضِها
شلق: ما زال الحكام يتخاصمون ويتحاصصون متجاهلين الشعب الموجوع والمقهور
الشاعر: خاف مشرعو اللامركزية من فقدان سيطرتهم على السلطة لصالح الإرادة الشعبية
نظّم ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم اللقاء الثاني من مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية في فندق الجفينور – روتانا الحمرا في حضور نخبة من الشحصيات الأكاديمية والادارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والعسكريين المتقاعدين والإعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس واعضاء الملتقى.
اللّقاء الثاني أتى تحت عنوان “اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا”، بهدف الإضاءة على التطورات المستجدة على هذا المستوى البحث الجاري بشأن سلسلة من اقتراحات ومشاريع القوانين الخاصة باللامركزية الاداريّة الموسّعة والمواقف المتعددة منها، بما يعيد الاعتبار الى “وثيقة الوفاق الوطني” أي الدستور نصًّا وروحا من أجل بناء دولة المواطنة الحرّة والسيدة والعادلة والمستقلّة.
وقائع اللقاء
في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّ بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده فيلمين وثائقيين الأول تناول: “ملتقى التأثير المدني: عشر سنوات/ القضيّة لبنان والإنسان”. والثاني كان ملخّصًا لوقائع اللقاء الاول من مسار هذه الحوارات الذي عقد الشهر الماضي تحت عنوان” جوهر وثيقة الوفاق الوطني المادة 95 من الدستور”.
كلمة نائب رئيس الملتقى الدّكتور عبد السلام حاسبيني
وبعد ذلك القى نائب رئيس الملتقى الدّكتور عبد السلام حاسبيني كلمة رحب فيها بالمشاركين في اللقاء، وقال: “ان اللّقاء الثاني من مسار “الحوارات الصّباحيّة” الذي نعقده اليوم تحت عنوان: “اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا” يشكّل التزاما منا كملتقى بـ “العَوْدة إلى وثيقة الوفاق الوطنيّ (إتّفاق الطّائف) ببنودها الإصلاحيّة كي نستعيد معًا خيار تطبيق الدّستور نصًّا وروحًا، لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا”.
وأضاف حاسبيني: “مع اعتِرافِنا في الملتقى بتفوّق هذه الهُموم الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة على يوميّاتنا، فقد أخَذْنا على عاتِقِنا الانكِباب على مُعالجة مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، إذ هو لبنان دولةً وشعبًا يتعرَّضُ لجريمة منظّمة يرتكِبُها تحالُف المافيا – ميليشيا، ما يستدعي منَّا تصويب البُوْصلة لإنقاذه من هذا المستنقع الجُهَنَّمي”.
كلمة شلق
ثم كانت كلمة ميسّرة الحِوار هدى الخطيب شلق، فتحدثت عن الظروف التي قادت إلى “وثيقة الوفاق الوطني” في الطائف لإنهاء الحرب في لبنان، وما وضعته من “مسار واضح للانتقال والعبور من الحرب الى بناء دولة مدنية حديثة”. واشارت الى “ما نالته من الإجماع اللبناني والدعم الإقليمي والدولي على الصعيدين القانوني والسياسي”، الى ان أقرّ مضمون الاتفاق في مجلس الأمن الدولي في بيانيه في 7/11/1989 و 22/11/1989، واللذين أكّد فيهما دعمه لبنود هذا الاتفاق كافة الذي نجح في “تسوية للأزمة اللبنانية بكلّ جوانبها مع ضمان سيادة لبنان الكاملة واستقلاله وسلامة أراضيه والوحدة الوطنية فيه”. قبل ان يقره المجلس النيابي اللبناني من دون أي تحفّظ أو استثناء في جلسته المنعقدة بتاريخ 5/11/1989.
وسألت شلق عن الأسباب التي حالت دون تطبيق الطائف الى أن جاءت ثورة 17 تشرين 2019 التي “نادى فيها المتظاهرون بكل الشعارات التي نادت بها الوثيقة من إصلاحات”. وقد عبر اللبنانيون بكافة تنوعهم عن ذلك “بلغة الشعب الموجوع والمقهور”. ولكن ما زال الحكام يتخاصمون ويتحاصصون. ولفتت الى ان “الاستجابة لهذه المطالب تقتضي السعي الى تطبيق واحدة من اهم الإصلاحات وهي اللامركزية الادارية مع ابقائها ضمن الدولة الواحدة الموحدة بعيداً من أي منحى تقسيمي. وهي التي تتيح المجال لمشاركة المواطن في الانماء المتوازن العادل وكذلك الانصهار الوطني”.
وأكدت شلق “ان اللامركزية كتنظيم إداري، تراعي خصوصيّة الحاجات المحلّية، وتشكل كما “حرصٌ المشرع على أن تحتفظ الدولة المركزية بحصرية الإمرة والصلاحية في مسائل عدة منها الدفاع والنقد والخارجية والعدل والتشريع كما تقوم بعملية التنظيم والتقنين والتوزيع العادل للموارد ضمن المجتمع”.
وانتهت شلق الى التأكيد بانه “وبالرغم من مرور نحو ثلاثة عقود على توقيع وثيقة الوفاق الوطني، لم تأخذ اللامركزية الإدارية طريقها نحو التطبيق، ومازالت موضع جدل وأخذ وردّ”” منبهة الى “مخاطر هذا التردد في ظل الانهيار الكبير الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ لبنان”.
كلمة الشاعر
وبعدها قدم المحامي ربيع الشاعر “ورقة عمل اللّامركزيّة الإداريّة والماليّة في لبنان” فتوسع في شرح “اللامركزية الإدارية والماليّة” باعتبارها “أحد تجسيدات الديمقراطية من أجل صحة التمثيل الشعبي وبلوغ الحد الأعلى من التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتسهيل معاملات المواطنين وتمكين كل منطقة من الحصول على حصتها من الانفاق العام وتوفير المزيد من الوقت والتخفيف من الروتين الإداري”.
وبعدها انتقل الشاعر الى تحديد المعايير التي تحكم “اللامركزية الإدارية والمالية” كما يحددها “العلم الإداري” معتبرا أنّ “الإدارة المحليّة المنتخبة، المتمثّلة بالبلديات لا تستوفي جميع شروط اللامركزية الإدارية بمفهومها المعاصر” وهي تشكو “من صعوبة جباية الرسوم ناهيك عن صعوبة السداد إن لم نقل الاستحالة مما يشلّ جميع المبادرات التي تقوم بها. كما ندرة الموارد الماليّة لهذه البلديات”.
وتحدث الشاعر عن مراكز الخلل في الحلول المقترحة فاعتبر أن “طرح النواب في مؤتمر الطائف لم يكن موفقاً”، إمّا “عن تقصير وإمّا لغاية في نفس أهل النظام السياسي وهو مركزيٌ بامتياز”. فاللامركزية تشترط بان “تكون مجالس السلطات اللامركزية منتخبة من الشعب ولا تمثل إلاّ إرادته”، وربما انهم “خافوا من فقدان سيطرتهم على السلطة لمصلحة الإرادة الشعبية، ولم تكن لهم رؤيا مستقبلية لمسائل الحكم”.
وتناول الشاعر النظرة الى الدور الاقتصادي والاجتماعي للإدارات المحلية المنتخبة وأهمية استقلالها المالي. ولفت الى مجموعة من الآراء المتناقضة بين من يتخوف من “الإفراط في اللامركزية الإدارية لدرجة الوصول إلى استقلالية واسعة للمناطق، تهدّد الوحدة الوطنية”. وآخرين “يغالون بالمطالبة باللامركزية الإدارية واسعة الصلاحيات كضمانة للمبادرة الفرديّة وللاقتصاد الحرّ وبالتالي للازدهار والتطوّر”. وما بينهما فئة ثالثة تدعو “إلى اختيار حلّ وسطي يؤمن لبلدٍ كلبنان اللامركزية الإدارية كأفضل وسيلة للتعبير عن رغبات مجموعة من الناس وتلبية حاجات منطقة معيّنة شرط أن تحتفظ الدولة بدورها في المراقبة والتنسيق وتوزيع الثروات من أجل بسط العدالة الاجتماعية بين الجميع”.
واعتبر الشاعر أن الإنماء المتوازن كان وسيبقى “على مسؤولية الدولة بالتوافق مع الجميع”. فهي مكلفة بتوزيع الثروات بشكل عادل وضبط المالية العامة”. لافتا الى أهمية “المعايير العلمية التي تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الاقتصادية والاجتماعية”، ومنها مثلاً “مقارنة معدلات النمو الاقتصادي لهذه المناطق والدخل الفردي فيها والبطالة والتطور والإنتاج ونقاط ضعف كلّ منها”.
واستنادا إلى المعطيات التي عددها، دعا الشاعر إلى “عدم الخلط بين الفدرالية واللامركزية واللّاحصريّة، وحصر دور الدولة بواجباتها الأساسية ومن ضمنها تأمين الانسجام الوطني والإنماء المتوازن بين مختلف المناطق. وتعزيز دور السلطة المركزية” وكل ذلك يجري من خلال إنشاء وزارة مستقلة للمجالس المحلية والتنمية الإدارية، ووزارة للتخطيط أو مجلس للإنماء المتوازن وتحديد الوظيفة الاقتصادية لكل قضاء من خلال وضع استراتيجية لا تتنافس فيه الأقضية فيما بينها بل تتكامل”. وأضاف الشاعر: من الضروري تفعيل الحكومة الالكترونية والحوكمة ومكافحة الفساد، تفعيل قانون الشراء العام والمديرية العامة للاحصاءات، إنشاء هيئة إشراف مستقلة على الانتخابات، تعديل النظام الضرائبي وتفعيل الجباية وإعداد الموظفين وتدريبهم وانشاء المحاكم الادارية في الأقضية وتنظيم وتوزيع المرافق والخدمات العامة للدولة بشكل عادل بين كافة الاقضية وإلغاء منصب القائمقام وتعزيز دور المحافظ. وإجراء تقسيمات إدارية على أساس معطيات اقتصادية اجتماعية وديموغرافية”. كما اقترح الشاعر “إنشاء جهاز شرطة مهمته حفظ الأمن على مستوى القضاء. وإعادة النظر في قانون انتخاب المجالس المحلية على النحو الذي يتيح للناخبين الاقتراع بحسب مكان إقامتهم. وإضافة صلاحيات أخرى على اختصاصات المجالس المحلية منها صلاحيات القائمقام بعد إلغاء هذه الوظيفة وإنشاء وتطوير البنى التحتية، مروراً بانتاج الطاقة والمشاريع ذات الطبيعة الاقتصادية وتنظيم النقل العام والخاص ووضع التصاميم العائدة للقضاء والمخطط التوجيهي العام بعد موافقة البلديات كل ضمن نطاقها”. وأشار الشاعر “إلى أهميّة تعديل الصلاحيات المالية والادارية للمجالس المحلية المنتخبة لتفادي الازدواج الضريبي وأن تكون موزعة بين الضرائب على الدخل والقيمة المضافة والأملاك المبنيّة. وزيادة معدلات 25 رسماً بلدياً، والسماح للمجالس المحلية باقتراض الأموال من القطاع الخاص واعتماد آلية لإعداد الموازنات وتطوير نظام محاسبة موحد وتعميمه وإلغاء الوصاية والرقابة الإدارية المسبقة واعتماد الرقابة اللاحقة التي تضمن للمجالس المحلية المنتخبة حريّة المبادرة وإنشاء فروع محلية لديوان المحاسبة العامة في الأقضية لضمان الشفافية وللحدّ من الفساد والتفريط بالمصلحة العامة”. وخلص الشاعر الى القول: “إن تحقيق الغاية المرجوة من اعتماد اللامركزية الإدارية بشقها الاقتصادي – المالي لا يمكن أن يتم إلا في إطار عملية اصلاحية متكاملة سياسيًّا، واقتصاديًّا وإدارياً وقضائياً. فالإصلاح كلٌّ متكامل يحقّقه التلاقي بين الإرادتين السياسية والشعبية”.
بعدها كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.
ملتقى التأثير المدني
المكتب الإعلامي
16 /11/2022
كلمة نائب رئيس ملتقى التأثير المدني الدّكتور عبد السلام حاسبيني
السيّدات والسّادة،
ها نحنُ وإيّاكُم نلتقي بفرحٍ في اللّقاء الثاني من مسار "الحوارات الصّباحيّة" تحت عنوان: "اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا"، وقد آلَيْنا على أنفُسُنا في "ملتقى التأثير المدني" العَوْدة إلى وثيقة الوفاق الوطنيّ (إتّفاق الطّائف) ببنودها الإصلاحيّة كي نستعيد معًا خيار تطبيق الدّستور نصًّا وروحًا، لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا.
يجب علينا الاعتراف أنّ الهموم الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، باتت تفرُض ذاتَها على يوميّاتنا بل حتّى على آفاقِنا، لكنّنا في "ملتقى التأثير المدني"، ومع اعتِرافِنا بتفوّق هذه الهُموم، فقد أخَذْنا على عاتِقِنا الانكِباب على مُعالجة مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، إذ هو لبنان دولةً وشعبًا يتعرَّضُ لجريمة منظّمة يرتكِبُها تحالُف المافيا-ميليشيا، ما يستدعي منَّا تصويب البُوْصلة لإنقاذه من هذا المستنقع الجُهَنَّمي، وافتتاح مسار بناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة، وهذا يقع في صُلْب هدف ورسالة "ملتقى التأثير المدني"، فنحنُ في زمن إعادة تكوينِ السُّلطة واسترداد الدّولة.
السيّدات والسّادة،
مسار "الحوارات الصّباحيّة" مُنْطَلَقُ فِكرٍ تغييريّ إصلاحيّ لِفعلٍ تغييريّ إصلاحيّ، ولمّا كُنّا قد آلينا على أنفُسُنا التّفكير العملانيّ المُعمّق في الإصلاحات البنيويّة، وبعد أن أطللنا في اللّقاء الأوّل على المادّة 95 من الدّستور آفاقًا وتعطيلًا، نُطِلّ اليوم على إصلاحٍ مؤسِّس في الإنماء المتوازن والعيش معًا، وهو اللّامركزيّة الإداريّة الموسّعة، عسى نَغوص فيه لخدمة القضيّة اللُّبنانيّة والإنسان، فتعود العقلانيّة والحكمة والصّلابة والنّزاهة رأس حربة لِقيام دولة المواطنة، دولة الحقّ والعدل. هذا عهدٌ علينا ووعد.
عُشتم وعاش لبنان
كلمة الأستاذة هدى الخطيب شلق / ميّسرة الحوار
امّا بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على اندلاع الحروب في لبنان والاف القتلى والجرحى والتدمير الكبير على كافة الصعد، جرى التفاوض في الطائف بالمملكة العربية السعودية بين ممثلي الشعب اللبناني. حوار وتفاوض أثمر عن وثيقة الوفاق الوطني التي أنجزت لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية المستمرة منذ عقود، كما وضعت مسارا واضحا للانتقال والعبور من الحرب على كافة اشكاله الى بناء دولة مدنية حديثة. وُقِع الاتفاق في 22 تشرين الأول 1989 وصدق عليه البرلمان اللبناني في 5 تشرين الثاني 1989 بالإضافة الى الإجماعً البرلمانيً اللبنانيً نالت هذه الوثيقة دعما إقليميا ودوليا بارزا على الصعيدين القانوني والسياسي ذلك نتيجة مناخ إقليمي ودولي مؤاتٍ من دون أية مواجهات إقليمية وتجاذبات دولية حادة مما سهّل صياغتها وإقرارها ووّفر لها الدعم العربي والدولي المناسبين. فأقرّ مضمون الاتفاق مجلس الأمن الدولي في بيانيه في 7/11/1989 و 22/11/1989، واللذين أكّد فيهما دعمه لبنود هذا الاتفاق كافة الذي نجح في «تسوية للأزمة اللبنانية بكلّ جوانبها مع ضمان سيادة لبنان الكاملة واستقلاله وسلامة أراضيه والوحدة الوطنية فيه». كما أكّد مجلس الأمن كذلك على أن اتفاق الطائف «هو الدعم الأساسي والضمان لحرية واستقلال ووحدة لبنان». وبدوره دعم المجلس الأوروبي المعلن في 9/12/1989 تأكيده على تشبثه باتفاق الطائف وعبّر «عن اقتناعه بعدم وجود بديل وذلك في الظروف الحالية للعملية التي يرتئيها الاتفاق من أجل تحقيق الوفاق الوطني والسلام". كذلك حرص الدستور اللبناني على التزام ميثاقيْ الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة، كما أكّد التزامه أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كافّة وحرص على أن تجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء. بذلك تكون وثيقة الوفاق الوطني كما تعهّدتها اللجنة الثلاثية العربية (المغرب والجزائر والسعودية) قد شكلت الإطار السياسي والقانوني والذي وافقت عليه الدول العربية الأخرى كافة.
اما الأهم فإن المجلس النيابي اللبناني صدّق، في جلسته المنعقدة بتاريخ 5/11/1989، على هذا الاتفاق اي وثيقة الوفاق الوطني، من دون أي تحفّظ أو استثناء. وهذا يعني أن الاتفاق بكامله يكتسب صفة قانونية ملزمة، حتى البنود التي لم تدخل في الدستور. كما ان مقدمة هذا الدستور كرست القوة الدستورية لهذا الاتفاق بالتأكيد على ان «لا شرعية لأية سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".
اما اتفاق الطائف فقد جاء بعدما دفع اللبنانيون اثمانا باهظة من حروب وويلات المت بهذا الوطن. ولعل ما عزز بقاء هذا الوطن رغم كل تلك الاثمان الباهظة هو الأسس الميثاقية المبنية على تجارب تاريخية في مواجهة التحديات الداخلية والاقليمية والدولية والتي تبلورت منذ الميثاق الوطني العائد للعام 1943و المتمثلة في البيان الوزاري الأول الذي صدر في 8/11/1943, والذي قُدّم إلى المجلس النيابي اللبناني كـ «وثيقة استقلال". ومن الملفت انه بعد حوالي نصف قرن على هذا البيان الوزاري الأول، جاء اتفاق الطائف للعام 1989 ليؤكّد على تلك الأسس الميثاقية التي أوردها هذا الأخير أو حدّد مفاصلها الأساسية، وان كان قد تم تجاهل هذه الأسس او اسيئ استعمالها في الكثير من الأحيان.
فماذا بعد؟
ولماذا لم يطبق اتفاق الطائف؟
لقد جاء اتفاق الطائف كسلة متكاملة من الإصلاحات التي يمكنها ان تعبر بلبنان من كل ما حل به ماسي الى الاستقرار والانماء الاقتصادي والسياسي.
اما في 17 تشرين 2019 فقد نزل اللبنانيون الى الساحات وهتفوا وحملوا كل الشعارات التي ينادي مضمونها بكل تلك الإصلاحات. عبر اللبنانيون بكافة تنوعهم عن ذلك بلغة الشعب الموجوع والمقهور. ولكن ما زال الحكام يتخاصمون ويتحاصون، والشعب يريد العيش الكريم والعدالة والانماء المتوازن والتنمية والمساواة والمشاركة في صنع المستقبل للأجيال القادمة، بعيدا عن الفقر والعوز والجهل والظلم والتهجير وتفريغ الوطن من طاقاته وادمغته وضرب مؤسساته وتفكيك اداراته.
اما الاستجابة لهذه المطالب فيمكن تنفيذها من خلال تطبيق ما ورد في وثيقة الوفاق الوطني وبشكل خاص عندما تطبق هذه الإصلاحات كسلة متكاملة تحقق هدفها في العبور من حالة الانقسامات وانهيار الدولة الى بناء دولة المواطنية.
واحدة من اهم الإصلاحات التي وردت في اتفاق الطائف والتي تتيح المجال لمشاركة المواطن في الانماء المتوازن العادل وكذلك الانصهار الوطني الذي يشكّل هدفًا أساسيًا لا يمكن تحقيقه من دون السماح لكل فرد ومجموعة المشاركة بالإدارة بشكل فعّال، هي اللامركزية الادارية التي تعطي أوسع الصلاحيات للمناطق، مع ابقائها ضمن الدولة الواحدة الموحدة بعيداً من أي منحى تقسيمي.
من جهة تعتبر اللامركزية كتنظيم إداري، واحداً من أهم مبادئ حكم الأكثرية التي تقوم عليها الديمقراطية. وتكتسب اللامركزيّة الإدارية أهميتها من انها تراعي خصوصيّة الحاجات المحلّية وتمايزها فتترك الحكومة المركزيّة قضية إدارة الشؤون المحليّة لهيئات منبثقة من الشعب في وحدات الإدارة المحلية، انطلاقا من ان أبناء هذه المناطق هم أدرى بحاجاتهم وأقدر على حلّ مشاكلهم من الموظفين الذين تعيّنهم الحكومة المركزية والذين يرتبطون بها مباشرةً، بتسلسل إداري هرمي قد يقارب الروتين الإداري في اغلب الأحيان.
تعتبر اللامركزية الادارية معبرًا نحو التنمية وتطوير الحياة الاقتصادية في المحافظات والأقضية، من تطوير السياحة والاقتصاد والزراعة وغيرها وتنمية المجتمع ونشر التوعية الاجتماعية، تطبيقا لمقدّمة الدستور اللبناني الذي ينصّ في الفقرة "ز" منه أنّ "الإنماء المتوازن ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام".
من جهة أخرى، فقد نصّت الفقرة "ط" من المقدمة، أنّ: "أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين (...) فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين". بموازاة هذه الفقرة، نصّت المادّة الأولى من الدستور على أنّ "لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة". بالتالي إنّ المشروع الذي يتمتّع بخلفية ميثاقية هو المشروع الذي يحافظ على وحدة الدولة بعيدًا من التقسيم، ويتجه إلى إدارة التنوّع ضمن الوحدة الوطنية. كما يحافظ على العيش المشترك فيأتي بالتالي متوافقًا مع الفقرة "ي" من مقدّمة الدستور التي رفعت الشرعية عن أي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
وفي بند اللامركزية الإدارية حرصٌ المشرع على أن تحتفظ الدولة المركزية بحصرية الإمرة والصلاحية في مسائل عدة منها الدفاع والنقد والخارجية والعدل والتشريع كما تقوم بعملية التنظيم والتقنين والتوزيع العادل للموارد ضمن المجتمع، وتراقب وتعمل على تصحيح كل اعوجاج وعلى محاسبة كل انحراف.
وإذا كانت اللامركزيّة الإدارية تعطي فعلاً أوسع الصلاحيات للمناطق، ضمن الدولة الواحدة الموحدة بعيداً من أي منحى تقسيمي، فمشروع اللامركزية الادارية ينطلق من عدة نقاط أهمها:
- يستحدث مجالس منتخبة بالكامل مع إعطاؤها الاستقلال الإداري والتمويل والواردات اللازمة لعملها ويحصر الرقابة إلى أقصى حد ويجعلها لاحقة لا مسبقة.
- يبقي على البلديات كوحدات لامركزية أساسية ولا يمس بصلاحياتها أو بأموالها ويعتمد القضاء كمساحة لامركزية، نظراً الى شرعيته التاريخية والى تأمينه الحاجات التنموية.
- يستحدث صندوقاً لا مركزيا يحل محل الصندوق البلدي المستقل ويكون أعضاء مجلسه منتخبين ويعمل وفقاً لقواعد منهجية ولمعايير موضوعية تراعي ضرورة الإنماء المتوازن وتحفيز النمو المحلي.
لقد برزت المطالبة باللامركزية الإدارية في لبنان كعنوان إصلاحي منذ الستينيات، نتيجة الشكوى من تفاوت النمو الاقتصادي والاجتماعي بين المناطق، وخلال سنوات الحرب الأهلية ظهرت مطالب بتبني اللامركزية السياسية، عارضها مطلب آخر بتبني اللامركزية الإدارية كسبب لمنع تقسيم لبنان.
لكن وبالرغم من مرور نحو ثلاثة عقود على توقيع "وثيقة الوفاق الوطني"، لم تأخذ اللامركزية الإدارية طريقها نحو التطبيق، ومازالت موضع جدل وأخذ وردّ، بالرغم من ان اتفاق الطائف حرص على أن تكون هذه اللامركزية إدارية بحتة من دون أن تتوسّع إلى أي نطاق آخر. والواقع أن هذا البند الإصلاحي الأساسي ينعكس إيجابًا على تحديث الإدارة العامّة، اعتماد قانون انتخاب أكثر تمثيلًا وعلى تنفيذ سياسة إنمائية متوازنة.
على الرغم من أن اللامركزية الإدارية كانت موضع دراسات ومقالات وكتب عديدة من قبل باحثين متخصّصين وناشطين في المجتمع المدني طوال السنوات الماضية، إلّا أن هذا الاصلاح لم يدخل حيّز التنفيذ لغاية اليوم. بموازاة هذه الدراسات، هناك عدّة مشاريع واقتراحات قوانين جرى تداولها بهذا الخصوص، إلا أنّ أيًا منها لم يسلك دربه إلى الإقرار. ولم يقترن الإصلاح السياسي والإداري في لبنان بتطبيق تشريعي، على الرغم من بروز عدد من مشاريع واقتراحات القوانين التي طرحت وجرى التداول بها منذ العام 1990 لم تستطع الحكومات اللبنانية المتعاقبة لغاية الساعة أن تعتمد أي قانون يراعي هذا التقسيم المطلوب والجامع بين اللاحصرية في صلاحية المحافظين واللامركزية في انتخاب مجالس أقضية. علما ان هذه اللامركزية هي إدارية بحتة من دون أن تتوسّع إلى أي مجال آخر.
اما بعد،
ورغم هذا الانهيار الكبير الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ لبنان وفي العديد من دول العالم، الم يحن الوقت للانتقال الى تطبيق اللامركزية الإدارية ولو بالياتها الأولية ومن ثم الانتقال الى مرحلة التقويم والتطوير بما يلبي مصلحة اللبنانيين. هذا مع اعادة التأكيد على ان اتفاق الطائف هو وثيقة وطنية متكاملة لا تثمر نتائجها الا بقدر تطبيقها كوحدة متكاملة. فهل اصبحت اللامركزية الإدارية من ضمن البنود الإصلاحية المؤجّلة والتعابير المستهلكة؟ وما هي أسباب التأخير في بت إصلاح اللامركزية الإدارية كلّ هذه الفترة؟ فهل المعوقات إدارية تنظيمية فقط أم هي سياسية لها علاقة بنظرة بعض اللبنانيين لموضوع اللامركزية الإدارية، اللّاحصرية وكذلك الفيديرالية، وربما أيضا بنظرة البعض لاتفاق الطائف برمته.
اللامركزية الإدارية هي بند أساسي من بنود وثيقة الوفاق الوطني. وهي مدخل هام لمشاركة المواطن بالإدارة بشكل فعال مما يعزز شعوره بالعدالة والانتماء والمساواة والانماء المتوازن والتنمية المستدامة وتعاونه ومشاركته وتفاعله مع أبناء وطنه دون تمييز على قاعدة الشفافية والمراقبة والمحاسبة في ظل دولة مدنية وحكم رشيد. ذلك ان كل ما زال الغبن عن المواطن كلما اتجه الى قبول الراي الاخر، الى التسامح وترسخت مواطنيته وانسانيته كما تقتضي بذلك رسالة لبنان وجوهره الحضاريّ.
ورقة عمل المحامي ربيع الشّاعر
مقدمة
إن اللامركزية الإدارية و المالية هي أحد تجسيدات الديمقراطية من أجل صحة التمثيل الشعبي وبلوغ الحد الأعلى من التنمية الاقتصادية والإجتماعية وتسهيل معاملات المواطنين وتمكين كل منطقة من الحصول على حصتها من الانفاق العام وإطلاق قدراتها لتضيف من خلال مبادراتها ما تستطيع إنتاجه من الموارد وتوفير المزيد من الوقت والتخفيف من الروتين الإداري.
وعليه فإن اللامركزية الإدارية و المالية باتت تشكل شرطاً ضرورياً لتحقيق أيّ عملية إصلاح إداري جدّية وفعّالة.
أما معايير اللامركزية الإدارية وكما يحددها العلم الإداري فتستند إلى سلطة محلّية منتخبة يحدّد القانون صلاحياتها على أن تتمتّع هذه السلطة بالشخصية المعنوية المستقلة عن شخصية الدولة على الرغم من أنها جزء منها.
ومن الضروري أن يكون لهذه السلطة استقلالاً إدارياً ومالياً، أي امكانية إدارة أموالها وشؤونها دون الحاجة للعودة إلى السلطة المركزية إلا استثناءً على أن تحتفظ السلطة المركزية بحق الرقابة اللاحقة.
الإدارة المحليّة في لبنان
إن الإدارة المحليّة المنتخبة، المتمثّلة بالبلديات لا تستوفي جميع شروط اللامركزية الإدارية بمفهومها المعاصر. وهي بالتالي غير قادرة على لعب دورها الريادي بإطلاق عجلة الاقتصاد المحلّي والتنمية الاجتماعية تلبيةً لحاجات السكّان والهيئات الاقتصادية والاجتماعية ضمن إطارها الجغرافي.
فالبلديات تشكو من صعوبة جباية الرسوم والقيود القانونية على الصلاحيّات وخضوع الانفاق للموافقة والرقابة المسبقة ومن انعدام الشفافية باحتساب المستحقات من الصندوق البلدي المستقل ناهيك عن صعوبة السداد إن لم نقل الاستحالة مما يشلّ جميع المبادرات التي تقوم بها.
هذا عدا عن ندرة الموارد الماليّة لهذه البلديات التي وبحسب دراسة للمركز اللبناني للدراسات يعتبر 88% منها أن أولوية حاجاتها تكمن في زيادة هذه الموارد. ففي الدول المتقدمة تشكلل حصّة الضرائب المحليّة 60% من مجموع الواردات العامة للإدارات المحليّة بينما تنخفض نسبة مساهمات الدولة إلى 23% من مجموع هذه الواردات.
حلول الطائف
تداركاً لهذا الوضع، نصّت وثيقة الوفاق الوطني في باب الاصلاحات على اعتماد خطة إنمائية موحّدة شاملة للبلاد، وقادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً، وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحّدة واتحاد البلديات بالإمكانيات المالية اللازمة، كما نصّت على توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين، وتمثيل جميع إدارات الدولة في المناطق الإدارية على أعلى مستوى ممكن تسهيلاً لخدمة المواطنين وتلبية لحاجاتهم محليّاً. وكذلك اعتماد اللامركزية الموسّعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون)، عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه القائمقام، تأميناً للمشاركة المحليّة، هذا مع العلم أن أيّاً من هذه التدابير الاصلاحية لم تصدر في قوانين عن المجلس النيابي بعد.
مراكز الخلل في هذه الحلول
من الواضح أن طرح النواب في مؤتمر الطائف لم يكن موفقاً، إمّا عن تقصير وإمّا لغاية في نفس أهل النظام السياسي وهو مركزيٌ بامتياز.
فاللامركزية الإدارية وكما ذكرنا سابقاً تشترط حُكماً ان تكون مجالس السلطات اللامركزية منتخبة من الشعب ولا تمثل إلاّ إرادته، فيبقى هو وحده الرقيب الأول والأخير عليها.
لذلك وباقتراح وثيقة الوفاق الوطني تعيين قائمقامٍ على رأس مجلس القضاء المنتخب، تكون السلطة المركزية قد لجأت إلى حل اعتمدته فرنسا منذ 40 عاماً بالتحديد وعادت عنه سنة 1982 لصالح تطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية عن طريق الاحتكام إلى الشعب كمصدرٍ وحيد للسلطات وانتخاب جميع رؤساء وأعضاء مجالس الأقضية والمحافظات لديها.
لقد اجتزأت اصلاحات الطائف الحلول وابقت على لا حصرية مقنّعة وأغلب الظنّ أن النواب الذين وضعوا وثيقة الوفاق تحت ضغوط الأحداث آنذاك خافوا من فقدان سيطرتهم على السلطة لمصلحة الإرادة الشعبية، ولم تكن لهم رؤيا مستقبلية لمسائل الحكم. فمع اللامركزية الإدارية وبالتالي الاستقلالية المالية للبلديات، تمتلك النُخب التي تفرزها الانتخابات المحليّة سلاحاً شرعياً يحررها من هيمنة الإقطاع السياسي والنزعات الطائفية، ويُخضعها فقط للمحاسبة على أساس حُسن الإدارة ومعايير علمية مما يثير مخاوف التقليد السياسي والعائلي والطائفي من خروج المجتمع عن طاعته.
ومن المآخذ الأخرى على الحلول التي اعتمدها الطائف أنه أبقى على الغموض حول الصلاحيّات الماليّة للبلديات ولم يجزم بإعطائها الاستقلالية المالية من خلال منحها الحريّة في تحديد مطارح ومعدّلات بعض الضرائب المحليّة. كما أنه أبقى على اتحاد البلديات لتصبح اللامركزية الإدارية (إذا استطعنا تسميتها كذلك) على مستويات ثلاثة (البلدية – اتحاد البلديات – مجلس قضاء) في بلد صغير بمساحته الجغرافية ومحدود بموارده المالية مما ينذر بتشابك الصلاحيات وتعقيد الأمور في جباية الضرائب المحليّة وتوزيعها ويهدد بزيادة الكلفة على المواطن.
الدور الاقتصادي والاجتماعي للإدارات المحلية المنتخبة وأهمية استقلالها المالي
ينقسم الفكر السياسي الغربي إلى اتجاهات ثلاثة في موقفه من اللامركزية الإدارية والاستقلال المالي للسلطات اللامركزية:
- اليساريون الذين يحذّرون من الإفراط في اللامركزية الإدارية لدرجة الوصول إلى استقلالية واسعة للمناطق، تهدّد الوحدة الوطنية وتؤدي إلى تزايد الشرخ الاقتصادي والاجتماعي بين المناطق وتضرب مبدأ العدالة والمساواة بين جميع المواطنين.
- الليبراليون وهم يغالون بالمطالبة بلامركزية إدارية واسعة الصلاحيات كضمانة للمبادرة الفرديّة وللاقتصاد الحرّ وبالتالي للازدهار والتطوّر.
- أما الفئة الثالثة، ونحن نؤيدها، فتدعو إلى اختيار حلّ وسطي يؤمن لبلدٍ كلبنان اللامركزية الإدارية كأفعل وسيلة للتعبير عن رغبات مجموعة من الناس وتلبية حاجات منطقة معيّنة شرط أن تحتفظ الدولة بدورها في المراقبة والتنسيق وتوزيع الثروات من أجل بسط العدالة الاجتماعية بين الجميع.
لقد أعطى المرسوم الاشتراعي 118/1977 البلديات صلاحيات واسعة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية كأن تنشئ أو تدير عدداً من الأعمال أو المشاريع كالمتاحف والمدارس والمستشفيات العمومية والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والاسواق العامة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
ولكن المشترع اللبناني أعطى بيدٍ وأخذ باليد الأخرى من خلال فرضه الرقابة المسبقة ولو استثنائياً وعدم إعطائه الاستقلالية المالية لهذه البلديات. كما يمكن إضافة صلاحيات أخرى على هذه الاختصاصات منها صلاحيات القائمقام بعد إلغاء هذه الوظيفة وإنشاء وتطوير البنى التحتية، مروراً بانتاج الطاقة والمشاريع ذات الطبيعة الاقتصادية والشراكة بين القطاعين العام والخاص والتدريب المهني ووضع خطة انمائية للقضاءوتنظيم النقل العام والخاص ووضع التصاميم العائدة للقضاء والمخطط التوجيهي العام بالتعاون مع المديرية العامة للتنظيم المدني وبعد موافقة البلديات كل ضمن نطاقها.
أيُّ ضريبةٍ محليّة، ولماذا؟
السؤال المطروح: هل من المفضّل اعتماد النظام الفرنسي نفسه وإعطاء الإدارات المحليّة في لبنان الحق بجباية ضرائب محليّة يكون لها الاستقلالية بتحديد مطارحها ومعدلاتها؟
يختلف الجواب باختلاف الأهداف المرجوّة من هذه الضريبة المحليّة، فهل المطلوب الحدّ من الهدر وتشجيع الاستثمارات وبالتالي تفعيل الحركة الاقتصادية؟ أم أن المطلوب المساواة بين المواطنين المكلّفين دفع الضرائب واحترام حريتهم في اختيار مكان سكنهم؟
تختلف الإجابة أيضاً باختلاف المكلّفين بالضريبة المحليّة هل هم من الأفراد أو من الشركات؟ ووفق أي معايير؟ وهل يجب أن توضع الضريبة على الأبنية أم على الدخل أم على الاستهلاك؟
في المبدأ إن تمويل الجزء الأكبر من موازنات الإدارات المحليّة من خلال اللجوء إلى الضرائب المحليّة (ولو حصرت صلاحياتها بتحديد مطارح ومعدلات هذه الضرائب) هو عامل أساسي وضروري لتفعيل اللعبة الديمقراطية من خلال تحميل المجالس المُنتخبة مسؤولية سياساتها أمام الرأي العام المحلّي. إذ أنه في كلّ مرّة يقرر هؤلاء رفع نسبة هذه الضرائب، يكونون ملزمين بأن يعلّلوا وبشكل واضح وشفّاف الاسباب التي تدفعهم إلى ذلك تحت طائلة المحاسبة في الانتخابات المقبلة. وبالتالي نكون قد حدّينا من تضخم النفقات العامة غير الضرورية أو تلك التي ينعدم التوافق التام حولها.
كما تصبح المجالس المنتخبة ملزمة بالمخاطرة بشكل موزون في مشاريعها الإنمائية، فإذا نجحت هذه المشاريع تموّل ذاتها بذاتِها ويرتد صداها إيجاباً على الناس. أمّا إذا فشلت فيتم اللجوء حينذاك إلى رفع الضرائب وبالتالي خطر المحاسبة من جديد أمام الناخبين.
إذاً في اعتماد الضريبة المحليّة وقعٌ كبير على طريقة إدارة الإدارات المحلية واتخاذ القرارات فيها. وهذا غير متوفر حين تعتمد هذه الأخيرة في موازنتها وإدارتها على المساعدات والرقابة المركزية.
في حال استقر الرأي على اعتماد مبدأ الضريبة المحليّة، من الضروري أن يحدد المشترع الضريبة ونوعيتها ومعدلاتها القصوى وذلك بقانون يراعي العدالة الاجتماعية قدر المستطاع.
يمكن ان تعتمد واردات السلطات اللامركزية على ما يلي:
- الرسوم (تراخيص، سجل عقاري...)
- الضرائب ( الأملاك المبنية وغير المبنية، ضريبة الدخل، ضريبة على الربح العقاري، الاشتراكات على القيمة المضافة للشركات، الضريبة المقطوعة على الشركات، الضريبة على رفع النفايات...)
- إيرادات الأملاك العامة والخاصة أو مداخيل الاستثمارات
- علاوات اشتراك واستهلاك المياه والكهرباء والهاتف
- الهبات والوصايا والغرامات
- الصندوق اللامركزي
الإنماء المتوازن من مسؤولية الدولة بالتوافق مع الجميع
إن مبدأ الإنماء المتوازن يرتكز عل إعادة توزيع الثروات بشكل عادل وضبط المالية العامة. فإذا كانت اللامركزية الإدارية هي ترك خيار إدارة الشؤون المناطقية لمجالس منتخبة وخضوعها لرقابة الناخبين – المكلّفين وضرورة تمتعها باستقلالية مالية وموارد، فإن هذه الإدارات المحليّة لا تملك جميعها الموارد الكافية لتلبية حاجاتها. وهنا يبرز دور المجلس النيابي والدولة لسدّ هذا العجز وتأمين العدالة والمساواة في الإنماء.
من هنا أيضاً تنشأ الضرورة لوضع معايير علمية تأخذ بعين الاعتبار هذه الحاجات الاقتصادية والاجتماعية ومنها مثلاً مقارنة معدلات النمو الاقتصادي لهذه المناطق والدخل الفردي فيها والبطالة والتطور والإنتاج والأبحاث إذا أمكن والفقر وخصوصيات ونقاط ضعف كلّ منها والمواصلات والكثافة والخدمات...
وهذه العدالة الإنمائية يضمنها عامودياً "مجلس القضاء" بين البلديات التي يتألف منها. أما أفقياً، فالإنماء المتوازن بين جميع الأقضية، وكما ذكرنا، يبقى من مسؤولية الدولة. ويمكن ان يتم ذلك من خلال إنشاء صندوق يموّل من موازنات الأقضية بالنسبة للمشاريع المشتركة فيما بينها ومن قبل الدولة عن طريق مساهمات تدفع للأقضية والبلديات.
بناء على ما تقدم نسوق الاقتراحات التالية:
1. عدم الخلط بين الفدرالية واللامركزية واللاحصرية
2. حصر دور الدولة بواجباتها الأساسية ومن ضمنها تأمين الانسجام الوطني والإنماء المتوازن بين مختلف المناطق.
3. تعزيز دور السلطة المركزية من خلال:
• إنشاء وزارة مستقلة للمجالس المحلية والتنمية الإدارية.
• إنشاء وزارة للتخطيط أو مجلس للإنماء المتوازن مهمته التخطيط والمساعدة على ابتكار طرق جديدة لتمويل المشاريع بين القطاع العام والخاص وتحديد الوظيفة الاقتصادية لكل قضاء من خلال وضع استرتيجية تحددها الدولة بالتوافق مع الإدارات المحليّة والمجتمع المدني بشكل لا تتنافس فيه الأقضية فيما بينها بل تتكامل.
• تفعيل الحكومة الالكترونية والحوكمة ومكافحة الفساد
• تفعيل قانون الشراء العام
• تفعيل المديرية العامة للاحصاءات
• إنشاء هيئة إشراف مستقلة على الانتخابات
• تعديل النظام الضرائبي وتفعيل الجباية
• تفعيل إعداد الموظفين وتدريبهم
• تفعيل المجلس الأعلى للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص
• إنشاء المحاكم الادارية في الأقضية
4. تنظيم وتوزيع المرافق والخدمات العامة للدولة (لاحصريّة واسعة) بشكل عادل بين كافة الاقضية وإلغاء منصب القائمقام وتعزيز دور المحافظ.
5. اعتماد لامركزية إدارية واسعة على مستويين: البلديات ومجالس الأقضية (المجالس المحلية) على أن تكون منتخبة بالكامل.
6. إجراء تقسيمات إدارية على أساس معطيات اقتصادية اجتماعية وديموغرافية.
7. اعتماد القضاء (بعد إجراء التقسيمات) كمحور ومعيار للإنماء المناطقي المتوازن.
8. إنشاء وظيفة عامة محلية منفصلة عن الوظيفة العامة للسلطة المركزية تكون تحت إشراف المجالس المحلية المنتخبة.
9. إنشاء جهاز شرطة مهمته حفظ الأمن على مستوى القضاء.
10. إعادة النظر في قانون انتخاب المجالس المحلية من خلال:
• انتخاب رئيس البلدية ونائبه مباشرة من الشعب على أن تفوز اللائحة المتقدمة بالأصوات بأكثرية المقاعد وتوزع المقاعد الأخرى نسبياً بين اللوائح الأخرى بما يضمن حسن سير العمل اللامركزي والمحاسبة في آن واحد.
• إعادة النظر في قانون الانتخاب على النحو الذي يتيح للناخبين الاقتراع بحسب مكان إقامتهم.
• تقصير ولاية المجالس المحلية المنتخبة الى أربع سنوات.
• يمكن للمجلس المحلي المستقيل تصريف الأعمال بانتظار إجراء انتخابات جديدة.
11. إضافة صلاحيات أخرى على اختصاصات المجالس المحلية منها صلاحيات القائمقام بعد إلغاء هذه الوظيفة وإنشاء وتطوير البنى التحتية، مروراً بانتاج الطاقة والمشاريع ذات الطبيعة الاقتصادية والشراكة بين القطاعين العام والخاص والتدريب المهني ووضع خطة انمائية للقضاءوتنظيم النقل العام والخاص ووضع التصاميم العائدة للقضاء والمخطط التوجيهي العام بالتعاون مع المديرية العامة للتنظيم المدني وبعد موافقة البلديات كل ضمن نطاقها.
12. تعديل الصلاحيات المالية والادارية للمجالس المحلية المنتخبة:
• تعديل الدستور والقوانين المرعية الاجراء لتفادي الازدواج الضريبي بين الضريبة الوطنية العامة والضريبة المحلية على أن يُترك للإدارات المحليّة حرية تحديد مطارحها ومعدلاتها وعلى ألاّ تتجاوز نسباً معيّنة وأن تكون موزعة بين الضرائب على الدخل والقيمة المضافة والأملاك المبنيّة.
• زيادة معدلات 25 رسماً بلدياً.
• السماح للمجالس المحلية باقتراض الأموال من القطاع الخاص.
• اعتماد آلية لإعداد الموازنات تستند الى تقييم الأداء.
• تطوير نظام محاسبة موحد وتعميمه على جميع المجالس المحلية.
13. إلغاء الوصاية والرقابة الإدارية المسبقة واعتماد الرقابة اللاحقة التي تضمن للمجالس المحلية المنتخبة حريّة المبادرة إن من خلال التعاقد الإداري أو من خلال عدم التقيّد بسقف مالي للإنفاق شرط تطوير وتحديث مواد القانون الإداري بشقه المتعلق بالعقود الإدارية والمشاريع العامة والصفقات وإنشاء فروع محلية لديوان المحاسبة العامة Cours Régionales des Comptes في الأقضية لضمان الشفافية وللحدّ من الفساد والتفريط بالمصلحة العامة.
14. تعزيز الشراكة بين السلطة المركزية والمجالس المحلية المنتخبة من خلال:
• مساهمة الدولة في واردات الإدارات المحلية على أساس مؤشرات علمية مراعاةً للإنماء المتوازن، على أن تخضع سنوياً لمناقشة المجلس النيابي.
• تعريف الحاجات وتحديد الأهداف وأولوية تنفيذها وواجبات كل طرف عبر عقود زمنية تجمع بين الدولة من جهة والإدارات المحليّة من جهة ثانية.
• عقد مؤتمر سنوي للإدارات المحلية لتقييم التجارب المختلفة وللتنسيق والتخطيط.
• ضرورة وضع تقرير دوري كل ثلاث سنوات يحلّل ويراقب وضع الإنماء المتوازن واللامركزية الإدارية، يقدم إلى مجلس النواب لدراسته وإصدار التشريعات المناسبة إذا لزم الأمر.
15. اعتماد لامركزية مرفقية الى جانب اللامركزية الجغرافية.
إن تحقيق الغاية المرجوة من اعتماد اللامركزية الإدارية بشقها الاقتصادي – المالي لا يمكن أن يتم إلا في إطار عملية اصلاحية متكاملة سياسياً واقتصادياً وإدارياً وقضائياً. فالاصلاح كلٌّ متكامل يحقّقه التلاقي بين الإرادتين السياسية والشعبية .
__________________________
لائحة غير شاملة بالقوانين والمراسيم الأساسية التي يجب تعديلها والمتعلقة مباشرة بصلاحيات المجالس المحلية والمنتخبة الإدارية والمالية:
1- المرسوم الاشتراعي 118/1977
2- المرسوم الاشتراعي 82/1983
3- المرسوم الاشتراعي 50/1967
4- المرسوم الاشتراعي 115/1959
5- المرسوم الاشتراعي 2460/1959
6- القانون 360/2001
7- القانون 60/1992
8- القانون 60/1988
9- المرسوم 114/1959
10- المرسوم 14969/1963
11- المرسوم 3489/1965
12- المرسوم 1917/1979
13- المرسوم 5595/1982
14- المرسوم 8485/1996
15- المرسوم 10388/1997
16- المرسوم 4082/2000
17- المرسوم 379/2001
اللقاء الثالث 14-12-2022
“لبنان الميثاقيّ في نِظام المجلِسَين: حقيقة الحقوق ومعنى الضمانات”
لمحات من اللّقاء الثالث من مسار الحوارات الصّباحيّة “لبنان الميثاقيّ في نِظام المجلِسَين: حقيقة الحقوق ومعنى الضمانات”.
لمشاهدة الحلقة كاملة
اللقاء الثالث من مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية أتى تحت عنوان “لبنان الميثاقيّ في نِظام المجلِسَين: حقيقة الحقوق ومعنى الضمانات”.
في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن الملتقى تحت عنوان”عشر سنوات، القضيَّة لبنان والإنسان“، ومن ثمَّ وثائقي عن اللّقاء الثاني من الحوارات تحت عنوان: “اللَّامركزيَّة الإداريَّة الموسَّعة: الإنماء المتوازن والعيش معًا“.
بيان صحفي
“ملتقى التأثير المدني” في لقائه الثالث من “الحوارات الصباحية”
“لبنان الميثاقيّ في نِظام المجلِسَين: حقيقة الحقوق ومعنى الضمانات”
الزّين: لبنان يتعرض لجريمة منظّمة وعلينا تصويب البُوْصلة
الصَّائغ: نِظام المجلِسَين يحمي مُعادلة ذهبيّة في دستور لبنان المدنيّ
مسرّة: مجلس الشيوخ هو التجسيد للقيم الروحية المشتركة في لبنان
نظّم ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم اللقاء الثالث والاخير لهذا العام من مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية في فندق الجفينور – روتانا الحمرا تحت عنوان “لبنان الميثاقيّ في نِظام المجلِسَين: حقيقة الحقوق ومعنى الضمانات”. في حضور نخبة من الشخصيات الأكاديمية والادارية والقانونية والدستورية والثقافية وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الملتقى.
وقائع اللقاء
في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن الملتقى تحت عنوان”عشر سنوات، القضيَّة لبنان والإنسان”، ومن ثمَّ وثائقي عن اللّقاء الثاني من الحوارات تحت عنوان: “اللَّامركزيَّة الإداريَّة الموسَّعة: الإنماء المتوازن والعيش معًا”.
كلمة الزين
بعدها كانت كلمة عضو مجلس إدارة الملتقى السيّد يوسف الزّين الذي لفت إلى أنّ الملتقى قد آل على نفسه “الانكِباب على مُعالجة مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، فلبنان دولةً وشعبًا يتعرَّضُ لجريمة منظّمة، ما يستدعي منَّا المُساهمة في تصويب البُوْصلة لإنقاذه من هذا المستنقع الجُهَنَّمي، وافتتاح مسار بناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة”.
وقال نطلّ اليوم على “إصلاحٍ مؤسِّس في تحديد مفهوم حقوق المواطنات والمواطنين اللّبنانيّين من ناحيَة، والضمانات للجماعات المكوِّنة للمجتمع اللّبناني ضمن صيغة عيش معًا تحترم التنوّع من ناحيَةٍ أخرى، وهو نِظام المجلِسَين أي مجلس النوَّاب ومجلس الشيوخ، عسى نَغوص فيه لخدمة القضيّة اللُّبنانيّة والإنسان، فتعود العقلانيّة والحكمة والصّلابة والنّزاهة رأس حربة لِقيام دولة المواطنة، دولة الحقّ والعدل.”
كلمة الصّائغ ميسّر الحِوار
ومن ثمّ كانت كلمة ميسّر الحِوار المدير التَّنفيذي للملتقى زياد الصَّائغ الذي لفت في بداية كلمته الى “مفاهيم ملتَبِسة أخضَعَت من خِلالها الدُّستور لعمليَّة تضليل منهجيَّة إلى حدِّ الانقِلاب وتشتيت الدَّولة”. وقال إنّ ” لبنان دولةٌ ذات نِظامٍ برلمانيّ في جمهوريَّةٍ ديموقراطيّة توافُقيّة بالمعنى العلميّ الدستوريّ” مع موجِب “فصل السُّلُطات لكنْ مع تعاونها خِدْمَةً للخير العامّ” وهو في “صُلْب الإصلاحات البنيويّة التي أقرّها اتّفاق الطّائف، وورد بِشَكلٍ متميّز في “نِظام المجلِسَين حيثُ مجلِسُ نوّابٍ ومجلِس شيوخ” منذ قيام دولة لبنان الكبير في دستور 1926.
وأضاف: “أنَّ نِظام المجلِسَين يحمي مُعادلة ذهبيّة في دستور لبنان المدنيّ، وهي “الحقوق للمواطنات والمواطنين” و “الضمانات للعائلات الرُّوحيّة”. هذه المُعادلة الذهبيّة تمَّ انتهاكها مُنْذُ إطلاقِها. واستطرد الصّائغ “لقد حَكمَ لُبْنان في العَقْد الأخير حديثٌ عن “حقوق الطّوائف” إلى حدِّ اغتيال “الحقوق للمواطنات والمواطنين”. وهُنا “كانت جريمةً موصوفة تعطيلُ المضيّ قُدُمًا في تطبيق المادّة 95 من الدُّستور لِقيام دولة المواطنة”. ربطًا “بانتِخاب مجلس نوّاب خارج القيد الطّائفيّ، وقِيام مجلس شيوخ يُحاكي هواجس العائِلات الرُّوحيّة، مع اللّامركزيّة الإداريّة الموسّعة، وحصريّة امتِلاك المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة الشرعيّة وحدها السّلاح وحقّ استعمال العُنْف مع قرار السِّلْم والحرب، إلى الحِياد الإيجابيّ الذي يُشكّل في السّياسة الخارجيّة نواة الصّيغة الميثاقيّة لدولة لبنان الكبير”. وحذَّر الصائغ من “الجريمة الموصوفة” التي تبدّت في “شلّ كُلّ مساراتِ تطبيق الدُّستور عن سابق تصوُّر وتصميم”. وبالتّالي “تحويلُ لُبْنان إلى فوضى تتحكّم بها أوليغارشيّة تسطو على الدُّستور باجتِهاداتٍ فضفاضة تصِل حدّ تكريس أعراف تنقّل الدّيموقراطيّة التّوافقيّة النّبيلة باسمِ الميثاقيّة إلى نِظام الفيتوات المتبادلة”. وانتهى الصائغ ليقول: “ليس فيه لبنان أيّ أزمة نِظام أو دستور، بل أزمة انقِضاضٍ على النّظام والدّستور”. تُراودنا إشكالاتٌ وإشكاليّات للعَوْدة إلى الحقائق التي قام عليها دستورُنا، بما يُنْهي استِغلاله الخبيث وظائفيًّا لضرب العقد الاجتماعيّ بين اللّبنانيّين.
ورقة عمل مسرّة
وبعدها قدم البروفسّور أنطوان مسرّة “ورقة العمل” الأساسيّة تحت عنوان: “أي مجلس نيابي؟ أي مجلس شيوخ؟ لأي لبنان؟” واستهلها بالإشارة إلى أنّه “لا جدوى من أي اقتراح أو تعديل دستوري إذا كان الدستور أساسًا معلّقًا وغير مطبّق ومُخترق يوميًا”. ولذلك قال ان الطروحات والمداولات والسجالات حول المنظومة الدستورية اللبنانية الجارية تشكل طمسًا لمعضلة الدولة في لبنان التي تتلخص بان “تتمتع الدولة اللبنانية بالمواصفات الأربعة المسماة ملكية وهي: “إحتكار القوّة المنظمة والعلاقات الديبلوماسية، فرض جباية الضرائب وإدارة السياسات العامة. والاخطر ان كان الدستور اللبناني، في نصّه وروحيّته، مُعلّق وغير مُطبّق ومُخترق يوميًا، بخاصة من خلال تأليف حكومات برلمانات مصغّرة، مما يخرق مبدأ الفصل بين السلطات”.
وقال مسرة: ” يتوجب في مُجمل ما يتعلق بالطوائف الانطلاق من تشكيل الهيئة الوطنية لوضع خطة مرحلية في تخطي “الطائفية” (المادة 95 من الدستور). اما معالجة الموضوع “بالقطعة” فهو اختزال واجتزاء للطابع الشمولي والمتعدد الجوانب حول تطوير النظام الدستوري اللبناني” فوثيقة الوفاق الوطني – الطائف توجب التمييز في بنودها بين ” الثوابت الدستورية التي وردت في معظمها في مقدمة الدستور”، من جهة و” الشؤون التنظيمية، كقانون الانتخاب، اللامركزية، مجلس الشيوخ…”.
واعتبر مسرة: أنّ “مجلس الشيوخ هو التجسيد للقيم الروحية المشتركة في لبنان والتي لها دور بارز ترسيخ الوحدة الوطنية وحماية السلم الأهلي. وبعدما رفض “انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ من خلال انتخابات عامة، لئلا يشكل “قمّة التطييف لأنه يحمل كل ناخب إلى انتخاب عضو من طائفته مما يؤدي إلى فرز مُصطنع في العائلة الواحدة “، اقترح تعيينهم من”قبل هيئة ناخبة مُصغّرة من قبل الهيئات الرسمية للطوائف”، واستنادًا الى “معايير يتوجب التقيّد بها بشكل صارم في الاختصاص والخبرة “.
وبعدما اعتبر مسرَّة “أنَّ مجلس الشيوخ اللبناني ليس غرفة ثانية، بل هيئة مساندة وليس لها صفة تشريعية” مخافة “تطييف كل القضايا بدون استثناء كالضرائب والتنظيم المدني، وأسعار السلع الاستهلاكية والإدارة”. عدد بعض المواصفات فقال انه “لا يتوجب أن يكون أعضاء مجلس الشيوخ متفرغين ولا يتقاضون تعويضات ثابتة” يجتمعون ” في سبيل التخطيط الدائم لمجتمع الدولة الضامنة للعيش المشترك والسيادة الوطنية والثقافة الجامعة وحماية الثوابت والدفاع عن رسالته العربية والدولية” وانه “من الأفضل أن تكون رئاسة المجلس واغلبية أعضاء مكتبه من الطوائف الصغرى منعا لاي مآذارة او طغيان فئوي”.
وانتقد مسرَّة بقوة “اقتراح القانون المطروح حول مجلس الشيوخ” وتوقف أمام العديد من النقاط المرفوضة محذرا من مخاطرها معتبرا أنّه ينم “عن التجاهل التام لطبيعة التعددية في المجتمع اللبناني التي هي تعددية متداخلة” ويشكل خروجا على “الفلسفة التأسيسية في لبنان للهيئة الانتخابية الموحّدة ويؤدي الى “فرز الناس بشكل مصطنع والى تطييف السلوك الانتخابي”. ولمّا رفض بأن يكون “جزءًا من السلطة التشريعية أو تعبيرا عن “النظام السياسي الطائفي”، اعتبر ان “القضايا المصيرية” لا تعني ولا تشمل بالضرورة صلاحية تشريعية” .وان هذا التوصيف يتنافى مع “مضمون الدستور اللبناني، نصًّا وروحًا، لأن النظام الدستوري اللبناني ليس “طائفيًا”، بل تم ويتم تطييفه، تغطية للزبائنية، وخلافًا لمضمون المادتين 12 و 95 من الدستور”.
واعتبر مسرّة “أنّ دور الطوائف في الكيان الدستوري والمؤسساتي للدولة اللبنانية – خلافًا لما ورد في الأسباب الموجبة – هو محقّق في الدستور الحالي في حال حسن تطبيقه نصًّا وروحًا. والنص الأبرز هو “المادة 19 حول حق رؤساء الطوائف في مراجعة المجلس الدستوري. وان عبارة “النظام التوافقي” اجترار لشعار متداول في لبنان وخلافًا لما ورد في وصف النظام الدستوري اللبناني في مقدمة الدستور وكل تفاصيله تجنبًا “لاستغلال التباينات المذهبية في التنافس السياسي”.
وانتهى مسرة إلى القول ان اقتراح القانون في صيغته المقترحة “يُشكل أخطر مسار في تطييف كل المنظومة الدستوريّة اللبنانية، وفرزًا مصطنعًا للمواطنين، وتكريسًا للانقسامات النابعة أساسًا من التعبئة النزاعية وليس من عمق المجتمع اللبناني”.
نقاش عام وحوار
بعدها كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.
ملتقى التأثير المدني
المكتب الإعلامي
بيروت 14 كانون الاول 2022
كلمة عضو مجلس إدارة ملتقى التأثير المدني السيّد يوسف الزَّين
السيّدات والسّادة،
ها نحنُ وإيّاكُم نلتقي مرَّة جديدة في اللّقاء الثّالث من مسار “الحوارات الصّباحيّة” تحت عنوان: “لبنان الميثاقيّ في نِظام المجلِسَين: حقيقة الحقوق ومعنى الضمانات”، وقد آلَيْنا على أنفُسُنا في “ملتقى التأثير المدني” العَوْدة إلى وثيقة الوفاق الوطنيّ (إتّفاق الطّائف) ببنودها الإصلاحيّة كي نستعيد معًا خيار تطبيق الدّستور نصًّا وروحًا، لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا.
الهموم الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، تفرُض ذاتَها على يوميّاتنا وهمومنا حتَّى إنَّنا أصبحنا أسراها، لكنّنا في “ملتقى التأثير المدني”، ومع اعتِرافِنا بتفوّق هذه الهُموم، فقد أخَذْنا على عاتِقِنا الانكِباب على مُعالجة مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، فلبنان دولةً وشعبًا يتعرَّضُ لجريمة منظّمة، ما يستدعي منَّا المُساهمة في تصويب البُوْصلة لإنقاذه من هذا المستنقع الجُهَنَّمي، وافتتاح مسار بناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة، وهذا يقع في صُلْب هدف ورسالة “ملتقى التأثير المدني”، فنحنُ في لحظةٍ تاريخيّة دقيقة لا تفيدُ فيها الحُلول الرّماديّة، مع الاعتِراف بتعقيدات المواجهة.
السيّدات والسّادة،
مسار “الحوارات الصّباحيّة” مُنْطَلَقُ فِكرٍ تغييريّ إصلاحيّ لِفعلٍ تغييريّ إصلاحيّ، ففيما اخترنا التّفكير العملانيّ المُعمّق في الإصلاحات البنيويّة، وبعد أن أطللنا في اللّقاء الأوّل على “المادّة 95 من الدّستور” آفاقًا وتعطيلًا، واللّقاء الثّاني على “اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا” نُطِلّ اليوم على إصلاحٍ مؤسِّس في تحديد مفهوم حقوق المواطنات والمواطنين اللّبنانيّين من ناحيَة، والضمانات للجماعات المكوِّنة للمجتمع اللّبناني ضمن صيغة عيش معًا تحترم التنوّع من ناحيَةٍ أخرى، وهو نِظام المجلِسَين أي مجلس النوَّاب ومجلس الشيوخ، عسى نَغوص فيه لخدمة القضيّة اللُّبنانيّة والإنسان، فتعود العقلانيّة والحكمة والصّلابة والنّزاهة رأس حربة لِقيام دولة المواطنة، دولة الحقّ والعدل.
هذا عهدٌ علينا ووعد.
كلمة زياد الصّائغ / ميّسر الحوار
مفاهيم ملتَبِسة أخضَعَت ماكينات تشويهٍ من خِلالها الدُّستور لعمليَّة تضليل منهجيَّة إلى حدِّ الانقِلاب وتشتيت الدَّولة. لبنان دولةٌ ذات نِظامٍ برلمانيّ في جمهوريَّةٍ ديموقراطيّة توافُقيّة (بالمعنى العلميّ الدستوريّ) مع موجِب فصل السُّلُطات لكنْ مع تعاونها خِدْمَةً للخير العامّ. في صُلْب الإصلاحات البنيويّة التي أقرّها اتّفاق الطّائف، ورد بِشَكلٍ متميّز نِظام المجلِسَين حيثُ مجلِسُ نوّابٍ ومجلِس شيوخ.
لِلْوَهْلَةِ الأولى يُخيَّل للبَعْض أنّنا أمام توزّعٍ موسّعٍ للحُصَص الطّائفيّة والمذهبيّة، فيما أنَّ نِظام المجلِسَين يحمي مُعادلة ذهبيّة في دستور لبنان المدنيّ، وهي “الحقوق للمواطنات والمواطنين” و “الضمانات للعائلات الرُّوحيّة”. هذه المُعادلة الذهبيّة تمَّ انتهاكها مُنْذُ إطلاقِها. تحوّل النِّظام السّياسيّ في لُبْنان مِطواعًا لزبائنيّةٍ بَلَغت حدّ استِشراء الفساد، ولطائفيّة / مذهبيّة مسيَّسة مع سياسةٍ مطيّفة / مُمَذهبة، رَهَنَت لبنان لمحاوِر لا علاقة له بأجندتِها. حَكمَ لُبْنان في العَقْد الأخير حديثٌ عن “حقوق الطّوائف” إلى حدِّ اغتيال “الحقوق للمواطنات والمواطنين”. هُنا كانت جريمةً موصوفة تعطيلُ المضيّ قُدُمًا في تطبيق المادّة 95 من الدُّستور لِقيام دولة المواطنة، ربطًا بانتِخاب مجلس نوّاب خارج القيد الطّائفيّ، وقِيام مجلس شيوخ يُحاكي هواجس العائِلات الرُّوحيّة، مع اللّامركزيّة الإداريّة الموسّعة، وحصريّة امتِلاك المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة الشرعيّة وحدها السّلاح وحقّ استعمال العُنْف مع قرار السِّلْم والحرب، إلى الحِياد الإيجابيّ الذي يُشكّل في السّياسة الخارجيّة نواة الصّيغة الميثاقيّة لدولة لبنان الكبير. الجريمة الموصوفة تبدّت في شلّ كُلّ مساراتِ تطبيق الدُّستور عن سابق تصوُّر وتصميم، وبالتّالي تحويلُ لُبْنان إلى فوضى تتحكّم بها أوليغارشيّة تسطو على الدُّستور باجتِهاداتٍ فضفاضة تصِل حدّ تكريس أعراف تنقّل الدّيموقراطيّة التّوافقيّة النّبيلة باسمِ الميثاقيّة إلى نِظام الفيتوات المتبادلة. الحقوق هي للأفراد أمَّا الضمانات فهي للجماعات، وهُنا تحدّي مواجهة من شوّه هذه المُعادلة.
في هذا السّياق المأزوم، والذي ليس فيهِ أيّ أزمة نِظام أو دستور، بل أزمة انقِضاضٍ على النّظام والدّستور، وهُنا بيتُ القصيد تُرانا اليَوْم نلتقي لنتباحث في “لبنان الميثاقيّ في نِظام المجلِسَين: حقيقة الحقوق ومعنى الضمانات”، تُراودنا إشكالاتٌ وإشكاليّات للعَوْدة إلى الحقائق التي قام علينا دستورُنا، بما يُنْهي استِغلاله الخبيث وظائفيًّا لضرب العقد الاجتماعيّ بين اللّبنانيّين. ألم يحن موعد تنقيةُ الميثاقيّة، وإحياء الدّيموقراطيّة، وصَوْن التعدُّديّة بحَوْكَمَة سليمة؟
أي مجلس نيابي وأي مجلس شيوخ؟ لأي لبنان؟ نُصْغي إلى البروفسّور أنطوان مسرّة فلكُم الكلمة.
ورقة عمل البروفسور أنطوان مسرَّة
ليس مجلس الشيوخ غرفة برلمانية ثانية: كيف ولماذا؟
- لا جدوى من أي اقتراح أو تعديل دستوري اذا كان الدستور أساسًا معلّقًا وغير مطبّق ومُخترق يوميًا. تُشكل بالتالي الطروحات والمداولات والسجالات حول المنظومة الدستورية اللبنانية طمسًا لمعضلة الدولة في لبنان التي تتلخص في مسألتين:
- وجوب تمتع الدولة اللبنانية بالمواصفات الأربعة المسماة ملكية وهي:
احتكار القوّة المنظمة،
احتكار العلاقات الدبلوماسية،
فرض وجباية الضرائب،
إدارة السياسات العامة.
- الدستور اللبناني، في نصّه وروحيّته، مُعلّق وغير مُطبّق ومُخترق يوميًا، بخاصة من خلال تأليف حكومات برلمانات مصغّرة، مما يخرق مبدأ الفصل بين السلطات. الحكومة موصوفة قصدًا في الدستور اللبناني “بالإجرائيّة”. والحكومات في لبنان تُمثل “الطوائف”، كما هو وارد في المادة 95، وليس قوى سياسية ولا “أحجام”…! وليس للحكومات عالميًا صفة تمثيلية بالمعنى الانتخابي.
- يتوجب في مُجمل ما يتعلق بالطوائف الانطلاق من تشكيل الهيئة الوطنية لوضع خطة مرحلية في تخطي “الطائفية” (المادة 95 من الدستور). اما معالجة الموضوع “بالقطعة” فهو اختزال واجتزاء للطابع الشمولي والمتعدد الجوانب حول تطوير النظام الدستوري اللبناني.
- توجب وثيقة الوفاق الوطني-الطائف التمييز في بنودها بين اثنين:
– الثوابت الدستورية التي وردت في معظمها في مقدمة الدستور اللبناني.
– الشؤون التنظيمية: قانون الانتخاب، اللامركزية، مجلس الشيوخ… التي يتوجب العمل بها استنادًا الى ظروف المكان والزمان والتحوّلات، كما “مقاصد الشريعة” وليس حرفية الشريعة.
- مجلس الشيوخ هو التجسيد للقمم الروحية المشتركة في لبنان والتي لها دور بارز في كل تاريخ لبنان، بخاصة خلال 1975-1990، في ترسيخ الوحدة الوطنية وحماية السلم الأهلي.
يُشكل البيان الصادر عن رؤساء الطوائف الإسلامية والمسيحية في 28/1/2021 نموذجًا لدور أي مجلس شيوخ في لبنان (“رؤساء الطوائف: ما عاد السكوت ممكنًا ولتؤلف حكومة “مهمة” تجاوز المحاصصات”، النهار، 28/1/2021).
- من أبرز مخاطر معالجة تخطي الطائفية “بالقطعة” وخارج الهيئة الوطنية الواردة في المادة 95 من الدستور اللبناني مزيد من تطييف النظام.
يتطلب تكوين وتنظيم مجلس الشيوخ مقاربة من منطلق طبيعة النظام الدستوري اللبناني والأنظمة البرلمانية التعددية، وبالتالي بدون اغتراب ثقافي aliénation culturelle وبدون مقاربة استنادًا الى مجالس الشيوخ في أميركا وفرنسا وبريطانيا وفي الدول ذات التنظيم الفدرالي الجغرافي.
- إذا كان تعيين أعضاء مجلس الشيوخ من خلال انتخابات عامة، فهذا قمّة التطييف لأنه يحمل كل ناخب الى انتخاب عضو من طائفته مما يؤدي إلى فرز مُصطنع في العائلة الواحدة استنادًا الى الانتماء المذهبي! انه تكريس لما سُمّي “مشروعًا أورثوذكسيًا” وهو مشروع جهة محدّدة ولم يتبناه المجتمع اللبناني.
يتم تعيين أعضاء مجلس الشيوخ من قبل هيئة ناخبة مُصغّرة Collège électoral restreint من قبل الهيئات الرسمية للطوائف، واستنادًا الى معايير يتوجب التقيّد بها بشكل دقيق وصارم، في الاختصاص والخبرة، لأن الموضوع يتطلب اختصاصًا وخبرة على نمط لجنة برنار ستازي Bernard Stasi حول العلمانية في فرنسا (2003) ولجنة بوشار-تايلور Bouchard-Taylor (2008) في كندا وليس على أساس قوى سياسية وأحزاب.
- 7. ان المادة 65 من الدستور التي تفرض أكثرية موصوفة majorité qualifiée في ما يتعلق بـ 14 قضية مُحددة حصرًا هي الضامنة اساسًا لحماية حقوق كل مكوّنات المجتمع اللبناني. تحول المادة 65 دون طغيان فئوي minority control ودون طغيان أقلية وطغيان أكثرية abus de majorité/ abus de minorité. تم التلاعب بهذه المادة في التطبيق وخرقها من خلال شعارات “الثلث” و”التعطيل و”طغيان فئوي…” تطبيقًا لنظرية إسرائيلية، بخاصة لـ Sammy Smooha تستند الى حالات إسرائيل بالنسبة الى غرب اسرائيل وسوريا وافريقيا الجنوبية في عهد التمييز العنصري وايرلندا قبل “اتفاقية الجمعة” Friday agreement.
- ليس مجلس الشيوخ اللبناني غرفة ثانية Seconde Chambre، بل هيئة مساندة وليس لها صفة تشريعية.
إذا كان لها صفة تشريعية فهذا يؤدي الى مزيد من تطييف كل القضايا بدون استثناء: سوف نطيّف الضرائب والتنظيم المدني، وأسعار السلع الاستهلاكية والإدارة…!
- لا يتوجب أن يكون أعضاء مجلس الشيوخ متفرغين ولا يتقاضون تعويضات ثابتة، وربما يتقاضون تعويضات رمزية ويجتمعون في سبيل التخطيط الدائم لمجتمع الدولة الضامنة للعيش المشترك والسيادة الوطنية والثقافة اللبنانية الجامعة وحماية الثوابت اللبنانية والدفاع عن لبنان “عربي الهوية والانتماء” ورسالته العربية والدولية.
- ان ضمان الحريات الدينية والادارة الذاتية في ما يتعلق بالمادتين 9 و 10 من الدستور هو مُحقق بفضل المادة 19 من الدستور حيث يحق لرؤساء الطوائف الطعن بأي قانون متعلق حصرًا بهاتين المادتين. وهو محقق أيضًا بفضل المادة 65 في اشتراط أكثرية الثلثين في 14 قضية أساسية. لا يجوز بالتالي لمجلس الشيوخ أن يتضارب في صلاحياته مع المادتين 19 و 65 من الدستور.
- 11. من الأفضل أن تكون رئاسة مجلس الشيوخ واغلبية أعضاء مكتب مجلس الشيوخ من الطوائف الصغرى. كل الطوائف في لبنان أقليّات ولكن لدى بعضها وهم أو إدراك أكثري او مآذارة طغيان فئوي.
2
اقتراح القانون حول مجلس الشيوخ
- ان اقتراح القانون حول انشاء مجلس شيوخ هو معبّر عن التجاهل التام لطبيعة التعددية في المجتمع اللبناني التي هي تعددية متداخلة onverlapping membership حيث ينتمي اللبناني غالبًا الى عدة هيئات في مصالح عائلية وحياتية واجتماعية واقتصادية مشتركة خلافًا للتعددية القصوى segmented pluralism حيث، كما في بعض القبائل في مجاهل العالم، يلد الفرد ويتعلم ويتزوج ويعمل ويعاشر ويموت ويدفن ضمن جماعته.
يعني ذلك أن أي خروج عن الفلسفة التأسيسية في لبنان للهيئة الانتخابية الموحّدة Collège électoral unique يؤدي الى فرز الناس بشكل مصطنع والى تطييف السلوك الانتخابي حتى لدى الذين تخطوا الانتماءات الأولية allégeance primaires وتربطهم بالمجتمع مصالح عائلية حياتية مشروعة وصلبة ومتماسكة.
تغلّبت الانتماءات اللبنانية المتداخلة على 15 سنة من المعابر والمتاريس طوال سنوات الحروب المتعددة الجنسيات في لبنان (1975-1990) سعيًا مستحيلاً للفصل بين الطوائف والمناطق و”مذهبة” وتطييف الثوابت اللبنانية المشتركة.
- ورد في الأسباب الموجبة ان قانون مجلس الشيوخ هو “جزء من السلطة التشريعية”، في حين أن “القضايا المصيرية” لا تعني ولا تشمل بالضرورة صلاحية تشريعية.
- ورد في الأسباب الموجبة تعبير “النظام السياسي الطائفي”. يتنافى هذا التوصيف مع مضمون الدستور اللبناني، نصًّا وروحًا، لأن النظام الدستوري اللبناني ليس “طائفيًا”، بل تم ويتم تطييفه، تغطية للزبائنية، خلافًا لمضمون المادتين 12 و 95.
- ان “دور الطوائف في الكيان الدستوري والمؤسساتي للدولة اللبنانية”، خلافًا لما ورد في الأسباب الموجبة، هو محقّق في الدستور الحالي في حال حسن تطبيقه نصًّا وروحًا. والنص الأبرز هو المادة 19 حول حق رؤساء الطوائف في مراجعة المجلس الدستوري.
- عبارة “النظام التوافقي”، الواردة في الأسباب الموجبة، اجترار لشعار متداول في لبنان وخلافًا لما ورد في وصف النظام الدستوري اللبناني في مقدمة الدستور وكل تفاصيله بأنه “نظام برلماني” ويخضع بالتالي لكل قواعد الأنظمة البرلمانية، مع دمج سياقات تنافسية compétitives وتعاونية coopératives في آن تجنبًا للعزل الدائم وتجنبًا لاستغلال التباينات المذهبية في التنافس السياسي.
- عبارة “توافق” واردة حصرًا في المادة 65 من الدستور في سياق اتخاذ القرارات، مع وجوب الأكثرية الموصوفة majorité qualifiée في 14 قضية تجنبًا لطغيان أكثرية abus de majorité وطغيان أقلية abus de minorité.
استعملت تعابير توافق وميثاق وغيرها في لبنان وبعض المجتمعات التعددية، حصرًا في ما يتعلق ببنائها القومي التأسيسي، وليس في سياق مآذارة الحكم استنادًا الى كل المعايير الدستورية.
- خلافًا لما ورد في الأسباب الموجبة حول “هدف تطوير النظام السياسي اللبناني والحد من الأزمات السياسية والدستورية”، فان اقتراح القانون، وفي صيغته المقترحة، يُشكل أخطر مسار في تطييف كل المنظومة الدستورية اللبنانية، وفرزًا مصطنعًا للمواطنين، وتكريسًا للانقسامات النابعة أساسًا من التعبئة النزاعية وليس من عمق المجتمع اللبنانية.
(يراجع تأكيدًا لبعض هذه الملاحظات كتاب: هشام الأعور، مجلس الشيوخ ومسألة تطبيقه في لبنان، 2019).
كتاب د. هشام الأعور
مجلس الشيوخ: نموذج في الاغتراب
او الاصالة في الثقافة الدستورية في لبنان
كيف استطاع د. هشام الأعور التخلص من برمجة فكرية راسخة واجترارية في الفكر الدستوري السائد حول كل ما يتعلق بمصطلح وشعار “الطائفية”؟
أوضح بعض الجوانب في هذا التحرر.
العلماء في الشأن اللبناني libanologues قليلون.
ولأنهم قليلون ينتشر بدون رادع المخادعون والمتلاعبون في الشأن العام الدستوري.
اولاً نوعان من البنود في وثيقة الوفاق الوطني-الطائف
- المبادئ العامة والثوابت الميثاقية او “التعهدات الوطنية” (ادمون رباط)
- الشؤون التنظيمية الإجرائية التي قد تتبدل مع الزمن والتي يتوجب اعتماد مقاصدها، مثل مقاصد الشريعة وليس حرفية النص.
ثانيًا ليست عبارة “طائفية” مفهومًا علميًا concept, notion ولا اطارًا حقوقيًا catégorie juridique.
اثباتًا للالتباس ترد عبارة “طائفية” في المادة 95 من الدستور، ثم، بعد عدة أسطر، عبارة “طائفية سياسية”!
يحصل الغمود والالتباس في دساتير عديدة في العالم لأسباب تتعلق بالثقافة السائدة في المجتمع Jeannency, Les lacunes constitutionnelles, Paris LGDJ, 2014،
في سلة مهملات الطائفية ثلاث قضايا مختلفة، تشخيصًا ومعالجة.
- قاعدة التمييز الإيجابي او الكوتا (المادة 95 من الدستور) ضمانًا للمشاركة والحؤول دون مخاطر العزل الدائم discrimination positive / affirmative action. هذه القاعدة الحقوقية مطبقة بأشكال متنوعة في اكثر من أربعين بلدًا في العالم وصدرت بشأنها دراسات مقارنة منذ سبعينيات القرن الماضي.
- الإدارة الذاتية: الحصرية في بعض الشؤون الدينية والثقافية autonomie personnelle.
- لماذا تاريخيًا موضوع مجلس الشيوخ في لبنان؟
أساس هذا الطرح:
- معضلة الهيئة الانتخابية الموحدة Collège électoral unique:
- بروز “الشارع” خلال الازمات.
- القمم الروحية المشتركة.
- المعالجة منذ 1990 من خلال المادتين 19 و65 من الدستور.
***
ليس مجلس الشيوخ من الأمور المبدئية في وثيقة الوفاق الوطني-الطائف، بل من الشؤون الإجرائية التي يتوجب التقيد بمقاصدها.
ان اعتماد مجلس الشيوخ – بدون تأصيل في المقاربة، على نمط ما يرد في كتاب د. هشام قد يؤدي الى مزيد من التطييف، خلافًا لمقاصد النص الدستوري. لماذا؟
- فرز اللبنانيين الى مذاهب في سبيل تعيين أعضاء مجلس الشيوخ!
– تطييف كل القضايا (الضرائب، الانماء، القضايا الحياتية اليومية…) في عرضها على مجلس الشيوخ في حين يوجد قضايا “طائفية” في التنافس السياسي والتعبئة النزاعية ولا علاقة لها بالطوائف.
***
وثيقة الوفاق الوطني-الطائف والدستور اللبناني هما
– في النص – روعة في المخيلة الدستورية على المستوى العالمي والمقارن منذ سبعينيات القرن الماضي في الدراسات الدستورية المقارنة حول الإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافية.
اما التطبيق فهو الأسوأ اليوم المستوى العالمي والمقارن!
ما العمل؟ ماذا يقول “الكتاب” (كما كان يردد الرئيس فؤاد شهاب).
اللقاء الرابع 22-02-2023
“لبنان وقانون الانتِخابات النيابيَّة: عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة“
لمحات من اللّقاء الرابع من مسار الحوارات الصّباحيّة “لبنان وقانون الانتِخابات النيابيَّة: عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة”.
لمشاهدة الحلقة كاملة
اللقاء الرابع من مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية أتى تحت عنوان “لبنان وقانون الانتِخابات النيابيَّة: عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة”.
في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن ملتقى التأثير المدني / عشر سنوات القضيَّة لبنان والإنسان، ومن ثمَّ وثائقي استعراضي للِّقاء الثالث من “الحوارات الصباحية” تحت عنوان:” لبنان الميثاقي في نِظام المجلسين: حقيقة الحقوق ومعنى الضمانات“
بيان صحفي
ملتقى التأثير المدني يُتابع مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية:
في اللقاء الرابع: “لبنان وقانون الانتِخابات النيابيَّة: عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة“
الحويّك: نحنُ في لحظةٍ تاريخيّة دقيقة لا تفيدُ فيها الحُلول الرّماديّة
ابو فرحات: القول أنَّ قانون الانتِخابات الحالي قانون عصري غير دقيق فسلبياته تفيض عن إيجابياته
المشنوق: لا معنى لأي شكوى من قانون الانتخاب ما لم تقترن بقانون بديل
تابع ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية بعقده اللقاء الرابع في فندق الجفينور – روتانا الحمرا في حضور نخبة من الشخصيات الأكاديمية والادارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والعسكريين المتقاعدين والإعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الملتقى. اللّقاء الرابع جاء تحت عنوان “لبنان وقانون الانتِخابات النيابيَّة: عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة” مستلهمًا وثيقة الوفاق الوطنيّ (إتّفاق الطّائف) ببنودها الإصلاحيّة وخيار العودة إلى الدّستور، لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا.
وقائع اللقاء
في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن “ملتقى التأثير المدني” / عشر سنوات القضيَّة لبنان والإنسان، ومن ثمَّ وثائقي استعراضي للِّقاء الثالث من “الحوارات الصباحية” تحت عنوان:” لبنان الميثاقي في نِظام المجلسين: حقيقة الحقوق ومعنى الضمانات“
كلمة الحويّك
بعدها كانت كلمة عضو مجلس إدارة الملتقى المهندس الياس الحويّك الذي أكد “أن الوضع المأزوم ماليًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا بات كارثيّا ولم يعُد يُطاق”. وقد يعتبر البعض “أن ما نقوم به خارج السّياق”، لكنّنا في “ملتقى التأثير المدني“، “مصمّمون على البحث في مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، فلبنان دولةً وشعبًا يتعرَّضُ لجريمة منظّمة، ما يستدعي منَّا المُساهمة في تصويب البُوْصلة لإنقاذه من هذا المستنقع الخطير وبناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة، وهذا يقع في صُلْب هدف ورسالة “ملتقى التأثير المدني“، فنحنُ في لحظةٍ تاريخيّة دقيقة لا تفيدُ فيها الحُلول الرّماديّة”.
كلمة أبو فرحات
وتحدثت ميّسرة الحوار السيدة جويل ابو فرحات، فقدمت عرضًا مفصّلًا تحت عنوان “تقييم قانون الانتخابات النيابية اللبنانية 44/2017” الذي طُبّق لأول مرة في انتخابات 6 أيار 2018 وأجرت مقارنة ميزت خلالها بين الآراء الايجابية التي اعتبرت القانون عصريا ومتطورا يراعي صحة التمثيل، وتلك التي نزعت عنه هذه الصفات.
وبعدما رأت ان الإيجابيات احتسبت باعتماد القانون “مبدأ النظام النسبي عوضا عن النظام الاكثري” و”قسيمة الاقتراع الرسمية الموحدة” و”ديمومة عمل هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية واستقلاليتها الجزئية عن وزارة الداخلية والبلديات” و”الإكتفاء بتسجيل 200 ناخبا في الخارج في سفارة او قنصلية معينة لكي يفتح له مركز للاقتراع” و”وجود ممثل عن المجتمع المدني من بين أعضاء هيئة الاشراف”. عدّدت السلبيات وجمعتها في مجموعة ملاحظات منها عدم تضمين القانون الكوتا النسائية لتصحيح خلل التمثيل بين النساء والرجال، الإبقاء على سن الـ 21 سنة للاقتراع وعدم خفضه ال 18 سنة، منع إعطاء الحق للعسكريين بالاقتراع، وعدم ضمان “الاستقلالية الكاملة والتامة لهيئة الاشراف على الانتخاب ما حولها الى شاهد زور على ما يجري، طريقة وآليّة تعيين الهيئة وفقًا لمحاصصة طائفيّة وسياسيّة، تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية من دون اية معايير محددة على اكثر من مستوى، اعتماد توزيع المقاعد وفقا للمذاهب والدوائر وهو توزيع غير عادل، إعتبار العتبة الانتخابية في القانون الانتخابي موازية للحاصل الانتخابي ما يؤدي إلى عدم مساواة في قيمة الصوت وقيمة المقعد، عدم المساواة في مهلة الاستقالة المسبقة بين كبار الموظفين، تشريع نقل الناخبين من الخارج ما يعد رشوة انتخابية وشراء اصوات، رفع رسم الترشح الى ثلاثين مليون يؤثّر سلباً على مبدأ تأمين مساواة في فرص الترّشح، ارتفاع سقف الانفاق الانتخابي يسمح بشراء الاصوات منع اعتماد البطاقة الالكترونية الممغنطة في مراكز الميغا سنتر ووقف انشائها، حصر القانون حق الناخب بصوت تفضيلي واحد بعد اجباره باللائحة الكاملة، احتساب النتائج عاموديا بدلا من الافقي سمح بفوز مرشحين حصلوا على 77 صوتا و79 صوتا، طريقة إحتساب الاوراق البيضاء بطريقة اقصت اللوائح الصغيرة. إستمرار العمل بالفرز اليدوي في أقلام الاقتراع، وقف العمل بدائرة المغتربين التي تضم 6 نواب، عدم السماح بإمكانية الاقتراع بواسطة البريد ولم يتطرق القانون إلى تنظيم الاعلام الانتخابي في وسائل التواصل الاجتماعي.”
كلمة المشنوق
وبعدها كانت مداخلة الدّكتور صالح المشنوق تحت عنوان “قانون الانتخاب في لبنان: أي قانون لأي بلد؟“. فاعتبر أنه “لا يوجد قانون مثالي في أي دولة في العالم، لانّ الهدف منه سياسي. ففي بريطانيا مثلا، الهدف هو إبقاء التطرّف خارج المنظومة وإبقاء نظام الحزبين، ولو على حساب “التمثيل الصحيح”، ولذلك علينا أن نتعلم من تجارب الدول الأخرى، لتوسيع دائرة النقاش والحلول، ولكن الأساس أن يتم الاعتراف بالطبيعة التعدّدية للبنان، تحديدا إذا كان الهدف من القانون إرساء المواطنة. ملاحظا ان هناك إجماعا أكاديميا على عدم “تجاهل” الانقسامات الطائفيّة بل مواجهتها بالتوازن بين التمثيل والمواطنة”.
وأضاف المشنوق: “إن قوانين الانتخاب الليبراليّة جدا في دول منقسمة لا تؤدّي بالضرورة إلى تصويت ليبرالي، بل إنّ مفعولها في معظم الأحيان عكسي. ففي انتخابات العراق عام 2005 أدّى قانون نسبي على أساس الدائرة الواحدة بهدف توحيده إلى تصويت 88٪ من العراقيين إلى أحزاب طائفيّة وزادت النعرات. وعليه فإنّ الشكاوى المطروحة علينا والتي تأخد طابعًا طائفيًّا طبيعية، لأن من دونها لا يكون هناك مواطنة او عبور للطوائف بل طغيان أكثري. فنشر مقاعد مسيحية وضعت بعد الطائف في مناطق ذات اغلبيّة مسلمة كانت لأسباب سياسيّة وليست مواطنيّة، وهي تجربة معتمدة في دول عدًة. ولذلك فان الإنتقال باتّجاه نطام سياسي مدني لاطائفي لا يمكن أن يتمّ بقفزة واحدة لأنه يمكن ان نحصد مفعولا عكسيا. وعلينا قبل ذلك إثبات وجود فعلي وجاد لأحزاب عابرة للطوائف”.
وعن الأهداف من اي قانون إنتخاب عصري قال المشنوق “إنَّها تتلخص بوصول وجوه مدنيّة جديدة خارج منظومة السلطة التقليديّة. وترسيخ المواطنة والاعتدال من دون خلق “طغيان طائفي أكثري” والسماح بالتمثيل الليبرالي الصحيح للمجموعات من دون فرض هوّية معيّنة غصبًا من عن المواطن وخلق تنوّع سياسي داخل الطوائف لمنع تطييف القضايا”.
ودعا المشنوق اللبنانيين الذين يشتكون من قانون الانتخاب “الأعوج” إلى “اقتراح بديل منطقي. فما نسمعه عن اقتراح ” لبنان دائرة واحدة مع نسبيّة” لم نشهده سوى في 5 دول فقط، وهو يؤدي إلى عزل الطوائف عن بعضها ويقال فيه بانه أفضل طريقة للتعبير عن الذات الطائفيّة بحريّة. أمّا في لبنان فمفعوله أسوأ من بقيّة الدول التي فيها انقسامات طائفيّة. فهكذا قانون مثلا يسمح بانتخاب “حزب الله” وحركة أمل 15 نائبا من خارج نطاق طائفتهم، لأنهم لا يحتاجون الى مخزون أصواتهم لفوز نوّابهم الـ 27، وذلك بسبب منع المنافسة على هذه المقاعد. ولذلك ليس صدفة ان هذا القانون هو المطروح من قبل مجموعة طائفيّة تعتبر نفسها “اكثريّة”، وهذا ما يؤديّ بالمعنى الأكاديمي إلى طغيان إثني”.
واعتبر المشنوق “انّ القانون الحالي جيّد نسبيا، لأسباب عدة: فهو أدخل مبدا النسبيّة التي سمحت لأقليّات سياسيّة بالتمثّل، واعطى ضمانات ناعمة للمسيحيين عكس القانون الارثوذكسي، وفتح الباب أمام إلغاء الطائفيّة السياسيّة من مجلس النواب، كما نصّ اتفاق الطائف. كما أنّه أثبت أنّه يسمح بانتخاب نواب تقدّميين لا طائفيين من خارج المنظومة التقليديّة. 13 إنتخبوا في الـ 2022، ولو نجحوا في تجربتهم وزادت نسبة الاقتراع في الاغتراب، لكان العدد وصل الى 30- 35، وهي نسبة هائلة في دولة مثل لبنان!
ولكن المشنوق رأى أيضًا أنَّ في القانون المعتمد “مشاكل بنيويّة منها أوَّلًا إمكانيّة خلق حكومات من لون واحد، وثانيًا أنّ الصوت التفضيلي وضع على الدائرة الصغرى ولأجل شخص خلافا لمنطق القانون والأهداف المرجوّة منه، وثالثًا ما يتعلَّق بعدم تضمّنه كوتا نسائيّة. ويمكننا أيضا التفكير في حجز مقاعد للأحزاب العابرة للمناطق والتي لم تحصل على أي مقعد في دائرة محدّدة”.
وانتهى المشنوق الى القول: “في غياب طرح بديل منطقي ومقبول، فإنّ الشكوى من قانون الانتخاب لا معنى لها إذا لم تقترن مباشرة بطرح قانون بديل”.
بعدها كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.
ملتقى التأثير المدني
المكتب الإعلامي
بيروت 22 شباط 2023
كلمة عضو مجلس إدارة ملتقى التأثير المدني المهندس الياس الحويّك
اللّقاء الرَّابع
“قانون الانتِخاب بين عدالة التّمثيل وفاعليّة الحَوْكَمة”
كلمة المهندس الياس الحويّك
عضو مجلس إدارة “ملتقى التأثير المدني”
السيّدات والسّادة،
نلتقي اليوم مرَّة جديدة في اللّقاء الرَّابع من مسار “الحوارات الصّباحيّة” تحت عنوان: “قانون الانتِخاب بين عدالة التّمثيل وفاعليّة الحَوْكَمة”، وقد قرّرنا في “ملتقى التأثير المدني” استِلهام وثيقة الوفاق الوطنيّ (إتّفاق الطّائف) ببنودها الإصلاحيّة وخيارنا العودة إلى الدّستور، لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا.
الوضع المأزوم ماليًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا كارثيّ ولم يعُد يُطاق. وقد يعتبر البعض ما نقوم به خارج السّياق، لكنّنا في “ملتقى التأثير المدني”، مصمّمون على البحث في مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، فلبنان دولةً وشعبًا يتعرَّضُ لجريمة منظّمة، ما يستدعي منَّا المُساهمة في تصويب البُوْصلة لإنقاذه من هذا المستنقع الخطير وبناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة، وهذا يقع في صُلْب هدف ورسالة “ملتقى التأثير المدني”، فنحنُ في لحظةٍ تاريخيّة دقيقة لا تفيدُ فيها الحُلول الرّماديّة.
السيّدات والسّادة،
مسار “الحوارات الصّباحيّة” أردناه مُنْطَلَقُ فِكرٍ تغييريّ إصلاحيّ لِفعلٍ تغييريّ إصلاحيّ، وبعد أن أطللنا في اللّقاء الأوّل على “المادّة 95 من الدّستور” آفاقًا وتعطيلًا، واللّقاء الثّاني على “اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا”، واللّقاء الثّالث حول “نِظام المجلِسَين أي مجلس النوَّاب ومجلس الشيوخ”، نُقارِب اليَوم مسألة تأسيسيّة في أيّ نِظام ديموقراطيّ، وهو “قانون الانتِخاب بين عدالة التّمثيل وفاعليّة الحَوْكَمة” عسى نغوص فيه مواجهةً لكُلّ محاولاتِ نحرِ الديموقراطيّة التي يُعانيها لبنان منذ زمن.
هذا عهدٌ علينا ووعد.
عُشتم وعاش لبنان
بيروت 22–02–2023
كلمة السيّدة جويل أبو فرحات / ميسّرة الحوار
اللّقاء الرّابع
“لبنان وقانون الانتِخابات النيابيَّة: عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة“
تقييم قانون الانتخابات النيابية اللبنانية 44/2017
طُبّق لأول مرة في انتخابات ٦ أيار ٢٠١٨
جويل أبو فرحات
إعتبر قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب الرقم 44 تاريخ 17 حزيران 2017 قانونا عصريا ومتطورا يراعي صحة التمثيل، من خلال اعتماد النسبية في نظام الانتخاب بدلا من النظام الاكثري، الذي اعتُمد في جميع الانتخابات النيابية ال 16 التي شهدها لبنان منذ الاستقلال في العام 1943 وحتى العام 2018.
ان مراجعة مواد القانون تكشف عن حسنات ولكن أيضا عن عيوب وعدم عدالة في اعتماد معايير محددة في تقسيم الدوائر وفي الية الانتخاب واحتساب النتائج.
- ما هي باختصار إيجابيات وسلبيات هذا القانون؟
الإيجابيات
- إعتماد مبدأ النظام النسبي عوضا عن النظام الاكثري
- إعتماد قسيمة الاقتراع الرسمية الموحدة
- ديمومة عمل هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية واستقلاليتها الجزئية عن وزارة الداخلية والبلديات
- الإكتفاء بتسجيل 200 ناخبا في الخارج في سفارة او قنصلية معينة لكي يفتح له مركز للاقتراع
- وجود ممثل عن المجتمع المدني من بين أعضاء هيئة الاشراف
السلبيات
- عدم تضمين القانون الكوتا النسائية لتصحيح خلل التمثيل بين النساء والرجال: لقد طورت منظمة فيفتي فيفتي بالتعاون مع خبراء حقوقيون وانتخابيون اقتراح قانون للكوتا النسائية يضمن حجز ٢٦ مقعد للنساء مع فرض ترشح ٤٠ بالمئة على اللوائح من كلا الجنسين على الأقل. وقد طرح القانون في الجلسة العامة لمجلس النوّاب ولكنه لم يقر واحيل للمناقشة في اللجان المشتركة.
- عدم تضمين القانون إصلاحات أساسية اخرى مثل:
- خفض سن الاقتراع والترشح: الإبقاء على سن ال ٢١ سنة للاقتراع وعدم خفضه ال ١٨ سنة
- إعطاء الحق للعسكريين بالاقتراع
- عدم الاستقلالية الكاملة والتامة لهيئة الاشراف على الانتخاب ما يحد من دورها ومن الهدف من وجودها، وتصبح شاهد زور على ما يجري، ” تعمل بصورة مستقلة وبالتنسيق مع وزير الداخلية “. هذا بالإضافة الى طريقة وآليّة تعيين الهيئة وفقًا لمحاصصة طائفيّة وسياسيّة.
- تقسيم لبنان الى 15 دائرة انتخابية من دون اية معايير محددة ففي دوائر اعتمد القضاء دائرة انتخابية (بعبدا – زحلة – المتن –عكار – البقاع الغربي وراشيا – بعلبك والهرمل) وفي دوائر اخرى دمج قضاءين في دائرة واحدة (صيدا وجزين – صور والزهراني – جبيل وكسروان –عالية والشوف) وفي دوائر اخرى 3 اقضية او أكثر دمجت في دائرة واحدة (زغرتا وبشري والبترون والكورة – النبطية وبنت جببل ومرجعيون وحاصبيا – طرابلس والمنية والضنية) كما تم تقسيم بيروت الى دائرتين بطريقة تعزز الفرز الطائفي. فصل المنية عن الضنية، جعل المنية دائرة انتخابية صغرى فيها مقعد واحد (سني) وفصلها عن الضنية التي تضم مقعدين بغية التحكم أكثر بنتائج مقعد المنية.
- اعتماد توزيع المقاعد وفقا للمذاهب والدوائر كما في القوانين السابقة، وهو توزيع غير عادل فمثلا في دائرة البقاع الغربي وراشيا يوجد مقعد لكل من الموارنة والروم الارثوذكس ولا يوجد مقعد للروم الكاثوليك بالرغم من ان عددهم أكبر (10762 ناخب روم كاثوليك مقابل 10540 ناخب ماروني و 10444 ناخب روم ارثوذكس).
- العتبة الانتخابية في القانون الانتخابي موازية للحاصل الانتخابي، وهي مرتفعة جداً كما وأن العتبة الانتخابية تختلف من دائرة انتخابية الى أخرى (تترواح بين %7 و20% بحسب عدد مقاعد الدائرة) مما يؤدي الى استبعاد لوائح وإبقاء النظام مقفلا وعدم السماح بخلق دينامية تغيير بالحد الأدنى، كما يؤدي ذلك الى عدم مساواة في قيمة الصوت وقيمة المقعد.
- إلزام القضاة الاستقالة قبل سنتين على الاقل من انتهاء ولاية مجلس النواب بينما المدة لسائر موظفي الفئة الاولى هي 6 أشهر، وبالتالي يجب تحقيق المساواة 6 اشهر للجميع او سنتين للجميع.
- في المادة 58 المخصصة للنفقات الانتخابية اعتبار: “مصاريف انتقال الناخبين من الخارج” التي يدفعها المرشح للناخبين للقدوم الى لبنان نفقات انتخابية مشروعة بينما هي رشوة انتخابية وشراء اصوات.
- ارتفاع رسم الترشح الى ثلاثين مليون، وهو مبلغ مرتفع جداًدون اعتماد معايير واضحة وأسباب تشرح اعتماد المبلغ، ويؤثّر سلباً على مبدأ تأمين مساواة في فرص الترّشح.
- سقف الانفاق الانتخابي المرتفع ما يسمح بشراء الاصوات، وهو 750 مليون للمرشح و750 مليون للمرشح في كل لائحة و50 ألف ليرة عن كل ناخب مسجل في الدائرة الانتخابية الكبرى، ما جعل الانفاق المسموح به للمرشح الواحد في بعض الدوائر يصل الى 24.5 مليار ليرة (دائرة الجنوب الثالثة).
- نصت المادة 84 على اعتماد البطاقة الالكترونية الممغنطة، وتم تعليق العمل بهذه المادة في الانتخابات التي جرت في العامين 2018 و2022، وكان الهدف من هذه البطاقة هو تمكين الناخبين من الاقتراع في اي مكان خارج مكان قيدهم الاساسي من خلال مراكز الميغا سنتر، ولكن نص المادة لايتيح انشاء الميغا سنتر، وهذا ما يوجب تعديل هذه المادة لجهة انشاء الميغا سنتر.
- اعطى القانون كل ناخب الحق بصوت تفضيلي واحد يعطيه لاي مرشح في الدائرة الانتخابية الصغرى، اي ان الناخب يقترع للائحة ولكن حقه محصور بمرشح في دائرته الصغرى، وهذا مخالف للمنطق ولعدالة التمثيل. ولكن لحسن التمثيل الطائفي فرضت ذلك.
- في احتساب النتائج، اعتمد القانون (المادة 99) طريقة الاحتساب العامودي، اي دمج كل المرشحين في كل اللوائح المؤهلة في جدول واحد من اعلى نسبة مئوية من الاصوات التفضيلية الى الادنى، ما سمح بفوز مرشحين حصلوا على 77 صوتا و79 صوتا، ولكن اعتماد طريقة الاحتساب الافقي تمنع هذا الامر، اذ يتم ترتيب المرشحين من اعلى نسبة مئوية من الاصوات التفضيلية الى أدنى نسبة ضمن كل لائحة من اللوائح المؤهلة ويفوز الاوائل في كل لائحة ومن ثم الثاني والثالث.
- الأوراق البيضاء، نصت المادة 103 من القانون: ” تعتبر الاوراق التي لم تتضمن اي اقتراع للائحة وللأصوات التفضيلية اوراقا بيضاء تحتسب من ضمن اصوات المقترعين المحتسبين”. ظاهر المادة هو تعزيز فكرة الاعتراض، ولكنها ترفع من عدد المقترعين وبالتالي من الحاصل الانتخابي ما يساهم في اقصاء اللوائح الصغير ويمنعها من الفوز.
- المادة 106 في الفقرة 2 تنص على الفرز الالكتروني في لجان القيد بعد الفرز اليدوي في اقلام الاقتراع، وما حصل في انتخابات 2018 و2022 هو فرز يدوي في اقلام الاقتراع وادخال النتائج في الحاسوب في لجان القيد من دون اعادة الفرز، ما يفترض اما تعديل المادة او تطبيقها.
- استحداث دائرة لغير المقيمين تضم 6 نواب، لم يعمل بهذه المادة في العام 2018 وتم تعديلها في العام 2022 على ان يعاد العمل بها في انتخابات العام 2026، مع التأكيد على ضرورة مشاركة المغتربين الذين يشكلون نسبة 25% من اللبنانيين فان وجود دائرة اغتراب لاتحقّق لهم التمثيل الصحيح، لذا من المقترح ان يعطى غير المقيمين الحق الدائم والثابت بالاقتراع للمرشحين في دوائرهم في لبنان، ما يزيد من اعداد المسجلين.
- والمقترعين مع إعطائهم امكانية الاقتراع بواسطة البريد (في انتخابات العام 2022 تسجل للاقتراع في الخارج 225277 ناخبا اقترع منهم141575 مقترعا).
- لم يتطرق القانون إلى تنظيم الاعلام الانتخابي في وسائل التواصل الاجتماعي.
المراجع:
الدوليّة للمعلومات
الجمعيّة اللّبنانيّة من أجل ديمقراطيّة الإنتخابات LADE
المنظّمة الدّوليّة للتقرير عن الديمقراطية DRI / Democracy Reporting International
ورقة عمل الدكتور صالح المشنوق
اللّقاء الرّابع
“لبنان وقانون الانتِخابات النيابيَّة: عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة“
قانون الانتخاب في لبنان: أي قانون لأي بلد؟
الدّكتور صالح المشنوق
- قانون الانتخاب أهمّ عنوان بالهندسة السياسيّة للانظمة، يخدم أهدافًا سياسيّة جوهريّة في النظام، وعلينا قبل البحث بالقانون تحديد هذه الأهداف بالإطار اللبناني لأنّ قوانين الانتخاب تفصّل على قياس خصوصيات الدول: عدد الطوائف، توزيعها الجغرافي، طبيعة الانقسامات السياسيّة. Pre-existing patterns of social cleavages not aspirational.
- لا يوجد دولة في العالم فيها توافق على قانون الانتخاب، تحديدا لانّ الهدف منها سياسي. في بريطانيا مثلا، الهدف هو إبقاء التطرّف خارج المنظومة وإبقاء نظام الحزبين، ولو على حساب “التمثيل الصحيح”، ١٥٪ من الأصوات تذهب للأحزاب التي صنعت بريكزيت وهي غير ممثلة بالبرلمان. بالتالي ما في قانون مثالي.
- فينا نتعلّم كثيرًا من قوانين الانتخاب في الدول الأخرى، لتوسيع دائرة النقاش والحلول، ولكن الأساس أن يتم الاعتراف بالطبيعة التعدّدية للبنان، تحديدا إذا كان الهدف من القانون إرساء المواطنة. هناك إجماع أكاديمي على عدم “تجاهل” الانقسامات الطائفيّة بل مواجهتها بالتوازن بين التمثيل و المواطنة. نيجيريا واندونيسيا مثلا ادخلوا ((Distribution Requirements في انتخاباتهم الرئاسيّة، في روديزيا في العام ١٩٦١ كان القانون يفرض على البيض انتخاب السود وبالعكس. فيجي كانت تفرض على الناس انتخاب شخص من الطوائف الثلاث غير طائفتهم. في شمال ايرلندا STV لتشجيع الاعتدال والتصويت خارج الطائفة والمنظومة التقليديّة. القانون المفضّل لدى كل اصلاحيي الفكر المدني هو AV، مع انّه في غير أستراليا لا يطبّق إلّا بالكتب. كل هذه القوانين تعترف بأهميّة الهويّة الطوائفيّة وتسعى لمعالجة الموضوع.
- قوانين الانتخاب الليبراليّة جدا في دول منقسمة لا تؤدّي بالضرورة إلى تصويت ليبرالي، بل في معظم الأحيان مفعولها عكسي. مثلا العراق في ٢٠٠٥، قانون نسبي دائرة واحدة بهدف توحيدي، ٨٨٪ صوّتوا لأحزاب طائفيّة، وزادت النعرات، وادّي الى تراجع عن القانون بخلق دوائر في ٢٠١٠. نقاش “البيضة والدجاجة” – أي النفوس او النصوص – معقّد، بس في ادلّة عدّة على من اتى قبل. على الأكاديميين الليبراليين أن يعوا انَّ قيمهم الشخصيّة لا يُمكِن أن تُفرَض على مجتمع منقسم.
- هناك إعتقاد في الدول التي فيها طائفيّة سياسيّة وحصلت فيها حروب أنّه من دون طائفيّة سياسيّة لا تحصل حروب طائفيّة. ولكن هناك أمثلة على دول حصلت فيها حروب بسبب عدم وجود طائفيّة سياسيّة (أو تشاركيّة) مثلا شمال إيرلندا او فيجي. نفس المنطق يسري على قوانين الانتخاب.
- ليست كلّ الشكاوى التي تأخد طابعًا طائفيًّا بالدول المنقسمة هي غير ليبراليّة ورجعيّة. هنا التعبير هو التبادليّة (Reciprocity) ومن دونها لا يكون هناك مواطنة او عبور للطوائف بل طغيان أكثري. مثلا الشكوى السابقة من كون Ratio مسيحي مسلم ٧:١، تحديدا ان مقاعد مسيحية وضعت بعد الطائف في مناطق ذات اغلبيّة مسلمة لاسباب سياسيّة مش مواطنيّة. (Over-representation of groups) موجودة بعدّة دول و لازم و لا تحتمل “تربيح جميلة”.
- إذا قانون لا يناسب ذوقنا الفكري او المصلحة الانتخابيّة، ملا يصبح غير عادل وغير عصري. هذه التوصيفات لها معايير علميّة. مثلا قانون الستيّن كان غير عصري، لان الدوائر فيها عدّة مقاعد على النظام الأكثري الذي ألغي في العالم ١٩٦٨. أمّا اعتماد دوائر أكبر من دوائر بأكثر من مرّتين بعدد النوّاب يعتبر غير عادل، الخ.
- التطوّر باتّجاه نطام سياسي مدني لاطائفي وقانون انتخاب كذلك هدف مشروع بالكامل ولكن عليه أن يتدرّج الى التشاركيّة الليبراليّة و من ثم نحو نظام اكثر تطوّرا. القفزة مرّة واحدة تنتج مفعول عكسيا. مثلا يجب إثبات وجود فعلي وجاد لأحزاب عابرة للطوائف في أنظمة انتخابيّة شبه محافظة (كندا مثلا) قبل الذهاب إلى المرحلة الثانية.
أهداف قانون الانتخاب:
- تشجيع وصول وجوه مدنيّة جديدة خارج منظومة السلطة التقليديّة.
- ترسيخ المواطنة والاعتدال من دون خلق “طغيان طائفي أكثري”.
- السماح بالتمثيل الليبرالي الصحيح للمجموعات من دون فرض هوّية معيّنة غصبًا من عن المواطن.
- خلق تنوّع سياسي داخل الطوائف لمنع تطييف القضايا.
- كلّ اللبنانيين يشتكون من قانون الانتخاب “الأعوج” ولكن فقط القليل منهم يفكّر في بديل منطقي. منذ ٤ سنوات لم أسمع بأي طرح جدّي لتغيير قانون الانتخاب.
- أكثر قانون اسمعه يطرح في أوساط المجموعات التقدّميّة هو لبنان دائرة واحدة مع نسبيّة، و هذا غريب لي كباحث لانه معتمد في ٥ دول فقط، كما انّه اكاديميا يطرح من قبل المنظّرين المحافظين الذين يسعون الى عزل الطوائف عن بعضها و دعم استقلاليّتها (مثل ليجبهارت “Voluntary Apartheid“). ويوصف القانون بانّه أفضل طريقة للتعبير عن الذات الطائفيّة بحريّة. اما في لبنان فمفعوله أسوأ من بقيّة الدول التي فيها انقسامات طائفيّة: يسمح هكذا قانون بانتخاب حزب الله وحركة أمل ل١٥ نائب خارج نطاق طائفتهم، لان لا يحتاجون الى مخزون أصواتهم لفوز نوّابهم ال٢٧، وذلك بسبب غياب (او منع) المنافسة على هذه المقاعد. بينما كل منظّري التقريب بين الطوائف (سارتوري / هوروويتز) يرفضون القانون ويعتبرونه صيغة لترسيخ الطائفيّة (Polarized Pluralism) على حساب المواطنة والهويات المناطقيّة. لا شك ابدا بنوايا التقدّميّة للمنظّرين (قيميا ومعنويا معن حق بس علميا لا) ولكن في الواقع اللبناني ليس صدفة ان هذا القانون هو المطروح من قبل مجموعة طائفيّة تعتبر نفسها “اكثريّة”، وهذا ما يؤديّ بالمعنى الأكاديمي إلى طغيان إثني.
- القانون الحالي جيّد (نسبيا!)، لثلاث أسباب: (١) لأنّه أدخل مبدا النسبيّة التي سمحت لأقليّات سياسيّة بالتمثّل، (٢) لانّه اعطى ضمانات ناعمة للطوائف تحديدا المسيحيين (عكس الارثوذكسي) و (٣) لأنّه (عكس الشائع) يفتح الباب امام الغاء الطائفيّة السياسيّة من مجلس النواب (كما نص الطائف) لانّها أصبحت لزوم ما لا يلزم.
- كما أنّه أثبت أنّه يسمح بانتخاب نواب تقدّميين لا طائفيين من خارج المنظومة التقليديّة. ١٣ إنتخبوا في ال٢٠٢٢، ولو نجحوا في تجربتهم وزادت نسبة الاقتراع في الاغتراب، لكان العدد وصل الى ٣٠-٣٥ في ٢٠٢٦، وهي نسبة هائلة في دولة مثل لبنان.
لكن فيه ٣ مشاكل بنيويّة: الأول إنّ هدفه خلق تنوّع داخل الطوائف،
(De-sectarianisation of issues)، وإمكانيّة خلق حكومات لون واحد. لكن هناك مناطق ذات أغلبيّة طائفيّة مغلقة على التنافس (٩٣٪ لتحالف واحد) وبالتالي هذا نوع من تزوير لنتائج الانتخابات.
المشكلة الثانية أنّ الصوت التفضيلي وضع على الدائرة الصغرى خلافا لمنطق القانون والأهداف المرجوّة منه، لأجل شخص، وهذا لا يجوز.
المشكلة الثالثة متعلّقة بعدم تضمّنه كوتا نسائيّة، ما يضع لبنان في مصافّ الدول الرجعيّة حتّى ضمن إطاره الجغرافي أي الشرق الأوسط. لذا علينا تعديله بحيث يتضمّن كوتا تصاعديّة-تنازليّة على ٦ دورات انتخابيّة. يمكننا أيضا التفكير في حجز مقاعد للأحزاب العابرة للمناطق و التي لم تحصل على أي مقعد في دائرة محدّدة(Compensation Vote) ، كحافز للأحزاب الوطنيّة.
في غياب طرح بديل الآن منطقي ومقبول، وبما أنّ القانون عمره سنتين والدول لا تقرّ قانونا جديدا لكلّ دورة (مثل الدستور والنظام)، فان الحيث عن نظام انتخابي بديل يأخذنا الى طروحات أكثر طائفيّة. كما أنّ الشكوى من قانون الانتخاب لا معنى لها إذا لم تقرن مباشرة بطرح قانون بديل، مع شرح علمي و جديّ لكيفيّة تحقيق الأهداف المرجوّة من قبل القانون البديل.
أخيرا، لماذا تنتصر “السلطة”؟
- زبائنيّة في الدولة.
- المال السياسي.
- التنظيم (ليس الأحزاب الطائفيّة)
- البعد الطائفي.
- نسبة التصويت في الاغتراب (١٤٪)
اللقاء الخامس 18-05-2023
“لبنان بين المواطنة وإدارة التعددية: السِّياق والإشكاليَّات“
لمحات من اللّقاء الخامس من مسار الحوارات الصّباحيّة “لبنان بين المواطنة وإدارة التعددية: السِّياق والإشكاليَّات”
لمشاهدة الحلقة كاملة
اللقاء الخامس من مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية أتى تحت عنوان “لبنان بين المواطنة وإدارة التعددية: السِّياق والإشكاليَّات“.
في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن ملتقى التأثير المدني / عشر سنوات القضيَّة لبنان والإنسان، ومن ثمَّ وثائقي استعراضي للِّقاء الرابع من “الحوارات الصباحية” تحت عنوان:” لبنان وقانون الانتِخابات النيابيَّة: عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة“
بيان صحفي
ملتقى التأثير المدني يُواصِل مسلسل “الحوارات الصباحية” الشهرية:
في اللقاء الخامس “لبنان بين المواطنة وإدارة التعدّديّة: السّياق والإشكاليّات”
جبرائيل: مقتنعون بتصويب البُوْصلة لإنقاذ لبنان من هذا المستنقع الخطير
هاني: لا بديل سوى بقيام الدولة، وتعزيزها بالوسائل التي منعها السياسيون
عويس: تنوعنا يجب أن يكون مصدر احتفاء وغنى، وليس مصدر خوف دائم
واصل ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم مسلسل “الحوارات الصباحية” الشهرية بانعقاد اللقاء الخامس في فندق الجفينور – روتانا الحمرا في حضور نخبة من الشخصيات الأكاديمية والادارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والعسكريين المتقاعدين والإعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الملتقى.
اللّقاء الخامس عقد تحت عنوان “لبنان بين المواطنة وإدارة التعدّديّة: السّياق والإشكاليّات” مستلهمًا وثيقة الوفاق الوطنيّ (إتّفاق الطّائف) ببنودها الإصلاحيّة وخيار العودة إلى الدّستور، لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا.
وقائع اللقاء
في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن “ملتقى التأثير المدني” / عشر سنوات القضيَّة لبنان والإنسان، ومن ثمَّ وثائقي استعراضي للِّقاء الرابع من “الحوارات الصباحية” تحت عنوان: “لبنان وقانون الانتِخابات النيابيَّة: عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة”
كلمة جبرائيل
بعدها كانت كلمة عضو مجلس إدارة الملتقى المهندس إيلي جبرائيل الذي لفت إلى أن ملتقى التأثير المدني “قرر النّضال من أجل إعادة الاعتِبار لهويّة المواطنة، والتي نشأت منذ قيام دولة لبنان الكبير، ووردت في روحيّة دستوره في العام 1926”. واضاف: “نحن مقتنعون بالعمل التّراكُمي الهادئ والهادف، مصوّبين البُوْصلة لإنقاذ لبنان من هذا المستنقع الخطير وبناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة، وهذا يقع في صُلْب هدف ورسالة ملتقى التأثير المدني، فنحنُ في لحظةٍ تاريخيّة دقيقة لا تفيدُ فيها الحُلول الرّماديّة”.
كلمة هاني
وتحدثت ميسرة الحوار الباحثة شادن هاني التي قالت أن هناك “أبعاد اجتماعية دينية وسياسية تنقُض مفهوم المواطنة في لبنان. فحين “نقولُ مواطنة نقول وطن، فالإنسان بحاجة لوطن لكي يآذار المواطنة، لذلك توجد علاقةً بين الإثنين مبنيةُ على ثقافة تاريخية اجتماعية سياسية ودينية”. ولفتت إلى أن “جغرافيّةُ لبنان لم تحدَّد إلا بعد الحرب العالمية الأولى وإنشاء لبنان الكبير عام 1920”. وأشارت إلى أنه، “ومنذ الاستقلال ومن بعده ميثاق 1943، برزت فرص وكانت محاولات لبناء دولة حقيقية، لكن لم توضع ولم تآذار قواعد أو احكام ترعى وحدة الوطن وشعبه وترسّخ هذا الكيان وتثبّت ركائزه، كما أن السياسيين الذين تولوا شؤون الحكم لم يعطوا المواطن حقوقه بالكامل. كما ان “المواطن لم يؤدّي مسؤولياته بشكل كامل”. ولذلك فإن “عدم التزام الدولة القيام بما يتطلبه وجودها من واجبات أفسح المجال للزعامات المحلية – الإقطاعية والدينية بالنمو والنفوذ حيث شعر المواطن بأن الزعيم والاقطاعي والسياسي ورجل الدين هو الضمان الوحيد له في ظل تقاعس الدولة، وهذا ما كرّس الطائفية والمذهبية”.
وتحدثت هاني عن “الامتيازات المؤقّتة” فلفتت إلى أن “في لبنان 18 طائفة ومذهب تشكل تعددية دينية حفظ الدستور حقوق كل منها. وأعطى الدستور امتيازاً مؤقتًا وأصبح دائما عند توزيع السلطات على الطوائف”. وهي التي دخلت في “صراع على نفوذ سياسي، لجأت الى الإستقواء بالغير من خارج لبنان إلى حدود الدخول في حروب محلية”. وأصبح لبنان “ساحة للصراعات الاقليمية”. وهذا “ما زاد من الانشقاقات والانفراد في ظل التعددية الدينية الموجودة في لبنان”. وما اختراع كلمة “التعايش المشترك بين الطوائف إلا ذراً للرماد في العيون”.
وبعدما انتقدت هاني فقدان “رؤية واحدة للبنان” إعتبرت أنّ “التعددية التي تعتبر مصدر إثراء وغنى في الكثير من البلدان أصبحت في تكوينها الديني في لبنان مصدر العلل والتناقضات”. وإذ رأت “أنّ الوضع معقدّ”، قالت “إن علينا للخروج مما نحن فيه” ان نبدأ من اقامة “نظام سياسي ديمقراطي”، و”اعتماد القانون المرجع الوحيد في النزاعات والخلافات وحماية الحقوق بالتساوي، وإحترام الاختلافات الثقافية والدينية والأعراف بين الفئات.”
وانتهت هاني إلى التأكيد “أن لا بديل سوى بقيام الدولة”. ولكن علينا “تعزيزها بكافة الوسائل الثقافية والتربوية والاعلامية والاجتماعية عبر التكاتف والوحدة التي منعها السياسيون عن شعب لديه من الوعي والغنى والنضج الكاف لينهض ويبني وطن. والدواء الشافي فصل الدين عن الدولة والإبقاء على خصوصية الأديان والأفراد في عبادة الله”.
كلمة عويس
وبعدها كانت مداخلة الدكتور مكرم عويس فاعتبر أن الحديث عن “المواطنة اللبنانية والتنوع” حساس ومهم “لأنه لا يحدد كيف سنتواصل كلبنانيين مع بعضنا البعض فحسب، إنّما يحدد أيضاً كيف سنعمل معاً من أجل بناء لبنان المستقبل”. وقسًم عويس مداخلته الى ثلاثة أجزاء: الأول شكل طرحا “لواقع الحال الذي نحن فيه وكيف نتعامل نحن كمواطنين مع دولتنا ومع بعضنا البعض”. وتناول الجزء الثاني “ماهية الخيارات السياسية المتاحة لنا لمعالجة مسألة المواطنة والتنوع من وجهة نظر سياسية”. أما الجزء الثالث والأخير فقد تناول التطلعات المستقبلية و”اقترح أفكاراً حول كيفية تعزيز المواطنة وتعميق احترام التنوع في لبنان”.
واعتبر عويس أنّه وعلى الرغم من التدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية “الذي عطل حياتنا السياسية أحياناً على مدى العقود الماضية، لا يزال اللبنانيون متأثرين بشكل كبير بعدد من العوامل الداخلية ومنها المتصل بملفات حرب 1975- 1990 التي لم تُحل بعد”. والتي تشمل بشكل بارز “مصير 17000 شخص مفقود ومختفي قسراً”، وعدم “تحقيق مصالحة فعالة على مستوى الشعب”، والعجز عن “الاتفاق على منهج تاريخ مشترك منذ نهاية الحرب عام 1990″ والتقصير في”تنفيذ دستورنا المعدل بعد الطائف”. عدا عن الخوف المستمر لدى المواطنين من أن يكونوا غير محميين من قبل الدولة، خاصة إن كانوا يعيشون في مناطق يشكلون فيها الأقلية، أو حيث قد تحدث اشتباكات محتملة بين مجموعتين أو أكثر”. وهذا ما “شكل الحركات الديموغرافية في البلاد وأثر أيضاً على محدودية عودة المهجّرين إلى مناطقهم”.
ولفت عويس إلى أنه بدل “تبديد مشاعر الخوف والتهديد والاغتراب والإحباط تجاه الدولة”، قد “تم تعزيزها من خلال نظام انتخابي لا يزال منحازا بشكل كبير لصالح هؤلاء القادة والأحزاب”. وتحدث عن “فشل نظامنا التعليمي، منذ الطائف، في تعزيز المعرفة والفهم والاحترام لخلفيات المواطنين الآخرين، والهويات والجماعات الدينية، والاحتياجات الخاصة، والجنس، والعرق، والإثنية، والتوجه الجنسي، وما إلى ذلك”.
وبعدما تحدث عويس عن مجموعة من الظواهر السلبية، اشار الى بعض الخيارات التي يمكن اللجوء اليها وحددها على مستويات عدة: اولها “تعليم حقوق الإنسان في جميع المدارس في ضوء مناهج واضحة ومحددة جداً”. وثانيها “مراجعة التربية المدنية وتسليط الضوء على كيفية عمل النظام اللبناني”. وثالثها “المعرفة النقدية بالتاريخ من خلال إدخال واعتماد مناهج متفق عليها”. ورابعها “تعزيز نموذج يمكن أن يساعد في بناء دولة تحترم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تضم لبنان”. وخامسها “إعطاء المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور”. وسادسها “جعل استقلال القضاء أولوية قصوى، وإخراجه من سيطرة وزارة العدل مع توفير الحماية اللازمة للقضاة”. وسابعها “تشكيل لجنة وطنية لوضع قانون جديد للأحوال الشخصيّة المدنية”. وثامنها “إصلاح العملية الانتخابية لإخراجها من تقسيم الدوائر الصغيرة والتي تروج لها الأحزاب الطائفية وقياداتها”. وتاسعها “وضع قانون جديد للأحزاب السياسية، حيث يحظر على الأحزاب تلقي التمويل من غير اللبنانيين.” وعاشرها “التحرك السريع نحو الحكومة الإلكترونية لمعظم المعاملات”.
وانتهى عويس إلى الدعوة لـ “إطلاق ورشة عمل كبيرة وإتمامها بطريقة شاملة تأخذ في الاعتبار تنوع المجتمع اللبناني”. لفتا الى “أن تنوعنا يجب أن يكون مصدر احتفاء، وليس مصدر خوف دائم يقسّم المواطنين”. إذ في النهاية “لن يتمكن اللبنانيون من بناء لبنان على أرض صلبة وسيبقون ضعفاء أمام الأطماع والتهديدات الداخلية والخارجية إن لم يسعوا إلى تعميق حس المواطنة”. وبالرغم من “أن الأمر قد يستغرق الوقت والمثابرة والمجهود إلا أن التقدم ممكن، ليكون لدينا لبنان متنوع، يحتضن مواطنين يشعرون بمواطنيتهم وبأنهم معنيون في شؤونه”.
وختاما كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.
ملتقى التأثير المدني
المكتب الإعلامي
بيروت في 18 ايّار 2023
كلمة عضو مجلس إدارة ملتقى التأثير المدني المهندس إيلي جبرايل
اللّقاء الخامس
“لبنان بين المواطنة وإدارة التعدّديّة: السّياق والإشكاليّات”
كلمة المهندس إيلي جبرايل
عضو الهيئة الإداريّة في “ملتقى التأثير المدني”
السيّدات والسّادة،
نلتقي اليوم مرَّة جديدة في اللّقاء الخامس من مسار “الحوارات الصّباحيّة” تحت عنوان: “لبنان بين المواطنة وإدارة التعدّديّة: السّياق والإشكاليّات”، وقد قرّرنا في “ملتقى التأثير المدني” النّضال من أجل إعادة الاعتِبار لهويّة المواطنة، والتي نشأت منذ قيام دولة لبنان الكبير، ووردت في روحيّة دستوره في العام 1926، لكنّ ظروفًا كارثيّة وخيارات إنتحاريّة منعت ذلك حتّى الآن.
الوضع المأزوم ماليًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا كارثيّ ولم يعُد يُطاق. لكنّنا في “ملتقى التأثير المدني”، مصمّمون على البحث في مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، وبالتّالي نحن مقتنعون بالعمل التّراكُمي الهادئ والهادف، مصوّبين البُوْصلة لإنقاذ لبنان من هذا المستنقع الخطير وبناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة، وهذا يقع في صُلْب هدف ورسالة “ملتقى التأثير المدني”، فنحنُ في لحظةٍ تاريخيّة دقيقة لا تفيدُ فيها الحُلول الرّماديّة.
السيّدات والسّادة،
مسار “الحوارات الصّباحيّة” أردناه مُنْطَلَقُ فِكرٍ تغييريّ إصلاحيّ لِفعلٍ تغييريّ إصلاحيّ، وبعد أن أطللنا في اللّقاء الأوّل على “المادّة 95 من الدّستور” آفاقًا وتعطيلًا، واللّقاء الثّاني على “اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا”، واللّقاء الثّالث حول “نِظام المجلِسَين أي مجلس النوَّاب ومجلس الشيوخ”، واللّقاء الرّابع حول “قانون الانتِخابات النيابيَّة بين عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة“ نُقارِب اليَوم مسألة مهمّة حول مفهوم المواطنة ربطًا بإدارة التعدّديّة عسى نغوص فيه مواجهةً لكُلّ محاولاتِ نحرِ الشعب اللّبناني وتفتيته على حدٍّ سواء.
هذا عهدٌ علينا ووعد.
عُشتم وعاش لبنان
بيروت 18-05-2023
كلمة الباحثة شادن هاني/ ميسّرة الحوار
اللّقاء الخامس
“ لبنان بين المواطنة وإدارة التعدّديّة: السّياق والإشكاليّات “
المواطنة وإدارة التعدديّة
الباحثة شادن هاني
الخميس 18/05/2023
فندق جفينور روتانا – الحمرا، قاعة: Room B / Level C.
إنّ التعارف والتعريف لا يَشْمل الإسم فقط، بل والانتماء الجغرافي، لدلالات خاصّة لها أبعاد اجتماعية دينية وسياسية تنقُض مفهوم المواطنة على الأقل في لبنان.
أثرت هذا الموضوع لكي أقول إنّ المواطنة تبدأ فينا وننقُضها كل يوم من خلال سلوكيات لا ننتبه لها (أمثلة: ذكر مكان السكن، الرموز، الشراء، حتى رنّة الهاتف أحيانًا…). لكن حين نقولُ مواطنة نقول وطن، فالإنسان بحاجة لوطن لكي يآذار المواطنة، لذلك توجد علاقةً بين الإثنين مبنيةُ على ثقافة تاريخية اجتماعية سياسية ودينية.
التاريخُ يقول لنا بأنّ الفينيقيين كانوا يقطنون هذه الأرض وجاءت عدّةَ فتوحاتٍ من الفُرس والمصريين والحثيين والرومان والصليبيين والأوروبيين وآخرَهم كانت القبائل العربية. هذا الخليط كان ليخلِق شعبًا واحداً ولكن لم يحدث، وخُلق نتيجتَه الواقع التعددي.
التعدُّديّة الأعمق
ولكن التعدُّديّة الأعمق كانت الطائفية، ويذهب الكثيرون من المفكرين إلى تصنيفها بالعلّة الأساسية. فجغرافيّةُ لبنان لم تحدَّد إلا بعد الحرب العالمية الأولى وإنشاء لبنان الكبير عام 1920، ومنذ الاستقلال ومعاهدة رياض الصلح وبشارة الخوري عام 1943، برزت فرص وكانت محاولات لبناء دولة حقيقية، لكن لم توضع ولم تآذار قواعد أو احكام ترعى وحدة الوطن وشعبه وترسّخ هذا الكيان وتثبّت ركائزه، كما أن السياسيين الذين تولوا شؤون الحكم لم يعطوا المواطن حقوقه بالكامل. فالحق في التعليم كان يقتصر على من لديه امكانيات مادية، كونه مِلك القطاع الخاص والتعليم الرسمي لم يكن للجميع. كذلك الحق في الطبابة، فالمستشفيات الحكومية لم تكن قادرة ومجهزة لتستوعب المرضى من ناحية العدد ونوعية الطبابة. الحق في العمل- الحق في المساواة أمام القضاء- الحق في ضمان الشيخوخة- الحق في حرية التعبير.
جميع هذه الحقوق وغيرها لم يتم تأمينها من قبل الدولة بشكل يؤمن للمواطنين حياة كريمة وعادلة. ومن ناحية أخرى لم يكن المواطن يؤدّي مسؤولياته بشكل كامل. الولاء لم يكن حصريًّا للوطن، الضريبة والرسوم، إحترام حرية الآخرين، خدمة العلم (الدفاع عن الوطن)، الإلتزام بالقانون والحفاظ عليه، إحترام الإختلافات بين فئات المواطنين، القيم الوطنية لم تكن جميعَها أولويّة لدى المواطن.
إنّ عدم التزام الدولة القيام بما يتطلبه وجودها من واجبات أفسح المجال للزعامات المحلية -الإقطاعية والدينية- بالنمو والنفوذ حيث شعر المواطن بأن الزعيم والاقطاعي والسياسي ورجل الدين يستطع أن يؤمن له الأمان والعمل والحماية والنفوذ، وهو الضمان الوحيد له في ظل تقاعس الدولة. هذا ما كرّس الطائفية والمذهبية، وانكفأت كل طائفة ضمن خصوصياتها ومصالحها بعيداً عن الإنفتاح على الغير.
الامتيازات المؤقّتة
في لبنان 18 طائفة ومذهب تشكل تعددية دينية حفظ الدستور حقوق كل منها. وأعطى الدستور امتيازاً مؤقتًا وأصبح دائم وهو توزيع السلطات على الطوائف الكبرى. وأصبحت الطوائف الأقل عدداً محرومة من المشاركة في السلطة كأنها من درجة أدنى من غيرها وأصبح بالتالي المواطنون فئات متعددة. وبهدف الاستمرار والحفاظ على حقوق القائمين على إدارة الطوائف، كرّس هولاء المصطلح اللبناني “موازين قوى” التي منعت وتمنعّت من إنتاج كتاب تاريخ موّحد يعزز مفهوم المواطنة وما يترتب عليها من واجبات وموجبات، وليكون هذا التاريخ الركيزة الأساسية في العقد الاجتماعي الذي يحدد، أول شيء وأهم شيء، هوية هذا الكيان والرؤية التي تؤهل لبناء وطن ومن ثم دولة ومن ثم رسالة.
قد كان لبنان عام 1943 (مع عهد رياض الصلح وبشارة الخوري) ذو وجه عربي، والآن أصبح (عربي الانتماء) وأصبحت الطوائف، في صراع على نفوذ سياسي، تلجأ الى الإستقواء بالغير من خارج لبنان إلى حدود الدخول في حروب محلية. وأصبح لبنان ساحة للصراعات الاقليمية. وهذا مما زاد من الانشقاقات والانفراد في ظل التعددية الدينية الموجودة في لبنان، وما اختراع كلمة (التعايش المشترك بين الطوائف) إلا ذراً للرماد في العيون.
ليس هنالك رؤية واحدة للبنان، ففي اتفاق الطائف إتفق الجميع على أنّ لبنان كيان نهائي بعدما كانت بعض المطالبات السياسية تدعو إلى اندماجه مع سوريا وآخرون يريدونه ضمن الوحدة العربية، والبعض يعمل على وحدة إسلامية وآخرون يقترحون الفدرالية والعولمة..
إنّ التعددية والتي تعتبر مصدر اثراء اصبحت في تكوينها الديني مصدر العلل والتناقضات، حتى لم يعد بالإمكان إصدار قانون للزواج المدني وذهب البعض إلى تكفير من يقوم به، لا ولا يرضى به رجال الدين لأي طائفة إنتموا حفاظًا على امتيازاتهم.
تراكم الأخطاء وعدم القيام بالإصلاحات أوصلنا الى هذه الحال. الحريات لم تعد مصانة ويتدخل السياسيون في الحريات الصحافية والاعلامية، القضاء لم يعد مستقلا أو عادلأ أو رادعا، الفرز الديمغرافي يمنع التقارب، قوانين الأحوال الشخصية وحقوق المرأة، قانون الانتخابات أيضًا له دور أساسي في تعزيز المواطنة، الفساد، وأخيراً ضبط الحدود …. كلها اشكاليات أمام دولة ضعيفة وشعب ضائع (الاشكاليات).
نقول أن الوضع معقدّ أو من أين نبدأ؟
شروط إدارة التعدّديّة
لبنان لا يعاني وحده من موضوع التعددية. أكثر تعدديّة دينية موجودة في الهند وأكثر البلاد تعدديّة ثقافية وعرقية في الولايات المتحدّة الأميركية (يعني لبنان مش موضوع موجود بلبنان فقط).
ولكن في البلاد المتطورة، التعددية هي مصدر غنى، تساعد في تطور المجتمعات وتطوير قيم مفاهمية مثل قبول واحترام الآخر والتعاون معه لإبتكار نُظم جديدة تراعي التنوع
وفي البلاد النامية، إذا لم تقارب بجديّة تصبح وصفة للأزمات، ودعوة لإضعاف الدولة لصالح الطغمة السياسية والدينية.
· من الشروط الأساسيّة لإدارة التعدديّة:
– نظام سياسي ديمقراطي، اعتماد القانون المرجع الوحيد في النزاعات والخلافات وحماية الحقوق بالتساوي، إحترام الاختلافات الثقافية والدينية والأعراف بين الفئات، من بين غيرها ..
من هُنا علينا العمل، فالمواطنة تبدأ من الإنسان، وهي لا زالت موجودة على الأقل لدى البعض الذي شارك في الإنتخابات مؤخراً وأيضًا لدى الجاليات اللبنانية المصرّة أن لا بديل سوى بقيام الدولة. ولكن علينا تعزيزها بكافة الوسائل الثقافية والتربوية والإعلامية والإجتماعية عبر التكاتف والوحدة التي منعها السياسيون عن شعب لديه من الوعي والغنى والنضج الكاف لينهض ويبني وطن. والدواء الشافي فصل الدين عن الدولة والإبقاء على خصوصية الأديان والأفراد في عبادة الله.
ورقة عمل الدكتور مكرم عويس
اللّقاء الخامس
“ لبنان بين المواطنة وإدارة التعدّديّة: السّياق والإشكاليّات“
المواطنة اللبنانية والتنوع
الدّكتور مكرم عويس
الخميس 18/05/2023
فندق جفينور روتانا – الحمرا، قاعة: Room B / Level C.
مقدمة
شكراً لك السيدة شادن هاني على مقدمتك القيّمة، ويسرني أن أتواجد معك اليوم في هذه الجلسة، وصباح الخير للجميع. اسمحوا لي أن أشكر أولاً ملتقى التأثير المدني (CIH) على دعوتي إلى هذا اللّقاء الحِواريّ. إنه لشرف أن أكون معكم هذا الصباح وأشارككم بعض الأفكار حول موضوع المواطنة والتنوع. هذا الموضوع حساس ومهم لأنه لا يحدد كيف سنتواصل كلبنانيين مع بعضنا البعض فحسب، إنّما يحدد أيضاً كيف سنعمل معاً من أجل بناء لبنان المستقبل. لبنان الذي نطمح إليه كمواطنين. مداخلتي اليوم ستتكون من ثلاثة أجزاء، الجزء الأول منه يطرح واقع الحال الذي نحن فيه وكيف نتعامل نحن كمواطنين مع دولتنا ومع بعضنا البعض. والجزء الثاني يتناول ماهية الخيارات السياسية المتاحة لنا لمعالجة مسألة المواطنة والتنوع من وجهة نظر سياسية. أما الجزء الثالث والأخير فيقدم التطلعات المستقبلية ويقترح أفكاراً حول كيفية تعزيز المواطنة وتعميق احترام التنوع في لبنان. وأتطلع كثيراً إلى النّقاش وإلى أسئلتكم.
أين نقف كمواطنين وكيف نرتبط بدولتنا؟
رغم أنّ الأزمات العميقة التي شهدناها على مدى السنوات الثلاث الماضية أدت إلى دوامة اقتصادية حادة، وانهيار مالي ومصرفي، وشلل في مؤسسات الدولة، إلا أنّ جوهر المشكلة أولاً وقبل أي شيء هو سياسيّ في طبيعته. ترتبط أزمة الحكم التي نعاني منها إلى حد كبير بعوامل أرى بأنّها متجذرة، عميقة ومهملة، أي عوامل لم تعالج منذ سنوات طويلة: كيف نعرّف انتماءنا إلى لبنان وعلاقتنا بالآخرين؟ وترتبط هذه الأزمات ارتباطا مباشرا بالبعدين اللذين يشكلان موضوع نقاشنا هذا الصباح، ألا وهما المواطنة واحترام التنوع، أو ما يسمى الإدماج المجتمعي.
على الرغم من التدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية الذي عطل حياتنا السياسية أحياناً على مدى العقود الماضية، لا يزال اللبنانيون متأثرين بشكل كبير بعدد من العوامل الداخلية التي سأحاول إيجازها بالتالي:
– أولها ملفات حرب 1975- 1990 التي لم تُحل بعد، والتي تشمل بشكل بارز مصير 17000 شخص مفقود ومختفي قصراً، عدم وجود مصالحة فعالة على مستوى الشعب، عدم الاتفاق على منهج تاريخ مشترك منذ نهاية الحرب في عام 1990، وعدم تنفيذ دستورنا المعدل بعد الطائف.
ما ذكرته واضح للعديد من المحللين والمراقبين.
إنّما لا شك أنّ الأقل حديثاً عنه أو تداولاً فيه، هو الخوف المستمر لدى المواطنين من أن يكونوا غير محميين من قبل الدولة، خاصة إن كانوا يعيشون في مناطق يشكلون فيها الأقلية، أو حيث قد تحدث اشتباكات محتملة بين مجموعتين أو أكثر.
تجدر الإشارة إلى أنّ شعور الخوف الذي نشأت بذوره في زمن الحرب، توارثه الجيل الجديد من دون وعيٍ أو إدراك. وهذا ما شكل الحركات الديموغرافية في البلاد وأثر أيضاً على عودة المهجّرين إلى مناطقهم، والتي لا تزال محدودة. كما أنها تتواصل في تشكيل خيارات الأجيال الشابة بشأن مكان إقامتهم أو حتى مكان تنقلاتهم في جميع أنحاء البلاد. [أنا وعائلتي نحرص على زيارة جميع أنحاء لبنان. يحزنني عندما أخبر أحدهم أننا ذهبنا إلى مكان ما وهذا الشخص يقول: من الخطر الذهاب إلى هناك!]
يرتبط بشعور الخوف هذا، بشعور بالتهديد أيضاً، وذلك بسبب غياب دولة قادرة على وضع ضوابط على أسلوب حكم قادة الميليشيات الذين تحولوا إلى السياسيين الذين يديرون شؤون البلاد منذ اتفاق الطائف. ينبع الشعور بالتهديد أيضا من كيفية تمكن هؤلاء السياسيين، أو أي من مؤيديهم المقربين، من التفلّت من كل محاولات المحاسبة. فحالة التفلّت هذه، أكثر ما نراها عندما يتم تحدي سلطة السياسيين، مكانتهم أو حتى مقاعدهم. إن تحدّيهم للقضاء أو وسائل الإعلام أو القوات الأمنيّة الشرعيّة باستخدام الخطاب الطائفي والمثير للانقسام والعمل المسلح في الكثير من الأحيان، بما في ذلك العنف والاغتيالات لتفادي أي مساءلة، يعني أن الدولة لم تكن قادرة على معاملة جميع المواطنين على قدم المساواة. وعلى هذا النحو، خلقت هذه الحالة شعورا دائماً بالتهديد والاغتراب بين معظم المواطنين، وحتى بين أنصار قادة الأحزاب السياسية التقليديين. من هنا، يمكن للمرء أن يتساءل إن كان هذا الوضع هو من تصميم القوى السياسية التي ظهرت خلال الحرب من أجل خدمة مصالحها، والتي تحالفت مع أو استخدمت الجماعات الطائفية لهذا الغرض أم إن كان الوضع ظرفياً، أي نتيجة النظام التوافقي الذي ورثناه وعواقب حرب 1975-1990؟
وتقترن مشاعر الخوف والتهديد هذه بشكوك عميقة حول دور الدولة كوسيط نزيه، سواء كان ذلك في توفير الخدمات الاجتماعية، أو في التوظيف أو في الحصول على العقود، ولكن الأهم من ذلك هي الشكوك في توفير العدالة. كمواطنين، يطلب منا العودة إلى الأحزاب التي تمثل الجماعات الطائفية التي نرتبط بها عند الولادة، ويطلب منا المرور من خلالها أو من خلال النظام الطائفي حتى نتمكن من الوصول إلى الخدمات الحكومية ومعالجة القضايا المتعلقة بوضعنا المدني وحتى السعي لتحقيق العدالة.
كما إنّ مشاعر الخوف والتهديد والاغتراب والإحباط تجاه الدولة التي وصفتها آنفاً، قد تم تعزيزها والحفاظ عليها من خلال نظام انتخابي لا يزال منحازا بشكل كبير لصالح هؤلاء القادة والأحزاب الراسخة على الرغم من الإصلاحات المهمة الأخيرة. اغتراب شبابنا من خلال عدم السماح لهم بالمشاركة حتى يبلغوا الحادي والعشرين عاما، عدم بذل جهد لإشراك النساء، فشلنا في جعل مراكز الاقتراع والمدارس متاحة في يوم الانتخابات للأفراد ذوي الإعاقة، ليست سوى بعض الطرق التي يتم بها إبعاد المواطنين خارج دائرة صنع القرار. وتتفاقم هذه المشكلة بسبب النظام الطائفي، حيث يتم تصميم الدوائر الانتخابية والأصوات التفضيلية لخدمة هؤلاء القادة التقليديين والأحزاب السياسية. وتترسخ هذه المشاكل بسبب عدم الرغبة في وجود هيئة انتخابية مستقلة لإجراء الانتخابات، لكن الأهم من ذلك كله هو ضعف الرقابة على تمويل الحملات ووصول الأموال من الأجانب إلى الأحزاب. وقد تم إبعاد هذه القضايا بشكل كبير عن نظام التعليم المدرسي لدينا. ما جعل شبابنا يفتقر إلى الفهم السياسي الصحيح لماهية الديمقراطية وتأثير النظم الانتخابية والانتخابات وكيفية عملها.
وأخيرًا، لقد فشل نظامنا التعليمي، منذ الطائف، في تعزيز المعرفة والفهم والاحترام لخلفيات المواطنين الآخرين، والهويات والجماعات الدينية، والاحتياجات الخاصة، والجنس، والعرق، والإثنية، والتوجه الجنسي، وما إلى ذلك. ورغم أنّنا أحرزنا بعض التقدم في مجال التثقيف في ما خص حقوق الإنسان، إلا أنّنا بحاجة إلى المزيد. وقد حافظ هذا الغياب على حالة من التحيز ازداد بشكل كبير خلال الحرب الأهلية ويتم نقله من جيل إلى جيل. فالشباب تفتقر الى معرفة كيفية التواصل مع فئات مختلفة ومتنوعة في المجتمع اللبناني ما يضعف حس الإنتماء لديهم. لقد وصل تنوع النظم المدرسية وعدم قدرة الدولة على فرض معايير واضحة عندما يتعلق الأمر بالتربية المدنية ودراسة التاريخ إلى نقطة الأزمة. هذا، إلى جانب الخوف والتهديد القائمين، ما جعل شبابنا عرضة للتلاعب السياسي وأضعف حسّهم بالمواطنة ووضعهم كمفكرين أحرار وفاعلين سياسيين.
ما هي خياراتنا؟
الظهور التدريجي للدولة اللبنانية الحديثة في أوائل القرن العشرين الذي بلغ ذروته في استقلالها في عام 1943 إستقرّ على نظام سياسي ديموقراطي توافقي سمح بتوزيع المناصب الرئيسية على أسس دينية / طائفية. هذه الصيغة مقترنة بالهواجس المتعلقة بالتغيرات الديموغرافية السريعة بين الطوائف الدينية في لبنان بالإضافة إلى التطورات السياسية الإقليمية أدت إلى توترات سياسية كبيرة وعنف، وفي نهاية المطاف أدت إلى حرب أهلية. كانت الصيغة التوافقية موجهة نحو تعزيز شكل من أشكال الديمقراطية حيث يتم “إدارة” التنوع الديني.
مع ذلك وعلى مر السنوات، بدأت هذه الصيغة تواجه تحديا من قبل نماذج أخرى سائدة:
- النموذج الأول، كان لدولة أكثر علمانية (غير دينية) تم الترويج لها في الغالب من قبل الجماعات ذات الميول اليسارية في الفترة التي سبقت الحرب الأهلية اللبنانية وبعدها. اعتمدت هذه الجماعات على حلفاء من خلفيات أيديولوجية متنوعة، واعتبرت قريبة من الشيوعية أو نظام البعث أو الجماعات المدعومة من الاتحاد السوفيتي.
- والنموذج الثاني، والذي برز بقوة خلال الحرب الأهلية، هي الفيدرالية القائمة على الكانتونات الدينية التي تروج لها غالباً الجماعات التي تعتبرها الطريقة الوحيدة للحد من التغيرات الديموغرافية للمجتمعات الأخرى وحماية “طريقة حياة” مجتمعها.
- النموذج الأحدث، انبثق عن الحركة الاجتماعية في 17 تشرين الأول 2019 ويعتمد على تقاليد ديمقراطية أكثر علمانية. هذه الحركة أقل أيديولوجية، لا تتماشى مع الشيوعية وغير طائفية في طبيعتها. وهي تطالب بمزيد من الشفافية والمساءلة في الحكم. والتأكيد على ضرورة إعادة تعريف المواطنة حول القيم غير الطائفية.
وقد تنافس المدافعون عن هذه النماذج الثلاثة أو تعارضوا مع النموذج التوافقي السائد، لكنهم لم يتمكنوا من استبداله حتى الآن، من هُنا:
- تحولت حرب 1975-1990 اللبنانية إلى حرب أهلية. ربما كان اتفاق الطائف محاولة لمعالجة التوترات المنبثقة عن السيناريوهات السردية الثلاث، وذلك من خلال الحفاظ على الصيغة التوافقية الأولية كجسر لما هو آت، مع تشجيع المزيد من اللامركزية على المستوى الإداري لاسترضاء الدّاعية إلى الفدراليّة، والتحرك نحو دولة أكثر علمانية من خلال إدخال مجلس شيوخ لحماية المجالات الرئيسية ذات الأهمية للطوائف الدينية في لبنان والانتقال إلى مجلس النواب غير الطائفي في تكوينه لاسترضاء الجماعات الأكثر علمانية. في غضون ذلك، تم تعديل توزيع السلطة لاسترضاء الأحزاب الطائفية.
- في حين أن الطائف، ربما يكون قد خلق في بنديه 22 و95 أملاً للبنان جديد- لبنان لاطائفي، إلا أنّ القوى السياسية القائمة على الطائفية، إلى جانب المؤسسات الدينية، رأت في هذه الإصلاحات تهديداً مباشراً لسلطتها ونفوذها وقاعدتها الشعبية. ما منع بالتالي أي تقدم ذي مغزى في هذا الصدد حتى اليوم.
- وهكذا، وعلى الرغم من محدوديته الواضحة، لا يزال النموذج التوافقي وأبطاله الرئيسيون يتمتعون بالسيطرة على الدولة ويرفضون إفساح في المجال للاعبين سياسيين آخرين، على الرغم من انخفاض نسبة إقبال الناخبين التي تقل عن 50٪ واستمرار اغتراب جزء كبير من السكان، ناهيك عن الأداء السيئ على مدى العقود الماضية التي نحصد نتائجه اليوم.
ما هي التطلعات المستقبلية؟
يبقى السؤال: كيف يمكننا أن نمضي قدماً لتعميق حس متماسك بالمواطنة؟
الطريق إلى تحقيق ذلك والمقترح في هذا القسم الثالث والأخير، يرتكز إلى قراءات ومناقشات وخبرات عملية في هذا المجال، وهي كالآتي:
أولا، وقبل أي شيء، علينا أن نستثمر في الفرد، في المواطن. ولتحقيق ذلك، يلزم العمل على ثلاثة مستويات:
- تعليم حقوق الإنسان في جميع المدارس في ضوء مناهج واضحة ومحددة جداً، وإدراجها كمادة تُعلَّم في كافة المراحل التعليمية.
- مراجعة التربية المدنية وإضافة مكون سياسي مفقود حاليا، دوره الأساس هو في تسليط الضوء على كيفية عمل النظام اللبناني، ماهية مواقع السلطة، منهجية اتخاذ القرارات وقوانين تعديلها، وآلية عمل القضاء في لبنان.
- المعرفة النقدية بالتاريخ من خلال إدخال واعتماد مناهج متفق عليها، تعزز بدورها التفكير النقدي وتستند إلى حقائق وتحترم الروايات المتنوعة، مع تعزيز نموذج يمكن أن يساعد في بناء دولة تحترم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تضم لبنان. لقد أوجد المؤرخون هذا بالفعل إلى حد كبير – إنّما ما نحتاج إليه هو إدراج ذلك النموذج في النظام التعليمي المدرسي.
ثانيًا، نحتاج إلى النظر إلى المستوى المؤسسي والمقترح هنا هو التالي:
- إعطاء المجلس الدستوري صلاحية لتفسير الدستور وللنظر في القضايا التي يعرضها الأفراد ومجموعات صغيرة من المواطنين.
- جعل استقلال القضاء أولوية قصوى، وإخراجه من سيطرة وزارة العدل مع توفير الحماية اللازمة للقضاة.
- تشكيل لجنة وطنية لوضع قانون جديد للأحوال الشخصيّة المدنية.
- إصلاح العملية الانتخابية لإخراجها من تقسيم الدوائر الصغيرة والتي تروج لها الأحزاب الطائفية وقياداتها. هذا إضافة إلى معالجة المجالات المذكورة سابقا.
- وضع قانون جديد للأحزاب السياسية، حيث يحظر على الأحزاب تلقي التمويل من غير اللبنانيين، وتضطر إلى أن تعمل بشفافية وتآذار الديمقراطية داخليًّا.
- التحرك السريع نحو الحكومة الإلكترونية لمعظم المعاملات، وذلك من أجل حماية المواطنين من أي تبعية للأحزاب و “الزعماء” لتلقي خدمات الدولة.
- تعيين لجنة ترسم رؤية لكيفية تعزيز حس المواطنة من خلال ضمان التنوع والحقوق. وهذا يشمل الجوانب الكبيرة والصغيرة، بداية من إصلاح كلمات نشيدنا الوطني لتشمل النساء أيضاً.
ثالثاً، وأخيراً، نحتاج إلى إعادة توزيع مكامن القوة أو السلطة، وذلك من خلال:
- تبني نهج تدريجي وشامل في أي عملية تفاوض من أجل التغيير.
- إصلاح العملية الانتخابية لتشمل الإصلاحات المقترحة بموجب اتفاق الطائف.
- وضع استراتيجية للتوحيد التدريجي للأسلحة في البلاد تحت رعاية الجيش.
- السماح للمواطنين بالتصويت للانتخابات المحلية في مناطق إقامتهم حتى يشعروا بأنهم يستثمرون في إصلاح وتطوير المجتمعات التي يعيشون فيها.
- استخدام عمليات الحكومة الإلكترونية من أجل تحقيق اللامركزية في السلطة، وزيادة تمكين الحكومات المحلية، وتمكين المواطنين بمقدرة صنع القرار.
في الختام، هناك ورشة عمل كبيرة أمامنا، لكن من المهم إتمامها بطريقة شاملة تأخذ في الاعتبار تنوع المجتمع اللبناني. فتنوعنا يجب أن يكون مصدر احتفاء، وليس مصدر خوف دائم يقسّم المواطنين. إذ في النهاية، لن يتمكن اللبنانيون من بناء لبنان على أرض صلبة وسيبقون ضعفاء أمام الأطماع والتهديدات الداخلية والخارجية إن لم يسعوا إلى تعميق حس المواطنة. هذا الحس الذي يترجم في أرض الواقع بشعور المواطن اللبناني بأنّ علاقته مع الدولة، ككل مواطن آخر، هي علاقة متساوية ومباشرة بموجب القانون. رغم أن الأمر قد يستغرق الوقت والمثابرة والمجهود إلا أن التقدم ممكن. أجل، يمكن أن يكون لدينا لبنان متنوع، لبنان يحتضن مواطنين يشعرون بمواطنيتهم وبأنهم معنيون في شؤونه.
اللقاء السادس 11-10-2023
“لبنان والمادّة 95 من الدّستور: أساس وقف تسييس الدّين وتديين السّياسة“
لمحات من اللّقاء السادس من مسار الحوارات الصّباحيّة “لبنان والمادّة 95 من الدّستور: أساس وقف تسييس الدّين وتديين السّياسة”
لمشاهدة الحلقة كاملة
اللقاء السادس من مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية أتى تحت عنوان “لبنان والمادّة 95 من الدّستور: أساس وقف تسييس الدّين وتديين السّياسة“.
في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن ملتقى التأثير المدني، ومن ثمَّ وثائقي استعراضي للِّقاء الخامس من “الحوارات الصباحية” تحت عنوان:” لبنان بين المواطنة وإدارة التعددية: السِّياق والإشكاليَّات“
بيان صحفي
ملتقى التأثير المدني يُتابع مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية في لقائه السادس:
تحت عنوان “لبنان والمادّة 95 من الدّستور: أساس وقف تسييس الدّين وتديين السّياسة“
رحمة: لبنان يواجهُ مخاطر وجوديَّة، لكنَّ في جيناتِه ثباتٌ في مسيرة عَوْدَتِه وطن الرّسالة
مراد: لبنان دخل في مئويته الثانية وهو وطن بلا دولة على وقع حلقة مفرغة من الأزمات
البساط: علمنة الأحوال الشخصيّة يجب ان تكون مطلبا سياسيا وطنيا لا مطلبًا نَسويّا
تابع ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم مسار “الحوارات الصباحيَّة” الشهريَّة بعد العطلة الصيفية بانعقاد اللقاء السادس في فندق الجفينور – روتانا الحمرا في حضور نخبة من الشخصيات الأكاديمية والادارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والقضاة والضباط المتقاعدين والإعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الهيئة الإداريّة للملتقى.
اللّقاء عقد تحت عنوان “لبنان والمادّة 95 من الدّستور: أساس وقف تسييس الدّين وتديين السّياسة” مستلهمًا وثيقة الوفاق الوطنيّ ببنودها الإصلاحيّة وخيار العودة إلى الدّستور، لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا، تحدَّثَت فيها الدكتورة إلهام كلّاب البساط ويسّر الحِوار الدكتور علي مراد.
وقائع اللقاء
في بداية اللقاء الذي قدّمت له الإعلاميّة دنيز رحمه فخري ونقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن “ملتقى التأثير المدني” / عشر سنوات القضيَّة لبنان والإنسان، ومن ثمَّ وثائقي إستعراضي للِّقاء الخامس تحت عنوان: “لبنان بين المواطنة وإدارة التعدّديّة: السّياق والإشكاليّات”.
كلمة رحمة
بعدها كانت كلمة عضو الهيئة الإداريّة في “ملتقى التأثير المدني” فادي رحمة الذي أكَّد على قرار الملتقى بالسعي الى “ترسيخ روحيَّة النّضال في سبيل بناء دولة المواطنة التي نشأت منذ قيام دولة لبنان الكبير”. ولفت إلى أنّ “لبنان يواجهُ مخاطر وجوديَّة، لكنَّ في جيناتِه ثباتٌ في مسيرة عَوْدَتِه وطن الرّسالة، رسالة الحريَّة والأخوَّة”، مضيفًا: “من هنا يأتي تصميمنا على مقاربة مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، وبالتّالي نحن مقتنعون بالعمل التّراكُمي الهادئ والهادف، مصوّبين البُوْصلة لإنقاذ لبنان من هذا المستنقع الخطير وبناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة.”
وانتهى رحمة إلى اقتباس عبارة شهيرة لجبران خليل جبران تقول: “ويلٌ لِأمَّة تكثُر فيها المذاهِب والطوائِف، وتخلو من الدّين”. مضيفا “عسى نُنقّي في لبنان السّياسة من التديين والتسييس، والدّين من التسييس والتطرّف، فكُلُّنا مواطنات ومواطنون نسعى للخير العامّ. حمى اللّه لبنان”.
كلمة مراد
بعدها تحدث ميسّر الحوار الدكتور علي مراد الذي قال إنّ “لبنان غادر مئويته الأولى وقد حسم مسألة نهائية الكيان”، ليدخل في مئويته الثانية وهو “وطن بلا دولة على وقع حلقة مفرغة من الازمات”. وأضاف: “أتى اتّفاق الطائف ليعبر في لحظة معينة عن توافقات داخلية ودولية سمحت بإنهاء الحرب الأهلية” وجاءت “التعديلات الدستورية عام 1990 مرتكزةً على اتفاق الطائف، نتيجة توازنات سياسية فرضتها محصلة حربٍ استمرت خمسة عشر عاماً، لتتحدد التسوية السياسية على قاعدة مشاركة الطوائف في السلطة الإجرائية”.
واعتبر مراد أنَّ التاريخ علّمنا “أنّ نصوصًا كهذه ليست نصا مقدسا”، و”أنَّ المجتمع يستطيع أن يعيد بناء نفسه حولها، ليعيد الإنتظام للنظام والاعتبار للدولة”، ولكنْ ما حصل جاء مغايرا فقد تحولت الطبيعة “المؤقتة” للنظام الطائفي “إلى مآذارة ثابتة ومترسخة، غيبت الطبيعة المدنية للدولة التي نص عليها الدستور لصالح تمثيل احتكاري ملتبس للطوائف، وتعطلت المؤسسات الدستورية بشكل تام، وباتت السلطة الحقيقية في الدولة خارج المؤسسات الدستورية”.
وانتقد مراد الرأي السائد بـ “أنّ التعديلات الدستورية المستندة إلى وثيقة الوفاق الوطني قد كرست الطائفية”، ورأى “أن القراءة الشاملة للدستور تظهر العكس تماما”، وتناول المادة 95 من الدستور معتبرًا “أنّ اهميتها تكمن في أنها تشير بشكل واضح إلى الطبيعة المؤقتة للنظام الطائفي”. وهي “حجر الزاوية في خارطة طريق لتجاوز الطائفية السياسية من خلال المجلس النيابي المنتخب على أساس المناصفة، أي مجلس 1992، وهو ما لم يحدث منذ أكثر من 32 عاما.”
وفي نهاية عرضه وجّه مراد سلسلة اسئلة حول “الإجراءات المرحلية والتدريجية المؤدية إلى مسار الغاء الطائفية السياسية من ضمن الآليّة الدستورية. ومنها “هل إن الإشكالية في المآذارة السياسية أكثر منها في النص الدستوري أم العكس؟”. و”هل ينبغي تطبيق ما ورد في دستور ما بعد الطائف والمباشرة بإلغاء الطائفية السياسية، أم أن الزمن الذي انقضى يجعل من هذه المواد غير قابلة للتطبيق؟”. و “هل يجب تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية، أم اعتماد آلية أخرى؟” و”كيف يمكن انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي؟” أم أنّه “يجب اعتماد قانون انتخابي يضمن عدالة وصحة التمثيل للأحزاب والمجموعات السياسية؟” و “هل المطلوب التقيد بما ورد في دستور الـ 1990 بعد الطائف واستحداث مجلس شيوخ؟” و “في حال تم استحداث مجلس شيوخ، كيف يمكن الحد من صلاحياته حتى لا يتحول إلى هيئة معطلة باستخدام الفيتو الطائفي؟”، وهل يجب المحافظة على التمثيل الطائفي على صعيد الرئاسات أم اعتماد المداورة أم تخطي هذا التمثيل؟”.
كلمة البساط
وبعدها كانت مداخلة الدكتورة الهام كلاب البساط التي جاءت تحت عنوان “علمنة قوانين الأحوال الشخصيّة”، فلفتت الى المحاولات الجارية لبناء الدولة المدنيّة، والتصدّي لتسييس الدين وتديين السّياسة وانتشال الدولة من سُلطة الانتماءات الطائفيّة” وهو ما يوجب “إلقاء نظرة شامِلة وبانوراميّة على كلّ المواقِع السياسيّة والقانونيّة والدينيّة والاجتماعيّة، حيث يؤدي صدى مُحاولات التبدّل في موقع واحِد إلى إيقاظ التساؤل والقلَق في المواقع الأخرى”.
وقالت البساط إنّ “الوصول إلى الدولة المدنيّة قد يكون عنوانه الأساسي والملحّ: إلغاء الطائفيّة السياسيّة، ولكن التحوّل في القاعدة الشعبيّة وفي المفاهيم والعقليّات يتطلّب تناسقًا وتجاوبًا بين كل مراحل التبدّل الاجتماعي والسياسي وفق “خطة مرحليّة”. ولفتت الى ان “الدستور ترك مسارِبَ للطوائف في مجال قوانين الأحوال الشخصيّة مما حوّل المواطنيّة إلى مذهبيّة تتغلغل في كل النواحي العائليّة والإنسانيّة والتنظيم القانوني، مع أنّ الدستور ضَمن في المادة 9 احترام الأحوال الشخصيّة للطوائف دون إعطائها الحقّ الحصري.”
ولمّا رأت الدكتورة البساط أن “غالبا ما اعتُبر مطلب علمنة الأحوال الشخصيّة، مطلبًا نَسويّا بالدرجة الأُولى نادت به وعملت له جمعيّات عديدة انطلاقًا من مُعاناة النساء في أعمق مواقِف حياتهنّ”، أكّدت أنّ المطلوب بان تكون “مطلبا سياسيا وطنيا، قد يشكّل فجوة أساسيّة في الجدار الطائفي، ويؤسّس لجيل جديد”. فالقانون المتطوّر للعائلة اللبنانيّة في ظلّ قانون مدني له أسباب موجبة عديدة أهمها، استعادة الدولة لدورها التشريعي، والتزام لبنان بتطبيق الاتفاقيّات الدوليّة كما الحقّ في حريّة الاختيار في ظل تصاعد أعداد المتزوّجين مدنيًّا، في عَقد مدني، مسموح في الخارِج وممنوع في الداخِل.”
ولذلك اعتبرت البساط “أنّ الصّراع ليسَ بين ديني ودنيوي بل بين الخيار الطائفي وخيار الدولة”. فالناس “يتوقون إلى الدولة وقوانينها، لا إلى سُلطات طائفيّة وأنظمة مذهبيّة وسياسيين يمتطون صهوة الدين لإفساد الدنيا، في ازدواجيّة مُتصادمة.”
وبعدما أشارت البساط إلى “وجود حوالي 12 مشروع قانونًا واقتراحًا ومذكّرات ومبادئ طرحت ما بين 1971 و2017 لتعديل قانون الأحوال الشخصيّة”، لفتت إلى أنّها “قوانين تميّزت بالجديّة والمعرفة القانونيّة والحِسّ الوطني”، ومع ذلك “لم يُكتب لأي منها التحقُّق عندما ارتطم بعضُها بالمواقِع الدينيّة، كما بالمؤسسات السياسيّة من وزارات أو مجالس نيابيّة أو سياسيّين حُماة الطوائف خاصة”، “لكنّ هذا التأريخ لخيبات مُتتالية لم يوقف المُحاولات المُتجدّدة”.
وانتهت البساط لتقول “أن كل هذه المشاريع ركّزت على نقل صلاحيّة المحاكِم الروحيّة والشرعيّة إلى قُضاة ومحاكِم مدنيّة قبل أن تتركّز على ثنائيّة قانون إلزامي أو اختياري”.
وختاما كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.
ملتقى التأثير المدني
المكتب الإعلامي
بيروت في 11 تشرين الاول 2023
كلمة عضو مجلس إدارة ملتقى التأثير المدني السيّد فادي رحمة
السيّدات والسّادة،
نلتقي اليوم مرَّة جديدة في اللّقاء السّادس من مسار “الحوارات الصّباحيّة” تحت عنوان: “لبنان والمادّة 95 من الدّستور: أساس وقف تسييس الدّين وتديين السّياسة”، وقد قرّرنا في “ملتقى التأثير المدني” ترسيخ روحيَّة النّضال في سبيل بناء دولة المواطنة، هذه الرّوحيَّة التي نشأت منذ قيام دولة لبنان الكبير، ووردت في دستورها الأوّل في العام 1926، لكنّ ظروفًا كارثيّة وخيارات إنتحاريّة واهتزازات جيو-سياسيّة منعت ذلك حتّى الآن.
لبنان يواجهُ مخاطر وجوديَّة، لكنَّ في جيناتِه ثباتٌ في مسيرة عَوْدَتِه وطن الرّسالة، رسالة الحريَّة والأخوَّة. من هنا يأتي تصميمنا في “ملتقى التأثير المدني”، على مقاربة مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، وبالتّالي نحن مقتنعون بالعمل التّراكُمي الهادئ والهادف، مصوّبين البُوْصلة لإنقاذ لبنان من هذا المستنقع الخطير وبناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة.
السيّدات والسّادة،
مسار “الحوارات الصّباحيّة” محاولة بَلْوَرةٍ فِكرٍ سياديّ إصلاحيّ تغييريّ لِفعلٍ سياديّ إصلاحيّ تغييريّ، وبعد أن أطللنا في اللّقاء الأوّل على “المادّة 95 من الدّستور” آفاقًا وتعطيلًا، واللّقاء الثّاني على “اللاّمركزيّة الإداريّة الموسّعة: الإنماء المتوازن والعيش معا”، واللّقاء الثّالث حول “نِظام المجلِسَين أي مجلس النوَّاب ومجلس الشيوخ”، واللّقاء الرّابع حول “قانون الانتِخابات النيابيَّة بين عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة“، واللّقاء الخامس حول “لبنان بين المواطنة وإدارة التعدّديّة: السّياق والإشكاليّات”، ها نحنُ نُقارِب اليَوم معادلة دقيقة تحت عنوان: “لبنان والمادّة 95 من الدّستور: أساس وقف تسييس الدّين وتديين السّياسة”.
كتب جبران خليل جبران بوضوح: “ويلٌ لِأمَّة تكثُر فيها المذاهِب والطوائِف، وتخلو من الدّين”، فعسى نُنقّي في لبنان السّياسة من التديين والتسييس، والدّين من التسييس والتطرّف، فكُلُّنا مواطنات ومواطنون. نسعى للخير العامّ. حمى اللّه لبنان.
هذا عهدٌ علينا ووعد.
عُشتم وعاش لبنان
بيروت 11-10-2023
كلمة الدكتور علي مراد / ميسّر الحوار
غادر لبنان مئويته الأولى وقد حسم مسألة نهائية الكيان، ليدخل في مئويته الثانية وهو وطن بلا دولة على وقع حلقة مفرغة من الازمات. عند ولادة دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول 1920 عاش اللبنانيون حالة انقسام سياسي – فكري، ومن حول الدولة الوليدة والموقف منها. ورغم كل الصعوبات التي عرفتها البلاد طوال القرن الماضي من حروب وأزمات ونقاشات وتناقضات، الّا أنّ اللّبنانيّات واللّبنانيّون قد دخلوا في المئوية الثانية ومسألة نهائية الكيان كوطن لجميع أبنائه وبناته قد حسمت تماما.
لقد اختلف اللّبنانيّات واللّبنانيّون سابقا على ظروف نشأة البلد، لكنهم اليوم وعلى الرغم من كل تناقضاتهم السياسية مجمعين على نهائيته. فالتناقضات التي رافقت نشأة لبنان حول عروبة الدولة ونهائية الكيان لم يحسمها فقط اتفاق الطائف، بل هي باتت اليوم واقعا صلبًا يجمعون عليه.
في المقابل، بيّنت العقود الثلاثة الأخيرة أنّ عدم القدرة على حسم الإشكاليات المزمنة قد جرى تقديمه بصورة قدرية على أنه التوازن الأمثل غير القابل للتجاوز. توازن هش بين حقوق الطوائف وحقوق الافراد. بين التوافقية الميثاقية والمآذارة الديموقراطية الدستورية. بين الاستقلال والسيادة. بين الغلبة الداخلية والاستقواء بالخارج. بين الوحدة الوطنية والسلم الأهلي. بين التضامن العربي وسياسة المحاور الإقليمية.
أتى اتّفاق الطائف ليعبر في لحظة معينة عن توافقات داخلية ودولية سمحت بإنهاء الحرب الأهلية، وهو اتّفاق داخلي لبنان أتت مناقشته والمفاوضة عليه والتوقيع عليه في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية في عام١٩٨٩ برعاية المملكة وجامعة الدول العربية وبدعم من الولايات المتحدة وإشراف مباشر من سوريا. أما مهمة تطبيق الاتفاق فتوًلاها النظام السوري بشكل مطلق سيما في مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رينيه معوض وانتخاب الياس الهراوي وتبني المجتمع الدولي لنتيجة انتخابات العام 1992.
أتت التعديلات الدستورية لعام 1990 مرتكزةً على اتفاق الطائف لعام 1989، الذي كان بمثابة ميثاق جديد قام بين اللبنانيين، نتيجة توازنات سياسية فرضتها محصلة حربٍ استمرت خمسة عشر عاماً، لتتحدد التسوية السياسية على قاعدة مشاركة الطوائف في السلطة الإجرائية، والتي ترتكز على نتيجة الانتخابات النيابية، مقررة بذلك من هي القوى الممثلة للشعب في مؤسسة المجلس النيابي.
يعلّمنا التاريخ أنّ نصوصًا كهذه تكون بنت لحظتها، بنت الظروف الدقيقة التي توافرت في لحظتها والتي بإنجازه، بعيدا عن التفاصيل التقنية والاجرائية والسياسية او حتى التمثيلية، هو ليس نصا مقدسا، لكنه وللحقيقة هو أول وآخر ما نملك. يعلمنا التاريخ أيضا، أنَّ هكذا نصوصًا وإن كانت ابنة لحظتها، يستطيع المجتمع أن يعيد بناء نفسه حولها، يعيد كتابة الرواية، يعيد الإنتظام للنظام، يعيد الاعتبار للدولة، ويبني ما فات ويفتح الأفق نحو المستقبل.
في المقابل، تحولت الطبيعة “المؤقتة” للنظام الطائفي إلى مآذارة ثابتة ومترسخة، فغيبت الطبيعة المدنية للدولة التي نص عليها الدستور لصالح تمثيل احتكاري ملتبس للطوائف، وتعطلت المؤسسات الدستورية بشكل تام، إن كان لجهة تشكيلها أو لجهة فعالية عملها، وباتت السلطة الحقيقية في الدولة خارج المؤسسات الدستورية.
وعلى عكس الرأي السائد بأن التعديلات الدستورية للعام 1990 والمستندة إلى وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) قد كرست الطائفية، الا ان القراءة الشاملة للدستور تظهر العكس تماما. لقد قامت هذه التعديلات على الفلسفة التالية: انهاء الحرب الأهلية من خلال تعديلات دستورية تكرس للمناصفة (بعد ان كانت المعادلة 6/5) لمرحلة انتقالية على أن تتم المباشرة في الالغاء التدريجي الطائفية السياسية بصفتها المبتغى النهائي. ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال عدة نصوص في أكثر من موقع من الدستور، من الفقرة د من مقدمة الدستور والتي اكدت ان هدف الغاء الطائفية السياسية هو هدف وطني يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، مرورا بالمادتين 22 و24 واللتين اكدتا ان الطبيعة الطائفية لمجلس النواب هي مؤقتة، على ان يتزامن انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي مع انشاء مجلس للشيوخ تمثل فيه العائلات الروحية (وليس الطوائف)، على أن تنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية.
وأخيرا، نصل إلى المادة 95 والتي تكمن أهميّتها في أنها تشير بشكل واضح إلى الطبيعة المؤقتة للنظام الطائفي في توزيع مقاعد المجلس النيابي، فوضع قانون انتخاب خارج القيد الطائفي هو الوضع الطبيعي في حين تكون الطائفية السياسية هي الاستثناء المرحلي. بهذا المعنى، تشكّل المادّة 95 حجر الزاوية في خارطة طريق تجاوز الطائفية السياسية من خلال: المجلس النيابي المنتخب على أساس المناصفة هو مجلس 1992، أي انه كان يتوجب على هذا المجلس ان يبدأ باتخاذ إجراءات الغاء لطائفية وهو ما لم يحدث منذ أمثر من 32 عاما. وتصبح الأمور أكثر وضوحا في الفقرة الثانية من هذه المادة مع استعمال مصطلح بالغ الأهمية وهو “المرحلة الانتقالية”.
إنّ النظرة الى هذه المواد مجتمعة تؤكّد بشكل حاسم أنّ النظام الطائفي هو مرحلة انتقالية، وليس الوضع النهائي للنظام السياسي اللبناني. وقد أوكل الدستور هذه المهمة الى ما أسماه “هيئة وطنية” صلاحيّة وضع خطة مرحلية لدراسة واقتراح سبل الغاء الطائفية. بناء على كل ما ذكر، يكون هدف الالغاء التدريجي للطائفية السياسية هو التطبيق الصحيح للدستور لا تجاوزا له. أي أنَّ السلطة السياسية التي ادارت لبنان مذ العام1992 هي من خالفن الدستور في تقاعسها عن البدء بهذه الإجراءات المرحلية والتدريجية (مثال نسبة معينة كل دورة انتخابية لنواب منتخبين خارج القيد الطائفي على ان يتم رفع هذه النسبة تدريجيا مع كل انتخابات).
في هذا الإطار، إنَّ مسار الغاء الطائفية السياسية من ضمن الآليّة الدستورية لا سيما المادة 95 يَطْرَح مجموعة من الأسئلة:
السؤال الأول: ما هي السبل المتاحة للخروج من أزمة النظام السياسي الحالي في لبنان؟ هل الإشكالية في المآذارة السياسية أكثر منها في النص الدستوري ام العكس؟
السؤال الثاني: هل ينبغي تطبيق ما ورد في دستور ما بعد الطائف والمباشرة بإلغاء الطائفية السياسية من المادتين 22 و24 و95 أم أن الزمن الذي انقضى يجعل من هذه المواد غير قابلة للتطبيق؟
السؤال الثالث: هل يجب تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية؟ وكيف يتم تشكيلها؟ أم اعتماد جهة أخرى لوضع خطة إلغاء الطائفية السياسية، كانتخاب هيئة تأسيسية من الشعب، او طرح أي تعديل مباشرة على الاستفتاء الشعبي؟
السؤال الرابع: كيف يمكن انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي؟ هل يتم ذلك مرة واحدة أم على دفعات؟ بالدرجة الاولى، يجب اعتماد قانون انتخابي يضمن عدالة وصحة التمثيل للأحزاب والمجموعات السياسية.
السؤال الخامس: هل المطلوب التقيد بما ورد في دستور 1990 بعد الطائف واستحداث مجلس شيوخ وما مدى ارتباط المادة 22 بالمادة 95 وهل من علاقة سببية بينهما؟
السؤال السابع: في حال تم استحداث مجلس شيوخ، كيف يمكن الحد من صلاحياته حتى لا يتحول إلى هيئة معطلة باستخدام الفيتو الطائفي؟
السؤال الثامن: ضمن إطار المادة 95، هل يجب المحافظة على التمثيل الطائفي على صعيد الرئاسات أم اعتماد المداورة أم تخطي هذا التمثيل؟
ورقة عمل الدكتورة إلهام كلَّاب البساط
- في محاولات السعي إلى بناء الدولة المدنيّة، والتصدّي لتسييس الدين وتديُّن السياسة وانتشال الدولة من سُلطة الانتماءات الطائفيّة، يتوجّب علينا إلقاء نظرة شامِلة وبانوراميّة على كلّ المواقِع السياسيّة والقانونيّة والدينيّة والاجتماعيّة، حيث يؤدي صدى مُحاولات التبدّل في موقع واحِد إلى إيقاظ التساؤل والقلَق في المواقع الأخرى.
إن الوصول إلى الدولة المدنيّة مسار قد يكون عنوانًه الظاهر الكبير، إلغاء الطائفيّة السياسيّة، وبقدر ما شوّهت الطائفيّة معنى الدين بقدر ما كان مفهوم السياسة ينحو إلى تعزيز العصبيّات والاستغلال وعدم الكفاءة وانتفاء الخِدمة العامة، وفي التحالُف النفعي المُستتر والواضِح ما بين الطائفيّة والسياسة، وصلنا إلى هذا المأزق في إدارة الدولة وفي صياغة الحياة.
- لقد اخترت قضيّة علمنة قوانين الأحوال الشخصيّة كمؤشّر على انجدال الخاص بالعام، وكضرورة لتمتين الخيار المدني وتطويره، وكمسار لتبديل العقليّات وضمان حريّة الاختيار.
فالناس هم البنية الأساسيّة للوصول إلى التبديل السياسي والقانوني المنشود، وتطوّر العقليّات والمفاهيم هو القاعدة الحامية والمُسانِدة لكلّ تبديل.
إن الوصول إلى الدولة المدنيّة قد يكون عنوانه الأساسي والملحّ: إلغاء الطائفيّة السياسيّة، ولكن التحوّل في القاعدة الشعبيّة وفي المفاهيم والعقليّات يتطلّب تناسقًا وتجاوبًا بين كل مراحل التبدّل الاجتماعي والسياسي، ودومًا وفق “خطة مرحليّة” كما ورد مرتين في مقدّمة الدستور وفي المادة 95.
إن لبنان يتميّز بدستوره العلماني، لكن هذا الدستور ترك مسارِبَ للطوائف في مجال قوانين الأحوال الشخصيّة مما حوّل المواطنيّة إلى مذهبيّة تتغلغل في كل النواحي العائليّة والإنسانيّة في مجال الحياة اليوميّة وتنظيمها القانوني، مع أن الدستور ضَمن في المادة 9 احترام الأحوال الشخصيّة للطوائف دون إعطائها الحقّ الحصري.
- غالبًا ما اعتُبر مطلب علمنة الأحوال الشخصيّة، مطلبًا نَسويّا بالدرجة الأُولى نادت به وعملت له جمعيّات عديدة انطلاقًا من مُعاناة النساء في أعمق مواقِف حياتهنّ كالزواج والعائلة والأُمومة والحضانة والكرامة الإنسانيّة.
في هذه القوانين تخضع النساء، لأحكام جائرة قديمة لا تزال تواجه امرأة القرن الحادي والعشرين بشرائع وأعراف تتنوّع حسب الانتماء الطائفي والمذهبي.
وعدا تقادُمها التاريخي وتهافت عدالتها ترسُم هذه القوانين خطوط صَدع بين مُكوّنات لبنان الدينيّة، وتجذّر الانتماء العائلي الطائفي الذي يتقدّم على المُواطنة.
إن هذه التشريعات التي تُنافي المُعاصرة والحداثة والتطوّر حالت دون وحدة نضال كلّ نساء لبنان معًا وتكاد تنفي الاندماج الوطني لتكرّس الانتماء الطائفي في ثنايا الحياة اليوميّة والخيارات العائليّة.
لذا فإن الأحوال الشخصيّة مطلب سياسي وطني، قد يشكّل فجوة أساسيّة في الجدار الطائفي، ويؤسّس لجيل جديد.
- إن القانون المتطوّر للعائلة اللبنانيّة في ظلّ قانون مدني، لا يمسّ بمسألة الدين ويحترم كل مُعتقد، ولهذا القانون أسباب موجبة عديدة أهمها، استعادة الدولة لدورها التشريعي، التزام لبنان بتطبيق الاتفاقيّات الدوليّة التي صادَق
عليها، الحقّ في حريّة الاختيار، القانون العائلي المُتطوّر العصري والمواجه لقسريّة أنظمة الطوائف، تنظيم عقلاني وعادِل وعصري للعلاقات الزوجيّة، تكوين عائلات لبنانيّة عابرة للطوائف، واستكمال بناء الدولة المدنيّة، وحاليًّا تتصاعد في لبنان أعداد المتزوّجين مدنيًّا، في عَقد مدني، مسموح في الخارِج، ممنوع في الداخِل.
إن الصّراع ليسَ بين ديني/ مدني بل بين الخيار الطائفي/ وخيار الدولة. ويُعاني اللبنانيّون الآن من عبء ذاكِرة الحروب الأهليّة وأثرِها الطائفي ومن الخوف من هجوم العصبيّات الدينيّة المتنامية ومن التحايل السياسي، ويتوقون إلى الدولة وقوانينها، لا إلى سُلطات طائفيّة وأنظمة مذهبيّة وسياسيين يمتطون صهوة الدين لإفساد الدنيا، في ازدواجيّة مُتصادمة.
يتوق اللبناني، اليوم، إلى دولة مدنيّة بسائر قوانينها وشؤون مواطنيها تبتكر القانون المدني المُناسب له في مجال العدالة والكرامة والحريّة.
- تجلّت الدعوة نحو قانون الأحوال الشخصيّة المدني في مشاريع ومُبادرات وبرامج واقتراحات منذ مطلع الخمسينيّات من القرن الماضي أي بعد حوالي ثماني سنوات من تاريخ الاستقلال 1943. وتجمّع لدينا ما بين 1971 و2017 حوالي 12 مشروع قانون واقتراحًا ومذكّرات ومبادئ قدّمتها أحزاب/ وحقوقيّون / ومفكّرون/ ونوّاب/ ووزراء/ وهيئات مدنيّة/ ورئيس جمهوريّة، عدا مُبادرات فريدة من مجموعات شبابيّة/ وهيئات ثقافيّة/ وقضاة/ وكُتل سياسيّة وحتى من رجال دين.
لقد أوردتُ تعدادًا سريعًا لهذه المشاريع المؤسّسة، في المُلحق المُرفق بهذه الورقة، وهي قوانين تميّزت بالجديّة والمعرفة القانونيّة، والصياغة الدقيقة، والحِسّ الوطني. تميّزت هذه القوانين بالجديّة والمعرفة القانونيّة والصياغة الواضحة والثاقبة، والتوق إلى استعادة الدولة لقوانينها، والمُساواة في الحقوق، ومع ذلك لم يُكتب لأي منها التحقُّق عندما ارتطم بعضُها بالمواقِع الدينيّة، كما بالمؤسسات السياسيّة من وزارات أو مجالس نيابيّة أو سياسيّين حُماة الطوائف خاصة، وهو تاريخ تقدير واحترام ونضال لمن حاول وتجرّأ واجتهد، كما أنه تاريخ خيبات مُتتالية لم يوقف المُحاولات المُتجدّدة.
ومنذ بداية الخمسينيّات، بعد أقلّ من عشر سنوات على الاستقلال، واعتراضًا على توسيع صلاحيّات المحاكِم الروحيّة التزمت نِقابة المُحامين بصياغة قانون مدني، وأحالته إلى مجلس الوزراء وأعلنت إضرابًا “هزّ البلد” كما يُقال، وبعضها مشاريع طُرحت على لجنة الإدارة والعدل من نواب روّاد (روفايل لحود، قبلان عيسى الخوري) لم تُحرز غالبيّة التصويت. وبعضها اقتراحات من الحكومة مجتمعة برئاسة سامي الصلح ومن لجنة الإدارة والعدل (حبيب أبو شهلا-بهيج تقي الدين-بيار إده). كل هذه المشاريع المذكورة ركزت على نقل صلاحيّة المحاكِم الروحيّة والشرعيّة إلى قُضاة ومحاكِم مدنيّة قبل أن تتركّز على ثنائيّة قانون إلزامي أو اختياري. في الستينيات كانت أول تذكرة مشطوبة المذهب تكرّست بحُكم قضائي لسامي الشقيفي. في السبعينيات كان مشروع الحزب الديمقراطي لقانون أحوال شخصيّة موحّد من 63 مادة أعدّه عبد الله لحود وجوزف مغيزل وعندما رُفضت الزاميّته طُرح اختياريّا
1995 مع جوزف مغيزل. في الثمانينيات وفي عزّ الحرب الأهليّة طرح الحزب العلماني الديمقراطي قانون أحوال موحّد واختياري. في التسعينيات طرح الحزب السوري القومي الاجتماعي القانون الاختياري من 260 مادة الذي أُدخل إلى المجلِس ولم يُناقَش. في هذه المرحلة ظهر المشروع الأول في لبنان من 111 مادة والذي نجح رئيس الجمهوريّة (الهراوي) في المُجاهرة به وتقديمه باسمه وطرحه والتصويت عليه في مجلس الوزراء. أوقف على باب المجلس النيابي، والمشروع ما زال قائمًا شرط أن تطلبه حكومة جديدة وتُقرّر إرساله إلى المجلس.
كما قُدّم مشروع قانون من حملة ضمّت الأحزاب والنقابات وتواقيع أكثر من 60 ألف لبناني، وقّع عليه عشرة نواب، وأدخل إلى المجلس… ونشر المطران غريغوار حداد مُبادرته في صياغة مبادئ هذه المشاريع. في 2009 ظهر مشروع صليبي-يونان من (244) مادة تحوّل إلى اقتراح قانون. وتتالت بعد ذلك مشاريع وزراء ونواب، قانون اختياري (263) مادة مع الوزير يوسف تقلا، مشروع الوزير ابراهيم نجار، مشروع شكيب قرطباوي، والنائب سيرج طورسركيسيان.
ولا يفوتنا التذكير بالقانون المدني الشامل منذ الحُكم العثماني 1917، وبالقرار رقم 60 ل. ر. 1936 عن الزواج المدني المسموح في الخارج الممنوع في الداخل.
ولقد صدرت دراسات قانونيّة عديدة، وتشكّلت مواقع إلكترونيّة، وتكوّنت جمعيّات مُتخصصة، ولكن هذا التاريخ النضالي لا يزال يحاول ويبتدع حيال مواجهات ازدادت في هذه العقود شراسة مع تصاعد كل أنواع العصبيّات وخاصّة العصبيّات الطائفيّة والمذهبيّة.
إن كل المعارك الوطنيّة الشاقة للخروج من سُلطة الطوائف تتلاقى وتتشارك في مواجهة العقبات المُتمادية ورصد الحلول المُمكنة التي تُسهم من السياسة إلى القانون إلى العائلة إلى كل أفراد المجتمع في الانتقال من الانتماء الطائفي –السياسي إلى الانتماء المواطني، وتتلاقى وتنجدل في مُحاولة وقف “تسييس الدين وتديين السياسة”.
ملحق
لمحة سريعة عن مشاريع وقوانين ومُبادرات
1951-1952
إثر صُدور قانون حول توسيع صلاحيّات المحاكِم الروحيّة، شكّلت النقابة لجنة لصِياغة قانون مدني للأحوال الشخصيّة. تُوّج التحرّك بإضراب عام مفتوح للنقابة ولقصر العَدل دام ثلاثة أشهُر.
1951 الجبهة الاشتراكيّة اللبنانيّة
المكوّنة من عدد من النوّاب (كمال جنبلاط، كميل شمعون، غسان تويني وغيرهم). قدّمت اقتراحًا دون صِياغة نصّ شامِل للقانون.
1960 تاريخ أول تذكرة هويّة “مشطوبة” المذهب تكرّست بحُكم قضائي عام مع المُحامي سامي الشقيفي بدعوى رفعها بجُرأة القاضي يوسف جبران.
1971 أوّل مَشروع قانون مدني مُتكامِل ومُوحّد للأحوال الشخصيّة، تألف من 263 مادّة، رُفع إلى المجلس النيابي. أعدّه عبد الله لحود وجوزف مغيزل، وبعد 49 عامًا طرحه جوزف مغيزل اختياريّا في 80 مادّة.
1981 الحزب العِلماني الديمقراطي مَشروع قانون اختياري من 251 مادّة. أعدّه مُحامون في عِزّ الحرب الأهليّة. لم يُقدّم إلى المجلِس النيابي.
1997 الحِزب السوري القومي الاجتماعي مَشروع قانون اختياري من 260 مادّة، أُدخِل إلى المَجلِس النيابي ولم يُناقَش.
1998 الرئيس الياس الهراوي مَشروع قانون الأحوال الشخصيّة الاختياري من 111 مادّة دون أن يشمُل الإرث. طُرح على مَجلِس الوزراء بأكثريّة 20 وزيرًا إنما لم يُحوّله رئيس الوزراء إلى المَجلِس النيابي.
1999 تيّار المُجتمع المدني عبارة عن مُبادرة للمطران غريغوار حدّاد طَرحت المبادئ والخلفيّة لصياغة مَشروع قانون مدني اختياري.
2007-2013 مُبادرات لمجموعات فايسبوك جمعت حوالي 50 ألف عضو، قامت بنشاطات شبابيّة وبتكثيف للصفحات الإلكترونيّة في الدعوة إلى نِظام مدني.
2009 لجنة حُقوق المرأة اللبنانيّة، شبكة التحالُف الوطني، عرض للقواعِد العامة لمَشروع القانون المدني المُوحّد
2009 مَشروع صليبي-يونان، قانون مدني لبناني من 244 مادّة، قدّمته حركة شَمل إلى المَجلِس النيابي وتحوّل إلى اقتراح قانون.
2010 الوزير يوسف تقلا مَشروع قانون اختياري من 263 مادّة، قُدّم إلى رئاسة الحمهورّية ولم يُطرح على مَجلِس الوزراء
2013 الوزير ابراهيم نجّار، مَشروع قانون بإجازة حريّة الزواج المدني في لبنان، مع مَشروع تنظيم تنازُع القوانين التي ترعى العلاقات العائليّة.
2013 مُبادرة طلال الحُسيني لعقد زواج مدني في لبنان يشطب الإشارة إلى العقد الطائفي وحقّ هذا اللبناني بعقد زواج مدني في لبنان عند الكاتِب العدل.
2014 الوزير شكيب قرطباوي، قانون يرعى إجراء الزواج المدني الاختياري في لبنان بتعديل بعض النُصوص القانونيّة في صيغة من 4 مواد
2015 نقابة المُحامين تشكيل لجنة صياغة لمَشروع قانون الزواج المدني الاختياري.
2015 النائب سيرج طورسركيسيان، مَشروع قانون الزواج المدني من 9 مواد مع آليّة تنفيذيّة في لبنان.
وفي عودة إلى بداية القرن العشرين، لا بدّ من ذكر قانون “حُقوق العائِلة” العُثماني وهو قانون شامِل للأحوال الشخصيّة صدر سنة 1917 مع نظام المُعاملات الإداريّة التي تخوّل عقده لقاضٍ في محكمة لبنانيّة ولا تُشير إلى أي طائفة.
ولا بدّ من التذكير بالقرار رقم 60 ل.ر. 1936 الذي أعطى الحقّ بالزواج المدني شرط أن يكون خارج لبنان، مسموح في الخارِج، ممنوع في الداخِل.
اللقاء السابع 13-12-2023
“لبنان دولة المواطنة: سيادة وحياد ودعم قضايا العدل”
لمحات من اللّقاء السابع من مسار الحوارات الصّباحيّة “لبنان دولة المواطنة: سيادة وحياد ودعم قضايا العدل”.
لمشاهدة اللقاء السابع
اللقاء السابع من مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية أتى تحت عنوان “لبنان دولة المواطنة: سيادة وحياد ودعم قضايا العدل” مستلهمًا وثيقة الوفاق الوطنيّ ببنودها الإصلاحيّة وخيار العودة إلى الدّستور، لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا، تحدَّثَت فيها المحامية ندى عبد الساتر والدكتور سيمون كشر.
بيان صحفي
ملتقى التأثير المدني يُتابع مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية في لقائه السابع:
تحت عنوان “لبنان دولة المواطنة: سيادة وحياد ودعم قضايا العدل“
هيكل: مستمرون بالنّضال طالما أنّ لبنان يواجهُ مخاطر وجوديَّة
عبد الساتر: فكرة الحياد كمفهوم عام هي في صلب استقلال لبنان
كشر: لبنان ومنذ نشأته، قائم على الحياد والتوافق في صُلبه
تابع ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم مسار “الحوارات الصباحيَّة” الشهريَّة بانعقاد اللقاء السابع في فندق الجفينور – روتانا الحمرا في حضور نخبة من الشخصيات الأكاديمية والإدارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والقضاة والضباط المتقاعدين والإعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الهيئة الإداريّة للملتقى.
اللّقاء عقد تحت عنوان “لبنان دولة المواطنة: سيادة وحياد ودعم قضايا العدل” مستلهمًا وثيقة الوفاق الوطنيّ ببنودها الإصلاحيّة وخيار العودة إلى الدّستور، لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا، تحدَّثَت فيها المحامية ندى عبد الساتر والدكتور سيمون كشر.
وقائع اللقاء
في بداية اللقاء الذي قدّمت له الإعلاميّة دنيز رحمه فخري ونقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن “ملتقى التأثير المدني”، ومن ثمَّ وثائقي إستعراضي للِّقاء السادس تحت عنوان: “لبنان والمادّة 95 من الدّستور: أساس وقف تسييس الدّين وتديين السّياسة”.
كلمة هيكل
بعدها كانت كلمة عضو مجلس ادارة “ملتقى التأثير المدني” ريتشارد هيكل الذي قال: “نلتقي اليوم مرَّة جديدة والشرق الأوسط مُلْتهِبٌ بالوجع والآلام. ولقد قرّرنا في “ملتقى التأثير المدني” استمرار النّضال في سبيل بناء دولة المواطنة، هذه الرّوحيَّة التي نشأت منذ قيام دولة لبنان الكبير، ووردت في دستورها الأوّل في العام 1926″. وأضاف هيكل: “لبنان يواجهُ مخاطر وجوديَّة، لكنَّ في جيناتِه ثباتٌ في مسيرة عَوْدَتِه وطن الرّسالة، رسالة الحريَّة والأخوَّة”.
وانتهى إلى القول: “في 10/12/2019 أحْرَقَت قوى الظَّلام خيمة “ملتقى التأثير المدني” في وسط مدينة بيروت، وكانت الحلقة الحواريّة حينها حول “حياد لبنان”، وبعد أربع سنوات وثلاثة أيّام نلتقي هنا حول العنوان نفسه. الرّمزيّة تحمِل معاني كثيرة. النضال مستمرّ”.
كلمة عبد الساتر
بعدها تحدثت ميسّرة الحوار المحامية ندى عبد السّاتر فلفتت في بداية مداخلتها إلى “أنَّ لقاءنا اليوم في 13 كانون الأوّل جاء غداة احياء الأمم المتّحدة البارحة “اليوم الدولي للحياد” منذ العام 2017. وعليه فان مفهوم الحياد له أكثر من وجه سياسي وقانوني فوصفه بطرس البستاني في كتابه “محيط المحيط “بقوله “حيّد الشيء أي وضعه جانبا”. وفي “لسان العرب” لإبن منظور جاء: “حايده محايدة أي جانبه. وحاد عن الشيء أي مال عنه وعدل”. أمَّا في القانون الدولي العام فقد نصت عليه وثائق “مؤتمري السلام في لاهاي” سنة 1899 و1907 التي وضعت الأسس لمنظومة القوانين الدولية وبعد ذلك اتفاقية جنيف سنة 1949 والبرتوكولين الموقّعين تبعا لها سنة 1977″.
أضافت عبد السّاتر: فسّر “الموقع الالكتروني للأمم المتحدة” الحياد بما يتفق عليه الباحثون الحقوقيون “بأنه الوضع القانوني الناجم عن امتناع دولة عن المشاركة في حرب مع دول أخرى والحفاظ على موقف الحياد تجاه المتحاربين، واعتراف المتحاربين بهذا الامتناع وعدم التحيّز. أمَّا الحياد في تعريفه الجيو-سياسي “الضيّق” يعني الامتناع عن المشاركة في حروب الآخرين أو الدول الأخرى. ويجوز أن يكون الحياد دائم أو مؤقت، كما يجوز أن يتناول نزاعا معيّنا أو أن يكون شاملاً. ويجوز أن يكون الحياد مسلّح كسويسرا أو منزوع السلاح كليشتنشتاين. وأخيرا يجوز أن يكون اعلان الحياد نابع من إرادة محلية وطنية من الدولة المعنية أو يكون بقرار أممي يعلن الدولة المعنية بأنها دولة محايدة وهو ما يشير اليه البعض بـالتحييد”. وعليه سألت عبد السّاتر “أين لبنان من مفاهيم الحياد هذه؟ ورأت أن فكرة الحياد كمفهوم عام أو مقاربة فلسفية وجدانية هي في صلب استقلال لبنان حيث أنَّ لبنان كان بفعل تركيبه السوسيولوجي – الديني مشدودًا إلى اتجاهين. وقد ولد الميثاق الوطني الذي أرسى القواعد الكبرى لسياسة لبنان الخارجية وموقفه الدولي والعربي. وتمثلت سياسة الحياد التي ظلّت في كل العهود الاستقلالية حتى 1980 وفي جميع البيانات الوزارية المتتالية التي تضمّنت بشكل أو بآخر التزام لبنان بالحياد. علما أنه تمّ تداول وثيقة سابقة للاستقلال موقعة من مجلس ادارة متصرفية جبل لبنان في ١٠ تموز ١٩٢٠، تطالب بحياد لبنان واعادة ما سُلخ عنه من أراضٍ”.
وبعدما لفتت عبد الساتر إلى أنَّ “هذه الحقيقة التاريخية – أي تجذّر الحياد في الفكر والكيان اللبناني منذ نشأته – لا ينكرها حتى أشرس المنتقدين لفكرة الحياد”، عدَّدت مجموعة آراء لكل من صبحي المحمصاني، كمال جنبلاط، وغسان تويني.
وانتهت إلى مجموعة من الاسئلة منها: “هل يكون حياد لبنان حيادا مسلّحًا؟ وهل يكون لبنان حياديًّا في المطلق أم أن ثمّة استثناءات لهذا الحياد؟ مثلا في القضية الفلسطينية، هل تعني مناصرة هذه القضية مناصرة فكرية أم أن يضع لبنان أرضه في تصرّف الحرب أو أن يقوم بعمليات حربية؟ وهل يقبل الفرقاء المسلحون في لبنان وضع سلاحهم في خدمة صون حرّية الشعب.”
كلمة كشر
بعدها كانت مداخلة الدكتور سيمون كشر الذي قال: “عندما طلب مني أن أكون المتحدث الرئيسي في هذا اللقاء لم أتردد لدقيقة واحدة، بعد أن أطلقنا الأسبوع الفائت في الجامعة الأميركية في بيروت “مرصد الحوكمة الرشيدة والمواطنة”، وكوننا مع المدير التنفيذي للملتقى زياد الصائغ شاركنا سوياً بصياغة ورقة عمل بحثية عن سياسة لبنان الخارجية انطلاقا من لقاء الخيمة الشهير. ولذلك، رأيت نفسي أعود إلى تجربة الرئيس فؤاد شهاب ما بين عامي 1958 و1964. بأربعة عناوين مواطنة، سيادة، حياد ودعم قضايا العدل”.
وفي المواطنة قال كشر، “أراد فؤاد شهاب وُلوجَ المواطنيّة الحقَّةِ المسؤولةِ والملتزمة، من باب “تعلّقه بمفهوم العدالة الاجتماعيّة لإرساء مقوّمات جديدة للانتماء إلى الدولة”. معتبرا بانه “إذا لم يُقدِم للمواطن صورةَ دولةٍ موثوق بها، لن يستطيع أن يكسب ولاءه”. ولذلك، “أراد بناء دولة الاستقلال ليس فقط من الناحية السياسيّة، بل من ناحية التنمية أيضًا. ورأى كشر “أن ذهابه مباشرةً إلى المواطن وباتّجاه بناء المؤسّسات، فأصبح المواطن يلتحق بالدولة. ولما اصطدم بواقعِ رَفْضِ المكوّنات السّياسيّة لهذا المبدأ. ذهب نحو المواطن من خلال الدولة، ولم ينتظر أن يأتي المواطن إليها، هذا كان سرّه”.
وفي الحياد ذكر كشر بأنّ “اللقاء الذي جمع الرئيس اللواء فؤاد شهاب تحت خيمة الصفيح على الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا، مع رئيس جمهورية مصر والجمهورية العربية المتحدة وزعيم الوحدة العربية جمال عبد الناصر. شكّل منعطفًا تاريخياً لمجرد تجاوب عبد الناصر مع اقتراح نظيره اللبنانيّ وقبوله الاجتماع به تحت خيمة نصف مساحتها في الأراضي السوريّة والنصف الآخر في الأراضي اللبنانيّة، حفاظًا على كرامة لبنان ومراعاة لمشاعر شريحة كبرى من اللبنانيّين كانت ترى في الوحدة بين مصر وسوريا تهديدًا جديًا للكيان اللبنانيّ، ذلك ان هذا اللّبنان الذي هو مجموعة حضارات متوائمة، محكوم عليها بالحياد، الذي لا يجب أن يكون إيديولوجيًا بمعنى أنّه حكم على سياسة ضدّ أخرى، بل حياد عملي واقعي شبيه بسياسة كفّ اليد وعدم حرق الأصابع بنار الخصومات والمشاكل الدوليّة”.
وفي السّيادة رأى كشر أنَّ “هناك ارتباطًا كبيرًا بين سيادة بلد وسياسته الخارجية. فالشهابية اعتبرت بأن صيانة سيادة لبنان تتطلَّب سياسة أخويّة مع المحيط العربيّ مؤسّسة على التعاون المخلص، وعلى الدعم لكلّ سياسة عربيّة مشتركة. ولكن إذا انقسمت البلدان العربيّة على السياسة العربيّة-العربيّة، أو الدوليّة، على لبنان أن يتّخذ موقف الحياد تجاهها. وهو أمر لا يلغي أبدًا انفتاح لبنان على الغرب والعالم، وهو انفتاح يُمارَسْ منذ فترة طويلة وينظر إليه المسيحيّون على أنّه نوع من الحماية والأمان.”
وفي قضايا العدل أضاف كشر “لاحظ شهاب بأن مشكلة اللبنانيّ هي مشكلة اجتماعيّة قبل أن تكون مشكلة سياسيّة أو اقتصاديّة. وأن على الدولة تجاوز مهمّة تأمين العدالة والمساواة ” وتوفير أسباب النمو الاقتصاديّ، وكفالة الرزق للفرد ومستوى العيش الكريم. فعمل على إنشاء وتفعيل الادارة العامة من خلال بناء المؤسسات وتوازياً بناء المواطنة. أما بالنسبة للقضاء، فكان السلطة الأهم بالنسبة اليه”.
وانتهى كشر إلى القول أنَّ “لبنان ومنذ نشأته، كان ولا يزال ملزمًا بالتوافق بين جميع مكوّناته، والمدعوّ إلى قيادة تلك الورشة هو طبعًا رأس الدولة الذي لم تنتقص صلاحيّاته بموجب وثيقة الوفاق الوطنيّ أو اتّفاق الطائف، فالحاصلة الدُّستوريّة لوثيقة الوفاق الوطنيّ وما لحقها من تعديلات دستوريّة لم يكن نحو رئاسة فخريّة للجمهوريّة، بل نحو نمط آخر، نمط يكون فيه الرئيس الماروني للجمهوريّة فوق الطوائف والأهم من كلّ ذلك، السهر على الدُّستور حيث يتخطى مفهوم الصلاحيّات ويصل إلى مآذارة دورًا محوريًا في إرساء دولة الحق وتجسيد وحدة اللبنانيّين”.
وختاما كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.
ملتقى التأثير المدني
المكتب الإعلامي
بيروت في 13 كانون الاول 2023
كلمة عضو مجلس إدارة ملتقى التأثير المدني السيّد ريتشارد هيكل
اللّقاء السّابع
“لبنان دولة المواطنة: سيادة وحياد ودعم قضايا العدل”
كلمة السيّد ريتشارد هيكل
عضو الهيئة الإداريّة في “ملتقى التأثير المدني”
السيّدات والسّادة،
نلتقي اليوم مرَّة جديدة في اللّقاء السّابع من مسار “الحوارات الصّباحيّة” والشرق الأوسط مُلْتهِبٌ بالوجع والآلام. ولقد قرّرنا في “ملتقى التأثير المدني” استمرار النّضال في سبيل بناء دولة المواطنة، هذه الرّوحيَّة التي نشأت منذ قيام دولة لبنان الكبير، ووردت في دستورها الأوّل في العام 1926.
لبنان يواجهُ مخاطر وجوديَّة، لكنَّ في جيناتِه ثباتٌ في مسيرة عَوْدَتِه وطن الرّسالة، رسالة الحريَّة والأخوَّة.
السيّدات والسّادة،
في 10/12/2019 أحْرَقَت قوى الظَّلام خيمة “ملتقى التأثير المدني” في وسط مدينة بيروت، وكانت الحلقة الحواريّة حينها حول حياد لبنان، وبعد أربع سنوات وثلاثة أيّام نلتقي هنا حول العنوان نفسه. الرّمزيّة تحمِل معاني كثيرة. النضال مستمرّ. أهلًا وسهلًا بكم. حمى اللّه لبنان.
هذا عهدٌ علينا ووعد.
عُشتم وعاش لبنان
بيروت 13-12-2023
كلمة المحامية الأستاذة ندى عبد السّاتر / ميسّرة الحوار
اللّقاء السّابع
“لبنان دولة المواطنة
سيادة وحياد ودعم قضايا العدل”
الحياد الوطني اللّبناني
كلمة المحامية ندى عبد الساتر أبو سمرا
هل من باب الصدف أن يأتي لقاؤنا اليوم في 13 كانون الأوّل حول الحياد بالتزامن مع احياء الأمم المتّحدة ” اليوم الدولي للحياد ” حيث أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرّرت منذ العام 2017 إعلان 12 كانون الأول/كانون الأول ليكون ” اليوم الدولي للحياد”؟ فما هو مفهوم “الحياد”؟ وأين لبنان من هذا المفهوم؟
لكن قبل طرح هذه المسائل، أتوجّه بالشكر لملتقى التأثير المدني ومجلس ادارته بشخص رئيسه السيّد فيصل الخليل على وضع هذه المسألة الإستراتيجية على بساط البحث الجدّي، وأخصّ بالشكر المدير التنفيذي للملتقى الأستاذ زياد الصائغ للعمل الفكري والمهني الرفيع المستوى.
I. مفهوم الحياد
1. لغويا: جاء في محيط المحيط للأستاذ بطرس البستاني: “حيّد الشيء أي وضعه جانبا”. وفي لسان العرب لإبن منظور: “حايده محايدة أي جانبه. وحاد عن الشيء أي مال عنه وعدل”. فالسؤال إذاً: ما هو هذا “الشيء” الذي ينبغي تجنّبه والعدول عنه في الحياد في مفهومه السياسي؟
2. أما جيو- سياسيا (وفي القانون الدولي العام) لقد ورد مفهوم الحياد من خلال عدد من الاتفاقيات دون أن يتمّ اعتماد مستند مرجعي وحيد يتضمّن كافة عناصره. ومن أبرز النصوص الناظمة للحياد تلك التي تمّ اقرارها خلال مؤتمري السلام في لاهاي سنة 1899 و1907 وبعد ذلك اتفاقية جنيف سنة 1949 والبرتوكولين الموقّعين تبعا لها سنة 1977.
3. وان ميزة معاهدات لاهاي تكمن في تخطّيها الطابع “الاتفاقي” بحيث أنها تدخل ضمن المنظومة القانونية الدولية الملزمة حتى للدول التي لم توقّعها Customary Public International Law).) .
4. يعرّف الموقع الالكتروني للأمم المتحدة “الحياد” بأنه الوضع القانوني الناجم عن امتناع دولة عن المشاركة في حرب مع دول أخرى، والحفاظ على موقف الحياد تجاه المتحاربين، واعتراف المتحاربين بهذا الامتناع وعدم التحيّز. وتعتبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أن سياسات الحياد الوطنية التي تنتهجها الدول المحايدة تسـهم في تعزيز السلام والأمن الدوليين في المناطق المعنية وعلى الصعيد العالمي، ويمكن أن تـؤدي دوراً هاماً في إقامة علاقات سلمية وودية تخدم المصالح المتبادلة بين بلدان العالم. كما أن سياســات الحيــاد الوطنيــة تســتهدف تعزيــز اســتخدام الدبلوماسـية الوقائيـة،
والوسـاطة، والمسـاعي الحميـدة، وبعثات تقصي الحقائق، والتفاوض، والاستعانة بالمبعوثين الخاصين، والمشـاورات غـير الرسميـة، وبناء السلام، وأنشطة التنمية المحددة الهدف . وفي الوقت الحالي هناك مبدئيًّا 20 دولة ” محايدة ” أقدمها سويسرا (1815) وأحدثها هاييتي (2017).
5. إذاً، الحياد في تعريفه الجيوسياسي “الضيّق” هو الامتناع عن المشاركة في حروب الآخرين أو الدول الأخرى. ويجوز أن يكون الحياد دائمًا أو مؤقتًا، كما يجوز أن يكون خاصاً بحيث يتناول نزاعًا معيّنًا أو أن يكون شاملاً. كما يجوز أن يكون الحياد مسلّحًا (سويسرا) أو منزوع السلاح (الليشنشتاين). وأخيرا يجوز أن يكون إعلان الحياد نابعًا من إرادة الدولة المعنية التي تقرّر اعتماد الحياد ومن ثم تبلّغ الأمم المتّحدة بذلك (لكي يصار الى الاعتراف بحيادها مع ما يلازم ذلك من حقوق وواجبات)؛ أو يكون إعلان الحياد بقرار أممي يعلن أن الدولة المعنية هي دولة محايدة، وهو ما يشار اليه بعبارة “التحييد”.
6. فأين لبنان من مفاهيم الحياد هذه؟
II. مفهوم الحياد في لبنان
1. إنَّ ” الحياد ” كمفهوم عام (أو مقاربة فلسفية وجدانية) هو في صلب استقلال لبنان حيث أن لبنان كان بفعل تركيبه السوسيولوجي – الديني مشدود إلى اتجاهين (الشرق والغرب). وولد الميثاق الوطني الذي أرسى القواعد الكبرى لسياسة لبنان الخارجية وموقفه الدولي والعربي، وتمثلت بسياسة ” الحياد ” التي ظلّت (على الأقل نظرياً) في كل العهود الاستقلالية. وتضمّنت جميع البيانات الوزارية المتتالية على مرّ السنين في كل العهود الاستقلالية حتى 1980، بشكل أو بآخر التزام لبنان بالحياد . وتعود فكرة حياد لبنان الجيو- سياسي الى ما قبل الاستقلال وفق الوثيقة الموقّعة من مجلس ادارة متصرفية جبل لبنان في ١٠ تموز ١٩٢٠ التي تطالب بحياد لبنان واعادة ما سُلخ عنه من أراضٍ.
2. وهذه الحقيقة التاريخية، أي تجذّر الحياد في الفكر والكيان اللبناني أقلّه منذ نشأته، لا ينكرها (ولا يمكن أن ينكرها) حتى أشرس المنتقدين لفكرة الحياد لكنهم يعتبرون أن المئة سنة الماضية لم تكن صحّية للبنان واللبنانيين.
3. كما سبق بيانه، إن الحياد لا يحدّد الاّ بالنسبة للشيء الذي يتمّ الحياد عنه. وهذا “الشيء” في القانون الدولي هو “حرب الغير”. فتكون الدولة محايدة عندما ترفض الانخراط في حروب الآخرين ما عدا الدفاع عن النفس في حالة العدوان عليها. .
4. أما مفهوم الحياد اللبناني، فقد كان لكبار أصحاب الفكر والسياسة اللبنانيين مقاربات تمايزت أحيانا في بعض جوانبها. فرأى مثلا الدكتور صبحي المحمصاني أن “الحياد وعدم الانحياز كانا موقف لبنان منذ فجر استقلاله في الميدانين الدولي والعربي وبالتالي فان الحياد الإيجابي الواقعي هو ضرورة لسياسة لبنان العامة والعربية. وهي من أركان استقلاله ومن صميم عقيدته ويؤمّن الوحدة الوطنية وينبع من صميم مشيئته ويحرره من القيود والأحلاف ويؤمن استقلاله الحقيقي وعزّته وكرامته”.
5. وقد رأى الزعيم كمال جنبلاط في رؤيته للسياسة الخارجية للبنان أنه “في اية حرب مقبلة لن تتمكن الشعوب الصغيرة والمتوسطة ان تحافظ على حيادها، ولكن يمكنها ان تحفظ نفسها، منذ الساعة، في زمن السلم، وذلك بأن تتكفل في تثبيت حيادها بين المعسكرين المتحاربين، ويعتبر خائناً لقضية السلم كل من ينحاز الى احد المعسكرين لانه بذلك يكون قد اعطاه جزءاً من القوة التي يحتاجها في سبيل منازلة الخصم.” ولكنه شدّد دوما أن “لا حياد بالنسبة الى الحرية والحق، أي حق” وأنه لا يمكن أن نكون “حياديين بالنسبة الى الحرية أو بالنسبة إلى الطغيان أو للاغتصاب، كاغتصاب اسرائيل لفلسطين” .” ولم يحبّذ كمال جنبلاط عبارة “الحياد”، بل فضّل لو تعتمد عبارة ” التعاون الإيجابي ” لا سيما لأن الحياد موت وعقم، أمَّا الحياة فهي تفاعل دائم، ولأن الايجابية هي من اتجاهات الخير والتعمير والانشاء الكبرى. لا يكون الخير ولا العمل ولا الحق ولا الحرية بالامتناع عن العمل، بل بالعمل وبالتمرس بالفعل، وبالاشتراك في الصيرورة .
6. أما الرئيس فؤاد شهاب فقد اعتبر أن استقلالية لبنان تتطلب سياسة تضامنية مع البلدان العربية عندما تتفق وسياسة حياد عندما تختلف . وقد أطلق شارل حلو سنة 1958 (قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية) دعوته ال “حياد لبناني قانوني ودائم” يهدف الى تأمين الخير للبنانيين كل اللبنانيين ومصلحتهم على مبدأ: مع العرب عندما يكون بينهم اجماع وعلى الحياد عندما يقع بينهم خلاف .
7. ويقول الأستاذ غسان تويني: “أن المطلوب أن نحّيد لبنان، بنظام مضمون دولياً، عن العواصف والأهواء والمطامح والمطامع. أما كيف؟ ففي العالم البعيد نماذج يمكن أن نستلهم اختباراتها والأنظمة في سويسرا أو سواها في أوروبا الى دول في أميركا اللاتينية وسواها وصولا الى دول أسيوية محاطة مثلنا بذوي المطامع والأطماع وتصدهم بالتحييد وضماناته الأممية. … وهذا يفترض سياسة وطنية متكاملة لا تعتبر أن “قوة لبنان في ضعفه” بل تبحث للبنان عن قوة بديلة في السياسة الخارجية كما الدفاعية، قوامها حياد يوفّر لنفسه عناصر تضمن احترامه وحمايته ايجابياً “.
8. اذاً، يتبيّن أن حياد لبنان مترسّخ في الكيان اللبناني. وهذا أمر طبيعي بفعل ما تفرضه الجغرافيا والتاريخ من جهة ومصالح شعبه من جهة ثانية. وقد يكون الرأي الغالب في لبنان ضمن الداعين للحياد هو باتباع الحياد المسلّح الإيجابي بخصوصيته العربية، مع تأكيد الغالبية منهم على الانحياز التام لقضايا الحقّ والقضايا التي أجمع عليها العرب وعلى رأسها قضيّة فلسطين. لكن مع ذلك، يبقى أن مفهوم الحياد اللبناني الوطني يتطلب “ترسيما لحدوده”:
a. فهل يكون حياد لبنان حيادا مسلّحا؟
b. وهل يكون لبنان حياديا في المطلق (ما يقتضي انسحابه من جامعة الدول العربية مثلا)؟
c. وما هي استثناءات الحياد اللبناني وحدودها وبشكل خاص فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية: فهل يعني هذا التزام بينان بالقضية الفلسطينية أن يقوم بمناصرة فكرية للقضية أم أن يضع أرضه في تصرّف الحرب؟
d. وماذا عن حصر السلاح في يد الدولة والتزام لبنان بمعاهدة الهدنة وغيرها من المسائل التي نصّت عليها وثيقة الوفاق الوطني والتي يرى المحلّلون أنها تشكّل تأكيدا لمبدأ الحياد؟
e. وهل يقبل الفرقاء المسلّحون في لبنان وضع سلاحهم في خدمة صون الحياد وحرّية الشعب اللبناني وتعزيز نموّه وتطوّره وثقافته وسعادته؟
كل هذه الأسئلة وغيرها من الإشكاليات تتطلّب بحثا علمياً حول العناصر الموضوعية المكوّنة للكيان اللبناني (الجغرافيا والتاريخ والثقافة)، لكي نتمكّن من تحديد الخيار الاستراتيجي المناسب لوطننا. وقد يكون أفضل مدخل الى هذا البحث التوقّف عند حقبة تجربة الرئيس فؤاد شهاب والتي يتناولها الدكتور سيمون كشر.
ورقة عمل الدكتور سيمون كَشَر
اللّقاء السّابع
“لبنان دولة المواطنة
سيادة وحياد ودعم قضايا العدل“
كلمة الدكتور سيمون كَشَر
عندما طلب مني ملتقى التأثير المدني أن أكون المتحدث الرئيسي في اللقاء السابع من “الحوارات الصباحية”، لم أتردد لدقيقة واحدة، ليس حباً بالظهور وإلقاء المحاضرات، بل لأن عنوان اللقاء هو “لبنان دولة المواطنة: سيادة، وحياد ودعم قضايا العدل”، خصوصاً أننا اطلقنا الأسبوع الفائت في الجامعة الأميركية في بيروت “مرصد الحوكمة الرشيدة والمواطنة” الذي لي الشرف أن أكون مديره المؤسس، والذي سيعمل على إنتاج ونشر المعرفة حول المواطنة والحكم الرشيد في لبنان والمنطقة، ويهدف إلى تحسين الحوكمة الرشيدة، وتعزيز المواطنة المسؤولة، ودعم الحوار البناء والتعاون بين المواطنين وصانعي السياسات.
ولم أتردد أيضاً بقبول الدعوة، كوننا مع المدير التنفيذي للملتقى ومنذ مدة ليست بطويلة (يمكن ثلاث اسابيع)، شاركنا سوياً بصياغة ورقة عمل بحثية عن سياسة لبنان الخارجية انطلاقا من لقاء الخيمة الشهير.
إنطلاقا مما تقدم، رأيت نفسي وأنا أحضر كلمتي تلك، رأيت نفسي أعود إلى تلك الحقبة من تاريخ لبنان، حيث عرف لبنان كدولة مواطنة وسيادة وحياد وعدل – وهو ما يعكس عنوان هذا اللقاء – قصدت بتلك الحقبة تجربة الرئيس فؤاد شهاب ما بين عامي 1958 و1964. وقبل الغوص في صلب الموضوع، دعوني أؤكد ما قاله غيري عن التجربة الشهابية؛ فجورج نقاش وصفها بأنها “نهج جديد”، وهذا ما ألمح إليه غسان تويني عند نهاية ولاية الرئيس شهاب عندما كتب: “إن دور فؤاد شهاب، بل رسالة فؤاد شهاب لم تنته”.
عن ماذا نتكلم اليوم؟ نتكلم عن مواطنة وسيادة وحياد ودعم قضايا العدل. فلنعد إلى العام 1959.
في المواطنة
من باب العدالة الاجتماعيّة أراد فؤاد شهاب وُلوجَ المواطنيّة الحقَّةِ المسؤولةِ والملتزمة، لا من معبر انتساب الطوائف إلى كيان الدولة، فترعى هذه مصالح الطوائف مقدار ما يحقّق توزّعها الحصص وتقاسمها المكاسب ومحافظتها على مواقع النظام. كان ذلك مغزى تعلّقه بمفهوم العدالة الاجتماعيّة لإرساء مقوّمات جديدة للانتماء إلى الدولة. إعتقد فؤاد شهاب بأنّه إذا لم يُقدِم للمواطن صورةَ دولةٍ موثوق بها، لن يستطيع أن يكسب ولاءه. كانت مشكلته مع المواطن، بأنّ المواطن اللبنانيّ المسيحيّ يعتبر لبنان وطنه ودولته، وهناك مواطن لبنانيّ مسلم يعتبر لبنان نصف دولته، وهناك أيضًا مواطن لبنانيّ في جرود لبنان بلا أيّ حقوق. بهدف توحيد المواطنيّة، أراد الذهاب إليهم واستعادة ثقتهم.
اِعتبر شهاب بأنّه يجب على الدولة أن تقوم بواجباتها كي يشعر المواطن بمواطنيّته، لذلك أراد بناء دولة الاستقلال ليس فقط من الناحية السياسيّة، بل من ناحية التنمية أيضًا، فراهن على تجاوب المواطن عندما شعر هذا المواطن بأنّ الدولة مهتمّة بأموره الحياتيّة والمعيشيّة. ورأى أن ذهابه مباشرةً إلى المواطن لن يصلح بسبب سيطرة الطبقة السّياسيّة عليه وعلى البلد، فذهب باتّجاه بناء الدولة من خلال بناء المؤسّسات، فأصبح المواطن يلتحق بالدولة. آمن شهاب بأنّ إرساء دولة الاستقلال لا يكفي بالتعويل على وجود قوّات أمنيّة وقوّات مسلّحة للدفاع عن الحدود، وحماية الأمن اللبنانيّ من أي اعتداءات من الخارج، بل يتطلّب أيضًا ولادة دولة الاستقلال من المشاركة التي ينخرط فيها اللبنانيّون جميعًا دون استثناء، وبالرغم من نيّته وعمله على بناء دولة بانية للمواطن ومواطن بانٍ للدولة، إصطدم بواقعِ رَفْضِ المكوّنات السّياسيّة لهذا المبدأ. ذهب فؤاد شهاب نحو المواطن من خلال الدولة، ولم ينتظر أن يأتي المواطن إليها؛ هذا كان سرّه.
في الحياد
في الخامس والعشرين من شهر آذار من العام 1959، جلس رئيس الجمهورية اللبنانية اللواء فؤاد شهاب تحت خيمة الصفيح على الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا، وجلس مقابله رئيس جمهورية مصر والجمهورية العربية المتحدة وزعيم الوحدة العربية جمال عبد الناصر. شكّل هذا اللقاء منعطفًا تاريخياً في السياسة اللبنانيّة؛ فالعبرة الأولى منه كانت أوًلاً في تجاوب الرئيس عبد الناصر مع اقتراح نظيره اللبنانيّ وقبوله الاجتماع به تحت خيمة نصف مساحتها في الأراضي السوريّة والنصف الآخر في الأراضي اللبنانيّة، حفاظًا على كرامة لبنان ومراعاة لمشاعر شريحة كبرى من اللبنانيّين كانت ترى في الوحدة بين مصر وسوريا تهديدًا جديًا للكيان اللبنانيّ. هذا ال “لبنان” الذي هو مجموعة حضارات متوائمة، محكوم عليها بالحياد، حياد لا يجب أن يكون إيديولوجيًا بمعنى أنّه حكم على سياسة ضدّ أخرى، بل حياد عملي واقعي شبيه بسياسة كفّ اليد وعدم حرق الأصابع بنار الخصومات والمشاكل الدوليّة. وكما يقول الدكتور ناصيف حتّي “إننا نحتاج إلى تبّني مسار حياد سياسي يختلف تماماً عن مفهوم الحياد القانوني الذي لا يمكننا تبنّيه ولا نحتاج إلى القيام بذلك. لبنان دولة عربية، وعضو مؤسس في جامعة الدول العربية، لذلك لا يمكن أن يكون محايداً على هذا النحو. هذا يعني أن لبنان، بسبب بنيته المجتمعية والتنوع السياسي الناجم عنها وبسبب موقعه الجيوسياسي لا يحتاج إلى الدخول في أي تحالف ضد تحالف آخر في المنطقة لأنه سيتحمّل تكلفة مواجهة القوة والمنافسة هذه”.
في السيادة
هناك ارتباط كبير بين سيادة بلد وسياسته الخارجية. فالشهابية إعتبرت بأن صيانة سيادة لبنان تتطلَّب سياسة أخويّة مع المحيط العربيّ مؤسّسة على التعاون المخلص، وعلى الدعم لكلّ سياسة عربيّة مشتركة. ولكن إذا انقسمت البلدان العربيّة على السياسة العربيّة-العربيّة، أو الدوليّة، على لبنان أن يتّخذ موقف الحياد تجاهها. كما أنّ الشهابيّة تعتبر أنّ التعاون الوثيق بين لبنان والبلدان العربيّة، لا يلغي أبدًا انفتاح لبنان على الغرب والعالم، وهو انفتاح يُمارَسْ منذ فترة طويلة وينظر إليه المسيحيّون على أنّه نوع من الحماية والأمان.
في قضايا العدل
لاحظ شهاب بأن مشكلة اللبنانيّ هي مشكلة اجتماعيّة قبل أن تكون مشكلة سياسيّة أو اقتصاديّة. فعليه لا يمكن للدولة أن تنتظر المواطن بأنّ يأتي إليها، بل يجب عليها هي أن تذهب إليه. إن على الدولة أن تتجاوز مهمّة تأمين العدالة والمساواة والنظام إلى تعزيز الفضيلة، ورعاية التقدم، والعمل على ازدهار العلم، وتوفير أسباب النمو الاقتصاديّ، وكفالة الرزق للفرد ومستوى العيش الكريم. فعمل على إنشاء وتفعيل الادارة العامة من خلال بناء المؤسسات وتوازياً بناء المواطنة.
تجلت المبادئ الشهابية من خلال عدة نقاط. فشهاب كان مأخوذًا بفكرة العدالة الاجتماعيّة ومنحازًا للتنمية، وكان مشدودًا دومًا إلى الاستقلال والسيادة. وفي الوحدة الوطنيّة، كان يؤمن بأنّه لا بناء لمجتمع إلا ببناء وحدة وطنيّة والعكس، وأدرك أن الوحدة الوطنيّة لا تبنى إلا من خلال الديمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة. أما بالنسبة للقضاء، فكان السلطة الأهم بالنسبة له وأراد أن يسير الدولة على الطريق الصحيح من خلال المسار الصحيح للقضاء بالإضافة إلى الإدارة العامّة.
من المؤكَّد أنّ المرحلة المسمّاة بالشهابيّة وعلى وجه الدقّة مرحلة ولاية الرئيس فؤاد شهاب، كانت مرحلة حاسمة في مسارٍ تاريخيّ للبنان-الدولة. لقد أدرك الرئيس شهاب أنّ لبنان لا يمكن أن يتقدّم ويتطوّر كدولةٍ مستقرّة وسيِّدة إذا لم يتجاوز أسباب فرقته الداخليّة التي تمزّقه، أي فقدان العدالة الاجتماعيّة في بُعدها الجغرافيّ والشعبيّ، لذا انصبّ معظم عهده في اتّجاه القضيّة الاجتماعيّة. وإذا كانت الجهود التي بذلتها الشهابيّة لمعالجة نقائص النظام السّياسيّ اللبنانيّ لم تصل إلى نتائجها المرجوّة، فذلك يعود إلى “تعثُّرات” الشهابيّة؛ وإلى أسبابٍ خارجيّة، وإلى عيوبٍ داخل بنيّة النظام السّياسيّ اللبنانيّ.
بالعودة إلى ما يجري اليوم، يقول أنطوان مسرّه: “المطلوب هو عملية لتجليس العقول، والعودة إلى قواعد الإعراب للدستور اللبناني والسياسة اللبنانية… ” إن روح ونهج فؤاد شهاب يعودان اليوم بعد ستين سنة. هذا النهج الذي لم يفهم يومًا، ولكن في المحصّلة، أثمر بعد ستين سنة من خلال الجيش اللبناني الذي هو جيش لبنان وليس جيش نظام، كما أثمر بإعادة الساحة العامة، وإعادة المواطنية التي كان يفتقر إليها فؤاد شهاب لدعم الحكم. كما أثمر بالسياسة القريبة من الناس، البراغماتية، وليس لصالح زعامات وأحزاب تتبادل منافع ومصالح… ما حصل يطرح سؤالًا على كافة الطبقة السياسية إذا كانت في خدمة المواطن أم في خدمة أتباع وزبائن. فالمطلوب اليوم تطبيق القوانين؛ لا يوجد اليوم قانون واحد مطبّق بشكلٍ كامل أو من دون انحراف. فهناك انحرافات كبرى في كثير من القضايا الدستورية التي لا تحتاج إلى علم كبير ولا إلى تفسيرات كبيرة. فضرب مبدأ تشكيل الحكومات ليصبح كبرلمانٍ مصغّر هو ضحية الميثاقية، وضرب مبدأ التصويت داخل مجلس الوزراء هو أيضًا ضحية الميثاقية، وضرب آلية تأليف الحكومات وتعطيل المؤسّسات هو أيضًا ضحية الميثاقية…” لسنا بحاجة إلى أي دستور جديد أو تعديلات دستورية. الدستور اللبناني غير طائفي، فالمادة 12 واضحة من ناحية الكفاءة والجدارة، كما المادة 95، فموضوع التمييز الإيجابي (Discrimination Positive)، أي قاعدة الكوتا هدفه إعطاء أمانة نفسية وتجنيب العزل الدائم للناس، لكن تمّ تطبيقه بالطريقة الخاطئة، فأصبح المواطن ضحية مخادعة كبيرة وهي استعمال الحقيقة لخداع الناس. نعيش في لبنان حالة مخادعة.
لا يمكن لأي مجموعةٍ عامّة وفي لبنان خاصّة، سياسيّةً كانت أم ثقافيّة، أم اجتماعيّة، أم دينيّة، أم طائفيّة أن تنتصر على مجموعة أخرى. فالمجتمعات التعدديّة تبنى عندما تعزّز الانتماءات الجماعيّة بعضها البعض حيث تتكوّن الدولة من أقسامٍ ثقافيّة مختلفة، ويتعيّن على الدول التعدّديّة التوفيق بين عمليّات توطيد العلاقات داخل الجماعات الوطنيّة، وبناء علاقات بين الأقلّيات الأخرى. “وكلّ نظام مثل النظام اللبناني يواجه أزمة سلطة في غياب شرعية قوية في الثقافة السياسية وفي ركائز النظام”.
منذ نشأته، كان لبنان ولا يزال ملزم بالتوافق بين جميع مكوّناته. والمدعوّ إلى قيادة تلك الورشة هو طبعًا رأس الدولة الذي لم تنتقص صلاحيّاته بموجب وثيقة الوفاق الوطنيّ أو اتّفاق الطائف، فوحده رئيس الجمهوريّة يمكنه توفير الديناميكيّة التي يحتاجها بلد سريع التغيير، وأداؤه سواء قبل الطائف أو بعده، يعتمد كثيرًا على شخصيّته الجامعة وتمتّعه بشعبيّة معيّنة، وترفُّعه عن المحاصصة والانقسامات، ولعب دوره كرئيس لكل البلد ومؤسّساته وسلطاته الثلاث وشعبه بجميع أطيافه ورجوعه للدستور حصرًا. عندها يكون الرئيس قد قضى قصته للعلى في ظلّ اتّفاق الطائف أو بدونه. فالحاصلة الدُّستوريّة لوثيقة الوفاق الوطنيّ وما لحقها من تعديلات دستوريّة لم يكن نحو رئاسة فخريّة للجمهوريّة، بل نحو نمط آخر، نمط يكون فيه الرئيس الماروني للجمهوريّة فوق الطوائف والأهم من كلّ ذلك، السهر على الدُّستور حيث يتخطى مفهوم الصلاحيّات ويصل إلى مآذارة دورًا محوريًا في إرساء دولة الحق وتجسيد وحدة اللبنانيّين.
حين فتحت وثيقة الوفاق الوطنيّ مجالًا يعلو على منطق الصلاحيّات، إنتقل أو ارتفع رئيس الجمهوريّة من الصلاحيّات إلى الدور، فبات لديه صلاحيّة فوق الصلاحيّات وتنازعها وتقاسمها، صلاحيّة القيادة المعنويّة للوطن، وحراسة مبدأ القاعدة الحقوقيّة. هو مراقب دستوريّ في كلّ قضيّة ومشروع قانون أو مرسوم، وهو دستوريّ وحقوقيّ قبل المجلس الدُّستوريّ المؤسّسيّ.
إن الاستقلال هو ورشة بناء دائماً من خلال كل مواطن ومن خلال العمل اليومي لكل مواطن أينما حل في لبنان. فإذا اعتبرنا بأن الدولة اللبنانية تمر الآن بمرحلة جديدة من مراحل حياتها، وهي مرحلة تركيز الحياة اللبنانية العامة على أسس سليمة ثابتة من الحرية والعدل والعلم، يتعين فيها لكل لبناني حقه على الدولة، وعلى المجتمع، من العيش وكرامة العيش؛ ويتعين فيها للدولة، وللمجتمع، حقهم على كل لبناني من الولاء وأعباء الولاء”.
عندها نستطيع أن نقيس مدى جديّة وإمكانيّة تغيير سياسيّ في ظلّ مجتمع تعدّديّ كلبنان، وعندها لن تكون التعدّديّة الثقافيّة والاجتماعيّة والدينيّة والطائفيّة عقبة في وجه هذا التغيير. وحينها نستطيع القول بأن لبنان دولة مواطنة عن حق وتتجلى فيه سيادة حقيقية وحياد فعال وقضايا عدل ممكنة.
اللقاء الثامن 13-03-2024
“لبنان دولة المواطنة والشراكة الوطنيّة مع الاغتراب“
لمحات من اللّقاء الثامن من مسار الحوارات الصّباحيّة “لبنان دولة المواطنة والشراكة الوطنيّة مع الاغتراب”.
لمشاهدة اللقاء الثامن
اللقاء الثامن من مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية أتى تحت عنوان “لبنان دولة المواطنة والشراكة الوطنيّة مع الاغتراب” بهدف القاء الضوء على “موقف المغتربين اللبنانيين من مفهوم المواطنة الفعالة ومن مفهوم القيادة المغايرة”. انطلاقا من حرص الملتقى على دور المغتربين ودعوتهم الى المشاركة في صياغة لبنان المستقبل ووضع قدراتهم “لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا”.
بيان صحفي
ملتقى التأثير المدني في لقائه الثامن من “الحوارات الصباحية“:
“لبنان دولة المواطنة والشراكة الوطنية مع الاغتراب“
الصواف: الاغتراب فخرنا وشراكتنا معه استراتيجية
القصيفي: المغتربون في البلدان المتقدمة، أقرب إلى شخصيّة “المواطن العالمي“
الريحاني: لا نثق بعد اليوم بدولة تخالف الدستور، ولا بدولة منقوصة السيادة
تابع ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم مسار “الحوارات الصباحيَّة” الشهريَّة بانعقاد اللقاء الثامن في فندق الجفينور – روتانا الحمرا في حضور نخبة من الشخصيات الأكاديمية والإدارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والقضاة والضباط المتقاعدين والإعلاميات والاعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الهيئة الإداريّة للملتقى.
اللّقاء عقد تحت عنوان “لبنان دولة المواطنة والشراكة الوطنية مع الاغتراب” بهدف القاء الضوء على “موقف المغتربين اللبنانيين من مفهوم المواطنة الفعالة ومن مفهوم القيادة المغايرة”. انطلاقا من حرص الملتقى على دور المغتربين ودعوتهم الى المشاركة في صياغة لبنان المستقبل ووضع قدراتهم “لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معًا”.
وقائع اللقاء
في بداية اللقاء الذي قدّمت له الإعلاميّة سيلينا بريدي، ونقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن “ملتقى التأثير المدني”، ومن ثمَّ وثائقي إستعراضي للِّقاء السابع تحت عنوان: “لبنان دولة المواطنة: سيادة وحياد ودعم قضايا العدل”.
كلمة الصواف
بعدها كانت كلمة عضو الهيئة الإدارية لملتقى التأثير المدني المعتز الصواف الذي قال: “أن ما يعنينا في “ملتقى التأثير المدني” ولُبْنان يواجِهُ تحدّيات خطيرة، استمرار النّضال في سبيل بناء دولة المواطنة، هذه الرّوحيَّة التي نشأت منذ قيام دولة لبنان الكبير، ووردت في دستورها الأوّل في العام 1926.”
وأضاف: قناعتنا “ان لُبْنان لا يقوم إلّا بجناحَيْه المقيم والمغترب، من هُنا كان مسار الملتقى في تواصُلِه وتنسيقِه مع الاغتراب عميقًا، الإغتِراب فخرُنا وشراكتنا معه استراتيجيّة. أهلًا وسهلًا بكم. حمى اللّه لبنان”.
كلمة القصيفي
بعدها تحدثت ميسّرة الحوار الإعلامية باميلا ابراهيم القصيفي فقالت: “نحتاج اليوم إلى وطنيين وهم أكثريّة في الاغتراب، يرفعون شعار حبّ الوطن وحبّ أرضه”. ولذلك “لا يمكن تصوّر لبنان من دون مغتربيه، ولا إغفال خصوصيّات العلاقة التي تربطهم بأرض الوطن، ولا اتساع الانتشار اللبناني في العالم. فلكل اغتراب قصّة من حيث مدة الانقطاع ووتيرة التواصل مع البلاد. ونرى صورة لبنانيي الخارج، لاسيما في البلدان المتقدمة، أقرب إلى شخصيّة “المواطن العالمي” في ميوله وفي أنماط عيشه. نجدهم ينخرطون بدون تعقيد في المجتمعات الجديدة. ينهلون من ثقافتها التي تعزز الإنسان الفرد، بغض النظر عن الجنس والعرق والدين، يحترمون الأنظمة والقوانين، يتقبلون بسهولة لافتة قيم المواطنة. ويتمسكون بقيمة الحرية الشخصية التي تمكّنهم من تنمية قدراتهم ومواهبهم، من غير معوقات كبرى، كما هي الحال في لبنان.
واضافت القصيفي: “نحن بأمسّ الحاجة اليوم الى هذه الصورة المتحررة من كل طائفية ومصلحة شخصية” وعلى لبنانيي الداخل “أخذ العبر من لبنانيي الإغتراب الذين حلّقوا في مختلف المجالات وباتوا العمود الفقري لبلدهم الأم واقتصاده الذي يتنفس اليوم من رئة الإغتراب أكثر من أي وقت مضى”.
وانتهت الى القول “لا بدّ أن نؤكد على أهميَّة هذا الإغتراب في التَّأثير والمُشاركة في الأعمال التجاريَّة والقرارات السياسيَّة والاجتماعيَّة، وتعزيز فُرَص الاستثمار والتنمية الاقتصاديَّة والماليَّة في لبنان”، والى ما “يُساهِم في تماسُك النسيج الاجتماعي الوطني والسَّعي الدؤوب من أجل النُّهوض بالبلد على كافة الأصعدة والحفاظ على هويته الإقتصادية الحرة.
كلمة الريحاني
بعدها كانت مداخلة الأستاذة مي الريحاني التي قالت:” نحن المغتربون نفهم ونحلل ونقيم حضارة لبنان كحضارة مركبة وليست مبسطة” ـ ذلك ان “أن ما يميز حضارة لبنان هو انها هي الجسر الرابط بين الشرق والغرب، تتأثر حضارتنا بأبعاد الغرب الثقافية والتكنولوجية وخاصة بعلاقة الغرب مع المستقبل”، كما تتأثر وتتعاطى مع أجواء محيط لبنان الشرقي الغني بالروحانيات والقيم الاجتماعية”. وما يحتوي البعد العربي الغني بتراثه وتطلعاته”.
وقالت: “بالنسبة للمغتربين، هذه الهوية هي جوهر لبنان، وأساس ماضي وحاضر ومستقبل لبنان”. اما بالنسبة لمفهوم المواطنة فنحن المغتربون نلخصه بـ “الحقوق والواجبات تحت سقف الدستور من خلال احترام القوانين ومسؤولية تطبيقها”. فلا علاقة للمواطنة “بمفاهيم الولاء أولا لشريحة معينة من الشعب أو لطبقة أو لعائلة او حتى لحزب قبل الولاء للوطن” ـ صعب جدا ان يتقدم الوطن “دون التأكيد على أولوية الولاء له، فكل الولاءات الأخرى هي اقل اهمية”. ففي “النهاية “المواطنة هي عقد بين الوطن والمواطن مبني على المبادئ والقيم التي ذكرت ولا مساومة عليها”. ومن هنا ايضا ينبع عمل المغتربين ويستمر ويقوى عندما يمر لبنان بأزمات معقدة وفي بعض الأحيان وجودية”ـ فيصبحون عندها “صوت وضمير لبنان في الخارج”. يشرحون للمجتمعات ولحكومات هذه المجتمعات حقيقة الوضع ويطالبون أصحاب القرار بمساعدة لبنان ومؤسساته”. وعلى سبيل المثال وليس الحصر “أظن ان الجميع يعلم كم كان ولا يزال دور المغتربين اللبنانيين فعالا بالنسبة للقرار الأميركي بدعم مؤسسة الجيش اللبناني”ـ
ونوهت الريحاني بدور الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم التي أكدت في مؤتمرها السنوي في تشرين الثاني سنة 2023 في باريس على مجموعة من النقاط – الثوابت ومنها: ضرورة حصر السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية، وحصر تنفيذه الجيش اللبناني مع المطالبة بتطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بلبنان لا سيما القرارين 1701 و 1559. كما الوصول إلى انتخاب رئيس او رئيسة للجمهورية سيادي واصلاحي لتفادي المزيد من التدهور ومن أجل انتظام عمل المؤسسات من خلال تطبيق الدستور.
ولذلك دعت الريحاني الى “قيام شراكة بين لبنان المقيم ولبنان المغترب، ليعملوا معا من أجل مصلحة لبنان العليا”. فاللبنانيون “لا يثقون بعد اليوم بدولة تخالف الدستور، ولا بدولة منقوصة السيادة، ولا بدولة سخرت القوانين لوضع اليد على الأموال العامة والخاصة من أجل خدمة الفاسدين”.
واستعرضت الريحاني ما سمته “المفاهيم التي ان فهمها القائد وان طبقتها القيادات السياسية والغير سياسية تتحول الى شروط وأسباب النجاح”. ومنها اعتناق “رؤية واضحة” تشكل بوصلة للقائد وفريق عمله من اجل الوصول الى “أهداف واضحة” تؤسس للبحث عن “الحلول الناجحة”. وكل ذلك يستلزم “الجدية في العمل والايمان بالنتائج الإِيجابية”: وهذا يتطلَّب ثقةً بالنفس، وقدرةً على الأَمل، “تنمي الشعور بالشجاعة والتميز”.
وانتهت الريحاني الى القول” إِنَّ لبنان يعيش اليوم، فترةً من أسواء فتراته سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا”. وتعرفون أَن “شبح إمكانية توسع الحرب يزيد الأزمة الوجودية عمقا، ويزداد الفقر وتقلِّ مستويات الاستقرار والأمن داخل وطننا”. ولهذا “على اللبنانيين تحدي الأمر الواقع عن طريق المطالبة بإيجاد وانتخاب قيادة جديدة مغايرة تأخذ بزمام المبادرة لإحداث تغيير جذري في لبنان، ابتداء بالالتزام بدور لبنان الإيجابي ضمن محيطه العربي، والفعال على الساحة العالمية”. وتعيد وضع لبنان “على المسار المؤْمن بالمواطنة، بالحريات، بالمساواة، وبالتنوُّع، وحيث الفساد مرفوض ولا يآذار، وحيث قوة العدالة أَكثر فعالية من قوةً القمع” وكل ذلك من اجل “ايجاد الحلول للمشاكل المستعصية من اجل خلق مستقبل أَفضل للبنان ولشعبه”ـ
ملتقى التأثير المدني
المكتب الإعلامي
بيروت الأربعاء 13 أذار 2024
كلمة عضو مجلس إدارة ملتقى التأثير المدني السيّد المعتز الصواف
اللّقاء الثامن
“لبنان دولة المواطنة والشراكة الوطنيّة مع الاغتراب”
كلمة السيّد المعتزّ الصوَّاف
عضو الهيئة الإداريّة في “ملتقى التأثير المدني”
السيّدات والسّادة،
نلتقي اليوم مرَّة جديدة في اللّقاء الثامن من مسار “الحوارات الصّباحيّة” والشرق الأوسط ولُبْنان يواجِهُ تحدّيات خطيرة. رغم هذه التحدّيات، يعنينا في “ملتقى التأثير المدني” استمرار النّضال في سبيل بناء دولة المواطنة، هذه الرّوحيَّة التي نشأت منذ قيام دولة لبنان الكبير، ووردت في دستورها الأوّل في العام 1926.
السيّدات والسّادة،
لُبْنان لا يقوم إلّا بجناحَيْه المقيم والمغترب، من هُنا كان مسار “ملتقى التأثير المدني” في تواصُلِه وتنسيقِه مع الاغتراب عميقًا. الإغتِراب فخرُنا وشراكتنا معه استراتيجيّة. أهلًا وسهلًا بكم. حمى اللّه لبنان.
هذا عهدٌ علينا ووعد.
عُشتم وعاش لبنان
بيروت 13-03-2024
كلمة الإعلامية باميلا ابراهيم القصيفي / ميسّرة الحوار
اللّقاء الثامن
“لبنان دولة المواطنة والشراكة الوطنيّة مع الاغتراب“
كلمة الإعلاميَّة باميلا ابراهيم القصيفي
نحن نؤمن أنّ الإغتراب هو الذي يُحافظ على دور لبنان الفعلي وصموده ونؤكِّد على أهميّة وأولوية التكاتف بين لبنان المغترب ولبنان المقيم للحفاظ على هوية البلد، على إقتصاده الحرّ، على حوار الحضارات والعمل على توطيد وتحسين علاقاته الدولية خاصةً مع محيطه العربي.
لعل المواطنة نوع جديد من ”الوطنية“ تعترف بمعنى الانتماء إلى مجال جغرافي-تاريخي واحد من الشرق العربي. فتكوّن في لبنان، وطنية لبنانية حريصة على كينونتها وتاريخ مجتمعها المتعدد في انفتاحاته، وتبني الدولة المدنية العادلة والمجتمع على أسس انسانية بعيدة عن المحسوبيات.
نحتاج اليوم إلى وطنيين وهم أكثرية في الاغتراب، يرفعون شعار حبّ الوطن وحبّ أرضه. فكيف نُقيّم أهميّة الدور الذي يلعبه هذا الإغتراب في كافة المجالات؟
لا يمكن تصوّر لبنان من دون مغتربيه، ولا إغفال خصوصيات العلاقة التي تربطهم بأرض الوطن، ولا اتساع الانتشار اللبناني في العالم. فلكل اغتراب قصة من حيث مدة الانقطاع ووتيرة التواصل مع البلاد. ونرى صورة لبنانيي الخارج، لاسيما في البلدان المتقدمة، أقرب إلى شخصية “المواطن العالمي” ونجدهم ينخرطون بدون تعقيد في المجتمعات الجديدة. ينهلون من ثقافتها التي تعزز الإنسان الفرد، بغض النظر عن الجنس والعرق والدين، يحترمون الأنظمة والقوانين، يتقبلون بسهولة لافتة قيم المواطنة. ويتمسكون بقيمة الحرية الشخصية التي يترجموها من غير معوقات كبرى. ونحن بأمسّ الحاجة اليوم الى هذه الصورة المتحررة من كل طائفية ومصلحة شخصية إلى مواطن يحصَل على حقوقه ويقوم بواجباته في وطن يؤمّن له العدالة والمساواة.
يُحلّق لبنانيو الإغتراب في مختلف الميادين ويُشكّلون العامود الفقري لبلدهم الأم ولإقتصاده الذي يتنفس اليوم من رئة الإغتراب أكثر من أي وقت مضى ولكن ما هي الضمانات التي نُقدّمها لهم؟ ماهي الأرضية التي يطمحون التعامل معها والتعاون مع مؤسساتها؟ هل سيُشاركون بنسب أكبر في العملية الإنتخابية المقبلة؟
إذاً المطلوب من لبنانيي الداخل معرفة مدى جديّة هذا الإغتراب في التَّأثير والمُشاركة في القرارات السياسيَّة والاجتماعيَّة وفي تعزيز فُرَص الاستثمار والتنمية الاقتصاديَّة والماليَّة في لبنان كما نشير أيضاً الى ضرورة المواطنة وعودة الإنتماء الوطني على حساب الانتماء الطائفي.
ونشدد على التكاتُف الاجتماعي الذي يُساهِم في تماسُك النسيج الاجتماعي الوطني والسَّعي الدؤوب من أجل النُّهوض بالبلد على كافة الأصعدة خاصة ًمن ناحية الحفاظ على هويته الإقتصادية الحرة. ونحن نؤمن بنجاح اللبنانيين في الخارج وتبوّئهم أعلى المراكز ونثمّن دعمهم المعنوي والفعلي والإستمرار في صناعة الأمل وصناعة وطن حقيقي لجميع اللبنانيين.
نتمنى أن نتقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام “عسى أن نستفيق من سباتنا ونصنع تاريخنا بأيدينا، ونبني لبناننا”. (جبران خليل جبران).
ومن هذا المنبر بالذات ندعو الإغتراب أن يكونوا خشبة الخلاص في الحفاظ على مؤسسات الدولة وجيشه وأن لا يتوانوا عن المشاركة في الإستحقاق الإنتخابي المقبل وأن يُكثفوا إستثماراتهم في أرض الوطن.
إنطلاقاً من الغنى في القدرات البشرية اللبنانية وإيماناً منا بلبنان أرض العدالة والحرية يشرفني الترحيب بالسيدة مي الريحاني وأعطي الكلمة لها…
ورقة عمل الأستاذة مي الريحاني
اللّقاء الثامن
“لبنان دولة المواطنة والشراكة الوطنيّة مع الاغتراب”
موقف المغتربين اللبنانيين من مفهوم المواطنة الفعالة ومن مفهوم القيادة المغايرة
ورقة عمل الأستاذة مي الريحاني
نحن المغتربون نفهم ونحلّل ونقيم حضارة لبنان كحضارة مركبّة وليست مبسّطة ـ حضارة ذات أبعاد وليست حضارة مبنيّة على بعدٍ واحد. وكما كتب مؤخرًا الدكتور وجيه قانصو “لبنان ينفتح على الغرب ويَقبِل إليه بحماس ويتأثّر بأنماط عيشه ومسلكه، ومع ذلك يحتفظ بعمقه الشرقي الضارب في حكايات التاريخ الأولى” أزيد وأقول ما يميّز حضارة لبنان هو أنها هي الجسر الرابط بين الشرق والغرب، تتأثر حضارتنا بأبعاد الغرب الثقافيّة والتكنولوجيّة وخاصّة بعلاقة الغرب مع المستقبل، كما تتأثر وتتعاطى مع أجواء محيط لبنان الشرقي الغني بالروحانيّات والقيم الاجتماعية، خاصّة أن هذا البعد الشرقي يحتوي البعد العربي الغني بتراثه وتطلعاته.
من هذا المنطلق الذي يقدّر هذه الحضارة الفريدة والمميزة، ينبع تعلق اللّبنانيين المغتربين بهويّة لبنان المبنية على التعدديّة، والديمقراطيّة، واحترام الحريّات، والعيش المشترك ـ بالنسبة للمغتربين هذه الهويّة هي جوهر لبنان، وأساس ماضي وحاضر ومستقبل لبنان ـ بالنسبة لنا، نحن المغتربون، الكيان اللّبناني بُنِيَ على هذا الأساس ـ ومن هنا ينبع دفاع المغتربين المستمر عن هذه الهويّة التي تقوي انتماءهم للبنان ـ
أمَّا بالنسبة لمفهوم المواطنة فنحن المغتربون نلخصّه بالحقوق والواجبات تحت سقف الدستور من خلال احترام القوانين ومسؤولية تطبيقها ـ هذا المفهوم يتضمن أيضًا مفاهيم أُخرى منها نهائيّة الكيان اللّبناني ومسؤوليّة المؤسّسات اللبنانيّة على تأمين المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين جميعًا ـ على أفراد المجتمع اللبناني أن يكونوا متساوين في الحقوق والواجبات تجاه الوطن ـ مفهومٌ واضح وأساسي لتقويّة مبدأ الانتماء إلى الوطن ـ
بالنسبة للمغتربين لا علاقة للمواطنة بمفاهيم الولاء أوّلًا لشريحة معيّنة من الشّعب أو لطبقة معينة أو لعائلة أو حتى لحزب قبل الولاء للوطن. صعبٌ جدّا أن يتقدّم الوطن دون التأكيد على أولويّة الولاء له ـ كلّ الولاءات الأُخرى هي أقلّ أهميّة ـ
في النهاية المواطنة هي عقد بين الوطن والمواطن وهذا العقد مبني على المبادئ والقيم التي ذكرت ولا مساومة عليها ـ
ومن هنا أيضًا ينبع عمل المغتربين ويستمر ويقوى، خاصة عندما يمر لبنان بأزمات معقدة وفي بعض الأحيان وجوديّةـ يصبح المغتربون صوت وضمير لبنان في الخارج. يشرحون للمجتمعات التي يعيشون فيها وينتمون إليها ولحكومات هذه المجتمعات حقيقة الوضع ويطالبون أصحاب القرار بمساعدة لبنان ومؤسّساته. على سبيل المثال وليس الحصر، أظن أنّ الجميع يعلم كم كان ولا يزال دور المغتربين اللبنانيين فعالًا بالنسبة للقرار الأمريكي بدعم مؤسسة الجيش اللبناني ـ
كما قلت يكبر هذا الدور ويتفاعل أكثر مع حكومات عديدة في العالم كلّما اشتدّ التأزم في لبنان. أيضًا على سبيل المثال عقدت الجامعة اللبنانية الثقافيّة في العالم مؤتمرها السنوي في تشرين الثاني سنة 2023 في باريس. شاركت وفود من المغتربين من دول اميركا الشمالية واميركا الجنوبية وأوروبا وأفريقيا واستراليا ـ أصدرنا بيانًا سياسيًا كي نستعمله كنقاط بحث وضغط مع حكومات البلدان التي نقيم فيها ـ
من هذه النقاط:
- ضرورة حصر السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية وحصر تنفيذ هكذا قرار بالجيش اللبناني مع المطالبة بتطبيق قرارات مجلس الامن المتعلقة بلبنان لا سيّما القرارين 1701 و 1559.
- السعي إلى الوصول إلى انتخاب رئيس أو رئيسة للجمهوريّة سيادي وإصلاحي لتفادي المزيد من التدهور على جميع الأصعدة وخاصّة لدعم ضرورة انتظام عمل المؤسّسات من خلال تطبيق الدستور.
هذا جزء مما يقوم به المغتربون ـ وبسبب هذا الدور المهم تصبح ضرورة قيام شراكة بين لبنان المقيم ولبنان المغترب أولوية شراكة كي يلتقي المؤمنون بهوية لبنان وبكيانه وبسيادته ليعملوا معًا من أجل مصلحة لبنان العليا وليلتقي أصحاب الإختصاص لتبادل الآراء والخبرات من اجل إيجاد الحلول عبر النقاش الجريء والبناءـ وكما يقول الأستاذ الياس كسّاب في كتابه “مواقف على السطر” “:المغتربون لا يثقون بعد اليوم بدولة تخالف الدستور، ولا بدولة منقوصة السيادة، ولا بدولة سخّرت القوانين لوضع اليد على الأموال العامة والخاصّة من أجل خدمة الفاسدين”
كم صحيح هو كلام الأستاذ كسّاب، واستطرادًا أقول أنّ المغتربين ينتظرون طبعًا قيادة سيادية واصلاحية، ولكن أيضًا جديدة ومغايرة، لديها المعرفة بمواصفات القيادة الناجحة ـ
دعوني أستعرض معكم خصائصَ أساسيّة لمفهوم القيادة الناجحةـ القيادة التي تترجم الرؤْية وبرنامج العمل إلى مشاريع منفّذة على الأرض ـ
سأشرح المفاهيم التي إن فهمها القائد وإن طبّقتها القيادات السياسيّة والغير سياسيّة تصبح هذه المفاهيم شروط النجاح أو بالأحرى أسباب النجاح
من هذه المفاهيم النقاطُ التالية:
- البدء دائمًا باعتناق رؤية واضحة: جعل هذه الرؤية البوصلة ليس فقط للقائد، ولكن لجميع أعضاء فريق العمل الذين يعملون مع هذا الرئيس أو الرئيسة ـ هنا علي أن أوضح أمرين أساسيين: على صاحب الرؤية أن يناقش ويقنع جميع العاملين معه بأهمية هذه الرؤية وبإفادتها للجميع وليس فقط للقائد. ثانيًا على الرئيس أن يبتعد كل الإبتعاد عن مصالحه الشخصية ـ هذه الرؤية عليها أن تكون مرتفعة عن كلّ ما هو مصالح شخصية ـ
- ترجمة هذه الرؤية إلى أهداف واضحة: القدرة على وضع أَهداف محدَّدة للعمل المستقبلي هي خطوة اساسيّة. عندها، لمجرد توضيح هذه الأَهداف وتطويرها مع فريق العمل يربح الرئيس اقتناع وإيمان أعضاء فريق العمل بهذه الأَهداف المحدَّدة.
- الإلتزام بإيجاد الحلول: وهنا أهميّة عدم الاكتفاء بالأَفكار والخُطَب والحوار، بل أَيضًا ترجمةُ هذه الأَفكار إِلى خطة عمل وإِلى أَفعال. وإِذا واجه الرئيس صعوباتٍ أَو وصل إِلى طريق مسدود، عليه أن يعمل بجدّية عنيدةٍ على إِيجاد الحلول. على القائد أن يتمتع بسِمْعَة مَن ينجز الأُمور ويجدُ الحلول.
- الإلتزام بعادة الانخراط جِدِّيًّا في العمل: ماذا يعني ذلك؟ يعني أَن القيادة المخلصة ستعمل بطريقة أَفضل إِذا صمَّم القائد أَن يتفانى في عمله، بمعنى أن يعمل من أَجل قضية أكبر منه ومن مصالحه! وهذه القضية أَو ذاك العمل ليسا للنجاح الشخصي، بل للنجاح الهادف إِلى إِفادة الوطن.
- الإِيمان بالنتائج الإِيجابية: وهذا يتطلَّب ثقةً بالنفس، وقدرةً على الأَمل، خصوصًا على القادة الذين يعيشون في بلدان تتدهور فيها الأَوضاع كما الحال اليوم في لبناننا. نعم: هذا الأَمر يتطلَّب الأَمل، كي يكونوا قادرين على الإِيمان بإِمكان تحقيق نتائج إِيجابية. وذلك في رأْيي يتطلَّب أَملًا عنيدًا مثابرًا هو الذي يسْهم بتعزيز الاستمرار في العمل الصعب، وتَخَطّي الصعوبات حتى إِنجازِ النتائج البَنَّاءَة وتثبيتها. فالثقة بالذات والقُدرة على الأَمل صفتان من المداميك الأَساسية للقدرة على ايجاد النتائج والنجاح.
- تنمية الشعور بالشجاعة: على القائد القيام بأَفعال بنَّاءةٍ غيرِ تقليدية. أَعرف أَنْ ليس من السهل القيامُ بها، إِنما أُكَرِّر: على القائد التجرؤ على القيام بمشاريع لا تفيده شخصيا، بل تفيد المجتمع ككل. فالعمل التقليدي لا يتطلب الجرأَة، إنما العمل الذي يبلغ آفاقٍ جديدةٍ هو الذي يتطلب الجرأَة. رفعُ الأَسقف الزجاجية، وعدم التقيُّد بالنهج التقليدي، هذه جميعُها تتطلَّب الجرأة. وإني أَقول: على القيادين التجرؤ على تَبَنِّي فكرة خدمة الشعب والوطن وليس خدمة مصالحهم الخاصةـ
- الالتزام بالتميُّز: التميُّز هو حصيلةُ عمليةٍ تراكميةٍ للنجاح، وهو يؤدِّي إِلى نتائج بَنَّاءة. فعندما ينتج القائد أَعمالًا مميزة، مفيدة للشعب وللوطن يتجاوب المجتمع أو الشعب مع هكذا عمل وهكذا نتائج.
- تنمية القدرة على الاستمرار في المضيّ إِلى الأَمام: وسأَشرح كيف.. إِنَّ رحلةَ القيادة مليئةٌ بالعقَبات والقيود. لذا على القيادة اعتبار هذه العقباتِ تحدياتٍ، إِذًا تصبح مهمةُ القيادة إِيجادَ طرقٍ لِـحَل مشاكلَ تضعُها العثرات أو الصعوبات السياسية أَمام القائد. حَلُّ هذه المشاكل يتطلَّب مهارات معينة، يجب على الرئيس أن يكون له اختبارات عديدة بكيفية مواجهة الصعوبات وبكيفية إيجاد الحلول قبل الوصول إلى سدّة القيادة كي يعرف كيف يآذارها. هكذا، لمجرد مآذارة هذه المهارات يفيد القائد مركز القيادة، ويستخدمها غالبًا لِـحَلِّ مجموعة متنوعة من التعقيدات. هذه مهارة مطلوبة تُتيح للقائد الاستمرار بالمضيِّ إِلى الأَمام. لذا أَقول: على الرئيس أن لا يستسلم أَبدًا، فكلَّما حل مشكلةً اكتسب المزيد من القدرة والثقة الإِضافية لِـحَل مشاكل أُخرى.
- أهمية مفهوم القيادة: مهارات القيادة كثيرة ومعقَّدة وعندما تستعمل بجدارة تتيح مضاعفة النتائج وتوسيع مدى تأْثير هذه النتائج الايجابية. كيف يمكن ضمانُ هذه الإِيجابية والحفاظ عليها؟ هذا ممكنٌ حين تلتزم القيادة بالقيم. وكيف يمكن مضاعفة التأْثير الإِيجابي نتيجةَ العمل الجادّ المميَّز المخلص المبنيّ على التركيز الدائم على النتائج الإِيجابية؟ هذا ممكن عند ربط العمل السياسي بمبدأ القِيَم. علينا أن ندرك أَنْ ربْط العمل الجاد المميَّز بقيم عالية، سوف يضاعف حتمًا النتائج الإِيجابية. عندئذٍ تصبح القيادة مصدر إِلهام وقدوة لآخرين كثيرين.
يمكنني الاستمرار في عرض المهارات الأَساسية والأَكثرَ ضرورةً لضمان النجاح.
ولكن أريد أن أُنْهِ ما قدمته لكم بتصوُّرٍ عن لبنان.
إِنَّ لبنان يعيش اليوم، كما تعلمون، فترةً من أسوأ فتراته سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. وتعرفون أَن شبح إمكانية توسع الحرب يزيد الأزمة الوجودية عمقا، ويزداد الفقر وتقلِّ مستويات الاستقرار والأمن داخل وطننا.
لهذا على اللبنانيين تحدّي الأمر الواقع عن طريق المطالبة بإيجاد وانتخاب قيادة جديدة مغايرة تأخذ بزمام المبادرة لإحداث تغيير جذري في لبنان، ابتدأ بالالتزام بدور لبنان الإيجابي ضمن محيطه العربي، والفعّال على الساحة العالمية ـ
قيادة جديدة تعيد وضع لبنان على المسار المؤْمن بالمواطنة، بالحريات، بالمساواة، وبالتنوُّع.
قيادة ملتزمة بالقيم، تعيد لبنان إلى مسار حيث الفساد مرفوض ولا يآذار، وحيث قوة العدالة أَكثر فعالية من قوةً القمع.
قيادة ملتزمة بلبنان لديها الخبرة بمعطيات القيادة والمعرفة بكيفية ايجاد الحلول للمشاكل المستعصية من أجل خلق مستقبل أَفضل للبنان ولشعبه ـ
اللقاء التاسع 24-04-2024
“لبنان دولة المواطنة: التعافي الاقتصادي-المالي والعدالة الاجتماعيّة“
لمحات من اللّقاء التاسع من مسار الحوارات الصّباحيّة “لبنان دولة المواطنة: التعافي الاقتصادي-المالي والعدالة الاجتماعيّة“.
لمشاهدة الّلقاء التاسع
اللّقاء التاسع عقد تحت عنوان “لبنان دولة المواطنة: التعافي الاقتصادي – المالي والعدالة الاجتماعيّة” بهدف القاء الضوء على أهمية مواجهة الأزْمَة الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة التي تضرُب كلّ مقوّمات صمود اللّبنانيّات واللّبنانيّين. والسعي الى كلّ ما يؤدي إلى التعافي الاقتصادي – المالي والعدالة الاجتماعيّة.
بيان صحفي
ملتقى التأثير المدني في لقائه التاسع من “الحوارات الصباحية” تحت عنوان:
“لبنان دولة المواطنة: التعافي الاقتصادي – المالي والعدالة الاجتماعيّة“
الخليل: ما من قرارٍ في الأُفُق بإيجاد حُلول للتّعافي
طبارة: المواطنة ليست بنوداً وقوانين في الدساتير بل هي سلوك عملي
حايك: هذه هي خريطة الطريق إلى التعافي الاقتصادي وإعادة تكوين الطبقة الوسطى
تابع ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم مسار “الحوارات الصباحيَّة” الشهريَّة بانعقاد اللقاء التاسع في فندق الجفينور – روتانا الحمرا في حضور نخبة من الشخصيات الأكاديمية والإدارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والقضاة والضباط المتقاعدين والإعلاميات والاعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الهيئة الإداريّة للملتقى.
اللّقاء عقد تحت عنوان “لبنان دولة المواطنة: التعافي الاقتصادي – المالي والعدالة الاجتماعيّة” بهدف القاء الضوء على أهمية مواجهة الأزْمَة الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة التي تضرُب كلّ مقوّمات صمود اللّبنانيّات واللّبنانيّين. والسعي الى كلّ ما يؤدي إلى التعافي الاقتصادي – المالي والعدالة الاجتماعيّة.
وقائع اللقاء
في بداية اللقاء الذي قدّمت له الإعلاميّة دنيز رحمة فخري، ونقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن “ملتقى التأثير المدني”، ومن ثمَّ وثائقي إستعراضي للِّقاء الثامن تحت عنوان: “لبنان دولة المواطنة: والشراكة الوطنيّة مع الاغتراب“.
كلمة الخليل
بعدها كانت كلمة رئيس “ملتقى التأثير المدني” الذي قال: “نلتقي اليوم ولُبْنان في حالة انعِدامِ وزنٍ على كلّ المستويات الدستوريّة، والسياديّة، والإداريّة، والقضائيّة، والماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة. إنعِدامُ الوزن، قد يبدو للبعض أنّه عفويّ، لكنّه في تقديرنا منهجيّ لتغيير هويّة لبنان الحضاريّة، وهذا ما سنتصدّى له سلميًّا دون هوادة. رَغْم هذه التحدّيات”. وان “ملتقى التأثير المدني” مصمم على “استمرار النّضال في سبيل بناء دولة المواطنة، كما وردت في دستورنا الأوّل العام 1926. دولة المواطنة في الحريّة والسيادة والعدالة والعيش معًا.”
واضاف الخليل: “ان الأزْمَة الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة تَنْهَشُ وطننا، وتضرُب كلّ مقوّمات صمود اللّبنانيّات واللّبنانيّين، ويبدو أنَّ لَيْسَ في الأُفُق من قرار بإيجاد حُلول للتّعافي، تُعيدُ الكرامة لبناتِنا وأبنائِنا. الحُلول متوفّرة لكنْ ليس من قرار. عسى نَعْمَل معًا دومًا من أجلِ حَوْكَمَة سليمة أساسها المساءَلة والمُحاسبة. وهُنا بيت القصيد”.
كلمة طبارة
ثمَّ تحدثت ميسّرة الحوار المحامية إيمان طبارة التي أدرجت كلمتها تحت عنوان “إشكاليّة اللّقاء والتساؤلات الأساسية” فلفتت الى “أن الاختلاف في تقاليد ونهج المواطنة على مر التاريخ، أنتج اختلافا في تفسير مفهوم المواطنة” وقالت: “ينعكس مفهوم المواطنة الأكثر شيوعاً للمواطنة بالعلاقة القانونية بين الفرد والدولة بطريقة “يفي فيها المواطنون بالتزامات معينة تجاه الدولة، وفي المقابل يتوقعون من الدولة حماية مصالحهم الحيوية”.وأضافت “أن العلاقة بين الفرد والمواطنة لها أربعة أبعاد أساسيّة لوجودها تتوزع بين “السياسي- القانوني”، “الثقافي”، “الاجتماعي” و”الاقتصادي”.
وبعدما أشارت طبارة إلى “أنَّ الدستور اللبناني تطَّرق إلى تحديد ملامح المواطنة وأبعادها”، لفتت إلى “أن المشرع اللبناني تطرق الى إشكالية أساسيَّة ضربت مفهوم المواطنة وهي الطائفية السياسية التي يجب الغاءها باعتبارها هدفا وطنيًّا”. وتحدثت عن بعض ما هو ملتبس عندما تفرض “الجمهورية اللبنانية قوانينها على مُواطِنِها في كل الحقول وتساوي بينهم، لا تعترف به كمواطن إلا بصفة كونه منتميًا إلى طائفته”. وان الإقتصاد الذي “من المفترض ان يكون حرا إلا انه رأسمالي ومن ثم تحوَّل إلى أوليغارشي”. واشارت الى ان “مبدأ العدالة الاجتماعية يرد ضمن المبادئ السياسية، وكأنَّه لا علاقة لها بالاقتصاد او بالعدالة الاقتصادية”.
وحذَّرت طبارة من “هذا الالتباس الدستوري، مضافًا إليه النهج السياسي المتحكم بمفاصل البلد” واعتبرت “أن المواطنة، “ليست بنوداً وقوانين توضع في الدساتير فقط”، لا بل انها “سلوك عملي تطبيقي يآذار على أرض الواقع”، لتدعو ختامًا إلى “عملية عصف فكري لإرساء استراتيجية اقتصادية جديدة”. لملاقاة الحكومة التي أقرت “الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية ولو متأخرة حوالي مئة سنة”.
كلمة حايك
بعدها كانت مداخلة السيّد زياد حايك الذي استهلها بالقول “أنَّ تطوير الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية لا يخلوان من بعض النواحي السياسيّة والأمنيّة، وحتى الخارجيّة، فكما أنَّهُ مخطئ من يعتقد أنّه يمكن لدولة أن تنهض من دون اقتصاد مزدهر ومجتمع عادل، مخطئ هو أيضًا من يعتقد أن الاقتصاد والمجتمع يعيشان باستقلاليّة عن محيطهما. الأمران متلازمان. لذا عبثًا نحاول النهوض باقتصاد لبنان أو تحقيق العدالة الاجتماعيّة فيه طالما لم نستعد هيبة الدولة من كل نواحيها إلى معالجة التواجد السوري وضبط السلاح على أرضها، أو طالما لم نجرِ الإصلاحات البنيوية وإقرار بعض التعديلات الدستوريّة لتصحيح نظام الحوكمة السيء”.
وأضاف حايك: “إن طلب الي أن أتكلم عن الناحية الاجتماعية-الاقتصادية دون غيرها، أجزم أولاً ان المقاربات الجزئية لم تعد تنفع. ولا بدّ “من رؤية طويلة الأمد، تتطلّب قيادة حكيمة ملمّة بشؤون النمو المستدام والمتوازن يتبناها اللبنانيون عن قناعة”. لافتا إلى أنَّ “التطلع الى الماضي، حال دون التغيير، فلو كان النهج الذي اتَّبعناه إلى اليوم ناجحاً لما كنَّا في الحالة التي نحن فيها”. “المقاربات التقنية العادية لا تنفع في بلد كلبنان والبرهان في المقاربة التقليدية لصندوق النقد الدَّوليّ لوضعنا إبان الانهيار المالي”. والتي “انحاز اليها كثيرون غير متيقنين أنَّ ما يصلح لدول فيها عملة واحدة غير ما يصلح لبلد كلبنان فيه عملتي الليرة واللّولار”.
وجدَّد حايك حديثه عن خطة مفصلة وكاملة تقدم بها مع زميله جيرار شارفيه “لمعالجة الازمة المالية وتحويلها من كارثة الى فرصة”. تعتمد على “تحويل ودائع اللّولار الى شهادات إيداع مصرفية طويلة الأمد يمكن تداولها على بورصة بيروت”. وهي “تصيب عدة أهداف ومن بينها تفادي إعلان إفلاس المصارف وتأمين السيولة للمودعين، ورسملة بورصة بيروت بمليارات الدولارات، بداية مهمة لخلق أسواق مالية حقيقية”. أمَّا اليوم “فقد ضاعت تلك الفرصة ولا بدّ من المضيّ قدماً بما أمكن، فبدل التفكير بخطة للتعافي المالي يجدر بنا العمل على وضع خطة للنهوض بالاقتصاد ككلّ، فيعوّض على مودعي الدولار بطريقة غير مباشرة لجهة تحسين فرص إعادة تكوين أصولهم ونمو أعمالهم وإيجاد فرص عمل لهم ولبنيهم”.
وانتقد حايك “الخطط الاقتصاديَّة التي عملت عليها الدولة في الماضي على قياس من كانت موجّهة إليهم”، ذلك أنَّ “خطط باريس-1 و-2 و-3 ارتكزت على وعود تستجدي موافقة الجهات المانحة، واحتوت خطة (McKinsey) على أفكار لا تأخذ واقع البلاد الاجتماعي بعين الاعتبار، واحتوى برنامج الاستثمار المرافق لمؤتمر (CEDRE) على مشاريع غير مجدية طلبتها الجهات السياسية لأغراضها الخاصة”. ولذلك تحدث عن “فرصة جديدة لخطة اقتصادية شاملة لا ترتكز على الناحية الاقتصادية حصراً، بل تشمل الناحية الاجتماعية أيضاً وبشكل لصيق ومتلازم. فالنموّ وسعادة الانسان لا يقاسان بالناتج المحلي الإجمالي، إنَّما أيضاً بمستوى المعيشة وغيرها من مكونات الأمن القومي”.
وبعدما دعا إلى “مقاربة هذه الخطة بجرأة لا يحدّها الماضي. قال انها تستند على “ركيزتين أساسيتين هما: أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة على المستوى الاستراتيجي، ومقاربة السوق الاجتماعية على المستوى التنفيذي”. لافتا إلى “أنَّ لبنان كان من بين 190 دولة وقّعت على اتفاقية أهداف التنمية المستدامة سنة 2015، ولكنه لم يعتمدها يوماً أساساً لخطة اقتصادية اجتماعية تنموية شاملة”.
وقدَّم حايك بعض المقترحات الضرورية للخطة الاقتصادية الاجتماعية للبنان. وهي ترتكز على إعادة هيكلة قطاع المصارف، تنقيح دفاتر مصرف لبنان، التوصّل الى اتفاق ولو شكلي مع صندوق النقد الدولي لاستعادة بعض الثقة المالية التي فقدها لبنان حين توقف عن دفع مستحقات ديونه بدل جدولتها. إعتماد إنتاج الكهرباء والطاقة الشمسية كأساس. تشركة قطاعات الاتصالات والكهرباء وإنشاء هيئات منظمة تسهر على منع الاحتكار فيها. وضع كل المؤسسات العامة في صندوق ائتماني وإعادة هيكلتها، معالجة مديونية الدولة وتعزيز سلطة إدارة الدين العام، الإستثمار في البنى التحتية ووقف الدعم العشوائي. إنشاء مناطق اقتصادية خاصة ومتخصصة في المحافظات لتنميتها. الإتفاق مع الدول الأوروبية على تحسين شروط التجارة في إطار الشراكة المتوسطية. تسييل مخزون الذهب بهدف استثماره”.
وانتهى حايك إلى التأكيد على “أهمية العدالة الضرائبية والشفافية الضرائبية في تحقيق العدالة الاجتماعية”، منتقدًا بشدة لجوء الحكومة “فرض ضرائب غير مباشرة لتغطية نقص المداخيل”. ولذلك “لا بد من تصميم وتطبيق ضرائب تصاعديّة على الدخل وإجراءات تضمن الشفافية وتردع التهرّب الضريبي. وكل ذلك لإعادة تكوين الطبقة الوسطى”.
ملتقى التأثير المدني
المكتب الإعلامي
بيروت في 24 نيسان 2024
كلمة رئيس ملتقى التأثير المدني السيّد فيصل الخليل
اللّقاء التاسع
“لبنان دولة المواطنة: التعافي الاقتصادي – المالي والعدالة الاجتماعيّة”
كلمة السيّد فيصل الخليل
رئيس “ملتقى التأثير المدني”
السيّدات والسّادة،
نلتقي اليوم مرَّة جديدة في اللّقاء التاسع من مسار “الحوارات الصّباحيّة” ولُبْنان في حالة انعِدامِ وزنٍ على كلّ المستويات الدستوريّة، والسياديّة، والإداريّة، والقضائيّة، والماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة. إنعِدامُ الوزن، قد يبدو للبعض أنّه عفويّ، لكنّه في تقديرنا منهجيّ لتغيير هويّة لبنان الحضاريّة، وهذا ما سنتصدّى له سلميًّا دون هوادة. رَغْم هذه التحدّيات، يعنينا في “ملتقى التأثير المدني” استمرار النّضال في سبيل بناء دولة المواطنة، هذه الرّوحيَّة التي نشأت منذ قيام دولة لبنان الكبير، ووردت في دستورها الأوّل في العام 1926. دولة المواطنة في الحريّة والسيادة والعدالة والعيش معًا.
السيّدات والسّادة،
الأزْمَة الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة تَنْهَشُ وطننا، وتضرُب كلّ مقوّمات صمود اللّبنانيّات واللّبنانيّين، ويبدو أنَّ لَيْسَ في الأُفُق من قرار بإيجاد حُلول للتّعافي، تُعيدُ الكرامة لبناتِنا وأبنائِنا. الحُلول متوفّرة لكنْ ليس من قرار. عسى نَعْمَل معًا دومًا من أجلِ حَوْكَمَة سليمة أساسها المساءَلة والمُحاسبة. هُنا بيت القصيد.
هذا عهدٌ علينا ووعد.
عُشتم وعاش لبنان
بيروت 24-04-2024
كلمة المحامية إيمان طبارة/ ميسّرة الحوار
اللّقاء التاسع
“لبنان دولة المواطنة: التعافي الاقتصادي – المالي والعدالة الاجتماعيّة “
كلمة المحامية إيمان طبارة
إشكاليّة اللّقاء والتساؤلات الأساسية
تختلف تقاليد ونهج المواطنة على مر التاريخ وحول العالم وفقاً للدول وتاريخها والمجتمعات والثقافات والأيديولوجيّات المختلفة، مما أنتج اختلاف في تفسير مفهوم المواطنة.
ينعكس مفهوم المواطنة الأكثر شيوعاً للمواطنة بالعلاقة القانونية بين الفرد والدولة. فمعظم الناس في العالم مواطنون قانونيون في دولة مما يخولهم بعض الامتيازات أو الحقوق ويفرض أيضاً واجبات معينة من حيث ما تتوقعه الدولة من الأفراد تحت ولايتها. وبالتالي يفي المواطنون بالتزامات معينة تجاه الدولة، وفي المقابل يتوقعون من الدولة حماية مصالحهم الحيوية.
إلَّا أنَّ “المواطنة” هي أكثر علاقة قانونية، فهي تتعلق بشعور الشخص بالانتماء. وإمكانية الانتماء في بلد تعددي ومجتمعات مختلفة أو حتى متخالفة هو بحد ذاته مسألة معقدة يجب التوقف والغوص فيها. ولكن هذا نقاش ليوم آخر.
وبغض النظر عن تعدد المجتمعات أو أحاديَّتها، فإنَّ العلاقة بين الفرد وبينها لها أربعة أبعاد، وهي ترتبط به وهي أساسيّة لوجوده:
- البعد السياسي/ القانوني
- البعد الثقافي
- البعد الاجتماعي
- البعد الاقتصادي
يشير البعد السياسي للمواطنة إلى الحقوق والمسؤوليات السياسية حيال النظام السياسي. ويجب أن يتأتى تطوير هذا البعد من خلال معرفة النظام السياسي وتعزيز التوجهات الديمقراطية والمهارات التشاركية.
يشير البعد الثقافي للمواطنة إلى الوعي بالتراث الثقافي المشترك واليوم نحن بأمس الحاجة إلى هذه المساحة المشتركة.
أمَّا البعد الاجتماعي للمواطنة له علاقة بالسلوك بين الأفراد في المجتمع ويتطلب قدراً من الولاء والتضامن. وإنَّ المهارات الاجتماعية ومعرفة العلاقات الاجتماعية في المجتمع كلها ضرورية لتطوير هذا البعد.
وأخيرًا إنَّ البعد الاقتصادي للمواطنة هو فعليًّا العلاقة بين الفرد وسوق العمل. ويتضمن هذا البعد الحق في العمل والعيش بكرامة. وتكون الاستراتيجية الاقتصادية هي مدماك الأساس لتحديد متطلبات أسواق العمل.
وكما هو معلوم من الجميع، فإنَّ الدستور اللبناني تطَّرق إلى تحديد ملامح المواطنة وأبعادها لا سيما في مقدمته.
فحدد في الفقرة “ج” أنّ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل.
وفي الفقرة “و” حدد النظام الاقتصادي بالحر ويكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة.
كما أنَّ المشرع اللبناني تطرق الى إشكالية أساسيَّة ضربت مفهوم المواطنة وهي الطائفية السياسية التي يجب وفق الفقرة “ح” الغاءها باعتبارها هدفا وطنيًّا. وبرأيي لاستمرار وجوده.
غير أنَّ هذه المقدمة قد تكون أكثر المقدّمات تبسيطًا والتباسًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا:
- فالجمهورية اللبنانية التي تفرض قوانينها على مُواطِنِها في كل الحقول وتساوي بينهم، لا تعترف به كمواطن إلا بصفة كونه منتميًا إلى طائفته.
- إنَّ المقدمة وصّفت الاقتصاد بالحر، إلا أنَّه رأسمالي ومن ثم تحوَّل إلى أوليغارشي.
- إنَّ مبدأ العدالة الاجتماعية يرد ضمن المبادئ السياسية، وليس ضمن المبادئ الاقتصادية أو الاجتماعية وكان القول أنَّ العدالة الاجتماعية لا علاقة لها بالاقتصاد او بالعدالة الاقتصادية.
لا شكَّ أنَّ هذا الالتباس الدستوري الذي يعرج إلى حدّ التناقض، مضافًا إليه النهج السياسي المتحكم بمفاصل البلد أسباب إضافية لما حلّ بنا. وبالرغم من الانهيارات المتتالية والأزمات المتعاقبة إلَّا أنَّ قدرنا هو صنع أيدينا وجهودنا الفردية والجماعية. فالمواطنة، ليست بنوداً وقوانين توضع في الدساتير فقط!
إنَّها سلوك عملي تطبيقي يآذار على أرض الواقع ويعيشه الناس ويلمسونه في حياتهم العملية، وهو الذي يدفع شعوب العالم المتقدم للنهوض باقتصادهم، لأن كل فرد منهم يشعر بذاته وهويته وكينونته في هذا الوطن، بل وسيشعر أن اقتصاد وطنه هو صمام أمان اقتصاده هو، والمساس به هو مساس بمدخراته وأمواله الشخصية، ولعلي لا أبالغ حين أقول إن الانتماء الوطني الحقيقي قد يكون الانتماء الاقتصادي الذي من الممكن أن يحرّر اللبناني من أثقال الماضي ويعزّز شعور المواطنة الحقيقية بدل الوطنية (التي هي محصورة بحب الوطن)!.
وبالتالي لا بد من أن نستفيد من ما يمكن أن تقرُّه الدولة “غصبًا عنها” من مشاريع تصب في هذا الاتجاه.
وكمثل، لقد أقرّت الحكومة مؤخرًا الاستراتيجية الوطنية الحماية الاجتماعية (صحيح أنَّها متأخرة حوالي مئة سنة لأن هذه الاستراتيجية توضع مع تأسيس البلد)، وتضمن هذه الاستراتيجية حق كل فرد في المجتمع الحق في الضمان والحماية الاجتماعية والتعليم على اعتبارها حقًا من حقوق الانسان والدولة هي المسؤولة عنها. كما علينا أن نقدم حلولًا لتعويض تخاذل المسؤولين وبالتالي نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى عصف فكري لإرساء استراتيجية اقتصادية جديدة مبينة على إعادة تعريف دور لبنان وهويته الاقتصادية مبنية على (Comparative Advantage) و (Product Space).
لذا أترك الكلام للدكتور زياد حايك.
ورقة عمل الأستاذ زياد حايك
اللّقاء التاسع
“لبنان دولة المواطنة: التعافي الاقتصادي – المالي والعدالة الاجتماعيّة “
ورقة عمل السيّد زياد حايك
السيِّدات والسَّادة،
شكرا لكم جميعًا على حضوركم وعلى اهتمامكم بموضوع العدالة الاجتماعية وتعافي اقتصاد لبنان.
يجب أن أذكر بادئ ذي بدء أنَّ تطوير الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية لا يخلوان من بعض النواحي السياسيّة والأمنيّة، وحتى الخارجيّة، فكما أنَّهُ مخطئ من يعتقد أنّه يمكن لدولة أن تنهض من دون اقتصاد مزدهر ومجتمع عادل، مخطئ هو أيضًا من يعتقد أن الاقتصاد والمجتمع يعيشان باستقلاليّة عن محيطهما. الأمران متلازمان. لذا عبثًا نحاول النهوض باقتصاد لبنان أو تحقيق العدالة الاجتماعيّة فيه طالما لم نستعد هيبة الدولة من كل نواحيها بدءً بتطبيق أنظمة السير ومكافحة التهرب الضريبي إلى معالجة التواجد السوري وضبط السلاح على أرضها، أو طالما لم نجرِ الإصلاحات البنيوية من إعادة هيكلة الإدارة العامّة إلى إقرار بعض التعديلات الدستوريّة لتصحيح نظام الحوكمة السيء الذي تعاني منه البلاد.
لي في كل هذه المواضيع آراء ومقاربات ووصفات، ولكن طُلب مني اليوم في هذه الندوة أن أتكلم عن الناحية الاجتماعية-الاقتصادية دون غيرها، فستكون مداخلتي في هذا الإطار حصراً.
أجزم أولاً ان المقاربات الجزئية لم تعد تنفع. لا بدّ لنا أن ننتقل بتفكيرنا من الحلول الآنية الى الحلول المبنية على رؤية طويلة الأمد، وخطة اقتصادية اجتماعية متكاملة تنتج فوائد جمّة ولو لم تكن بالسرعة التي نرغبها. هكذا خطة تتطلّب قيادة حكيمة ملمّة بشؤون النمو المستدام والمتوازن تقوم بجمع اللبنانيين مواطنين وأحزاب حولها ليتبنّوها عن قناعة. طبعًا هذا أمر صعب، ولكن ليس بالمستحيل في حال توفّرت قيادة مسئولة وجامعة. وليس مخطئ المثل الافريقي الذي يقول: “إن كنت ترغب في الذهاب سريعًا فاذهب لوحدك. أمّا إذا كنت ترغب بالذهاب بعيداً فاذهب مع آخرين”.
أضيف إلى ذلك اعتبار ثانٍ وهو أنَّه قد حالت الأفكار الثابتة والمواقف المتصلبة والاعتبارات المسبقة وتصوّر الصداقات والعداوات والإصرار على التطلع الى الماضي، حالت دون التغيير الذي نحن بحاجة إليه. فلو كان النهج الذي اتَّبعناه إلى اليوم ناجحاً لما كنَّا في الحالة التي نحن فيها. المقاربات التقنية العادية لا تنفع في بلد كلبنان وما أوضح برهان على ذلك إلّا مقاربة صندوق النقد الدَّوليّ لوضعنا إبان الانهيار المالي الذي عصف بنا. فمقاربة صندوق النقد الدَّوليّ كانت تقليدية بكل معنى الكلمة، وانحاز اليها يا للأسف الكثيرون من ذوات الفكر التقليدي غير متيقنين لا هم ولا صندوق النقد أنَّ ما يصلح لدول فيها عملة واحدة غير ما يصلح لبلد كلبنان كان فيه عملتين: “الليرة واللّولار”.
وقتها، طرحنا أنا وزميلي جيرار شارفيه خطة مفصلة وكاملة لمعالجة الازمة المالية وتحويلها من كارثة الى فرصة. إعتمدت خطتنا في إحدى نواحيها على تحويل ودائع اللّولار الى شهادات إيداع مصرفية طويلة الأمد يمكن تداولها على بورصة بيروت، مما كان ليصيب عدة أهداف في آن معاً لولا جرى تبنّيها في حينها من قبل صندوق النقد والحكومة والمصارف. من بين تلك الاهداف ١) تفادي إعلان إفلاس المصارف (فهي تحتفظ بالودائع على دفاترها)، ٢) تأمين السيولة للمودعين (ولو على حساب Haircut تحدده تداولات السوق) بشكل منظّم وفعال وشفاف ، و ٣) رسملة بورصة بيروت بمليارات الدولارات، ممَّا يشكل بداية مهمة لخلق أسواق مالية حقيقية تساعد على تخفيف وزن المصارف في المعادلة المالية في لبنان وتحديث بنية اقتصادنا المالية، خاصة لجهة تمكين رسملة الشركات اللبنانية في الاقتصاد المنتج بشكل هام مستقبلاً… طبعاً لم يفقه سياسيونا ولا مستشاروهم الاقتصاديين أهمية ما طرحناه فلم يتابعوا الموضوع ومات في الادراج.
أمَّا اليوم فقد ضاعت تلك الفرصة ولا بدّ من المضيّ قدماً بما أمكن، وبهذا أعني أن معالجة وضع حسابات اللولارات أصبحت مجموعة أفكار لا مجال فعلي لتطبيقها. فبدل التفكير بخطة للتعافي المالي يجدر بنا العمل على وضع خطة للنهوض بالاقتصاد ككلّ، فيعوّض على مودعي الدولار بطريقة غير مباشرة لجهة تحسين فرص إعادة تكوين أصولهم ونمو أعمالهم وإيجاد فرص عمل لهم ولبنيهم. أما الأغلبية السَّاحقة من المواطنين (وهي التي لم يكن لديها حسابات بالدولار) فلها مخاوف تتساوى في الأهمية مع قضية الدولارات ان لم تكن تفوقها، منها: تآكل قيمة الودائع بالعملة المحلية حتى أصبحت تكاد لا شيء (والتي تشكل بمعظمها مدخرات التقاعد، وتعويضات نهاية الخدمة)، كما الانخفاض الملموس في الأجور (خاصة في القطاع العام)، وصعوبة تمويل الجمعيات الخيرية (التي هي كانت قد حلّت محل الدولة منذ عقود في مجال تأمين الرعاية للمواطن)، وتراجع ديناميكية الحركة الاقتصادية، والزيادة المفرطة في معدلات البطالة والفقر. هذه الأغلبية هي أيضًا تنتظر خطة للنهوض باقتصاد البلاد فيتحسن وضعها المعيشي.
لقد أتت الخطط الاقتصادية التي عملت عليها الدولة اللبنانية في الماضي على قياس من كانت موجّهة إليهم. فارتكزت خطط باريس-١ و-٢ و-٣ على وعود تستجدي موافقة الجهات المانحة، واحتوت خطة McKinsey على أفكار لا تأخذ واقع البلاد الاجتماعي بعين الاعتبار، واحتوى برنامج الاستثمار المرافق لمؤتمر CEDRE على مشاريع غير مجدية طلبتها الجهات السياسية لأغراضها الخاصة.
لدينا اليوم فرصة جديدة لخطة اقتصادية شاملة تحاكي واقعنا وقدراتنا وتطلعاتنا ومستقبل أجيالنا. لا يجب أن ترتكز هكذا خطة على الناحية الاقتصادية حصراً، بل أن تشمل الناحية الاجتماعية أيضاً وبشكل لصيق ومتلازم. فالنموّ وسعادة الانسان لا يقاسان فقط بالناتج المحلي الإجمالي، إنَّما أيضاً بمستوى المعيشة وجودة الخدمات ونظافة البيئة وغيرها من مكونات الأمن القومي.
برأيي، يجب أن تكون مقاربة هذه الخطة مقاربة جريئة لا يحدّها الماضي لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون. كما يجب أن تكون مبنيّة على أسس فكرية معينة، لا ان تكون مجموعة ترقيعات من هنا وهناك. وبوضوح أكبر، يجب بنظري أن تكون مبنيّة على ركيزتين أساسيتين هما: أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة على المستوى الاستراتيجي، ومقاربة السوق الاجتماعية على المستوى التنفيذي. أمّا الباقي فتفاصيل يسهل اتخاذ القرارات بشأنها فيما لو كان الإطار العام للخطة واضح المعالم ومتّفقًا عليه من كل الأطراف.
كان لبنان من بين ١٩٠ دولة وقّعت على اتفاقية أهداف التنمية المستدامة سنة ٢٠١٥، ولكنه لم يعتمدها يوماً أساساً لخطة اقتصادية اجتماعية تنموية شاملة. أهمية هذه الأهداف هي أنَّها أولاً تتطرق إلى كل جوانب النمو وتوفير رغد العيش بشكل مترابط ومتوازن وهي تشكل خارطة طريق واضحة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتشاركية كما وللسلم الأهلي. أهميتها الثانية هي أنَّها ليست مرتبطة بوجهة نظر هذا الفريق أو ذاك، فهي ترتكز إلى المقاربات الدولية الفضلى لتحقيق النمو المستدام من دون الارتهان لعقيدة معينة. وأهميتها الثالثة هي أنَّها معروفة ومعتمدة من عدد كبير جداً من المستثمرين والجهات المانحة والمؤسسات المالية العالمية، مما يسهّل تمويل الخطة، ولو جزئياً، عن طريقها.
أمَّا مقاربة السوق الاجتماعية التي تتبعها عادة المانيا والدول الإسكندنافية والناتجة عن مفهوم “الديمقراطية المسيحية” أو لنقل الديمقراطية الإنسانية لكي نتجنب أي تفسير طائفي للموضوع، فهي ترتكز بشكل عام على تعميمين بابويين هما في صلب ما نحن بصدده اليوم، إذ إنَّ تعميم “Rerum Novarum” (أي التغيير الثوري) سنة ١٨٩١ يتعلّق بعافية الاقتصاد ورفع الظلم عن المستضعفين، وتعميم “Pacem in Terris” (أي السلام على الأرض) سنة ١٩٦٣ يتعلق بمسؤوليات الدولة والمواطن وبالعدالة الاجتماعية كأساس للسلم الأهلي. وتترجم مقاربة السوق الاجتماعية عملياً باعتماد الاقتصاد الحرً وحرية التنقل والاتجار والعمل من جهة، وبناء شبكة حماية اجتماعية متينة من جهة أخرى. تضمّ هذه الشبكة عدة أمور تشكل مسؤولية الدولة، من بينها: ١) تأمين الطبابة والتعليم لجميع المواطنين، ٢) تأمين العناية بالمسنين واليتامى، ٣) تأمين المعاش التقاعدي، ٤) تأمين سبل العيش الكريم للمعوزين، ٥) منع الاحتكار، و ٦) وضع ضوابط تمنع الرأسمالية المتفلّتة، مثل ضبط نشاط الشركات ليكون ليس فقط في خدمة مساهميها، بل أيضاً في خدمة موظفيها ومجتمعها. هي بذلك، وفي آن معاً، تتيح الاقتصاد الحر وتمثل أسمى القيم الإنسانية – تلك القيم التي أفتخر أن أقول أنَّ اللبنانيون ما زالوا يقيمون لها أهمية رغم كل المشاكل التي حلّت بهم.
طبعاً هناك من سيعترض في الحال ويقول إن هذه الأفكار والاهداف صعبة المنال في لبناننا اليوم. لهذا أقول إنَّ من لا يضع لنفسه هدفاً لا يصل إليه ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة. المهم هو أن نتقدّم في الاتجاه الصحيح ولو تطلّب ذلك وقتاً فالصبر فضيلة والدول لا تبنَ بيوم واحد، والخطة يجب أن تحدّد المراحل والمعوقات المتوقعة والحلول المحتملة ومؤشرات الأداء وأن يتشارك الجميع في إقرارها واعتمادها.
سوف أنتقل الآن من الإطار العام الى إطار أضيق لأتكلم عن بعض التفاصيل التي أراها ضرورية للخطة الاقتصادية الاجتماعية للبنان. أذكر منها ما يلي:
- إعادة هيكلة قطاع المصارف، وتنقيح دفاتر مصرف لبنان، وما هو أهم من ذلك أي الانتقال بأسرع وقت الى تنشيط الأسواق المالية لتصبح منافساً للمصارف فنقلّل من وزنها ومن تسلّطها من جهة، ونزخّم اقتصادنا ونموّ شركاتنا من جهة أخرى.
- التوصّل الى اتفاق ولو شكلي مع صندوق النقد الدولي لاستعادة بعض الثقة المالية التي فقدها لبنان حين توقف عن دفع مستحقات ديونه بدل أن يقوم بإعادة جدولتها.
- إعتماد إنتاج الكهرباء الموزع جغرافياً.
- إعتماد الطاقة الشمسية كأساس طاقة للبنان وتكريس تقريباً كل الأراضي العامة لإنتاجها.
- تشركة قطاعات الاتصالات والكهرباء وإنشاء هيئات منظمة تسهر على منع الاحتكار فيها.
- وضع كل المؤسسات العامة في صندوق ائتماني تشرف إدارتُه على إعادة هيكلة كل تلك المؤسسات بهدف تحسين أداءها وشفافية عملياتها وتحويلها الى القطاع الخاص فيما بعد.
- معالجة مديونية الدولة وتعزيز سلطة إدارة الدين العام في وزارة المالية.
- الإستثمار في البنى التحتية التي تشكل ركيزة كل اقتصاد في العالم وأكبر منتج لفرص العمل.
- وقف الدعم العشوائي الذي يستفيد منه الغني والفقير وتوجيهه إلى من هو بحاجة إليه من أشخاص ومناطق.
- إقرار القوانين المتعلقة بتحسين بيئة الاعمال التي أشارت إلى نقصها دراسة البنك الدولي في هذا الصدد.
- إنشاء مناطق اقتصادية خاصة في المحافظات البعيدة عن بيروت لتنميتها.
- الإتفاق مع الدول الأوروبية على تحسين شروط التجارة معها في إطار الشراكة المتوسطية.
- تسييل مخزون الذهب بهدف استثماره بطريقة أفضل ولإنشاء ثلاث صناديق استثمارية كما يلي:
- صندوق تعاضد إجتماعي: بموازاة معالجة الأزمة المالية والتي قد تتطلب سياسات انكماشية، يجب تخفيف أثر تلك السّياسات على الطبقتين الفقيرة والوسطى. فالأولى زاد فقرها والثانية زاد احباطها وهجرتها. لذلك نحن بحاجة لإنشاء صندوق تعاضد اجتماعي بقيمة مليار دولار لمساعدة المتضررين إلى حين استعادة الاقتصاد عافيته.
- صندوق استثمار في شركات الاقتصاد المنتج: يكثر الكلام عن الاقتصاد المنتج في أدبيّاتنا السياسية، ولكن الشعارات الرنانة والمقابلات التلفزيونية لن توصلنا إلى هذا الاقتصاد الذي يبقى فرضياً ما لم تدفع نحوه خطوات عملية من بينها إنشاء صندوق استثمار بقيمة مليار دولار في الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تنشط في مجالات الإنتاج الصناعي والتكنولوجي.
- صندوق تمويل القروض الطلابية في مجال التكنولوجيا: الشباب اللبناني هو بنظري واحد من كنوز لبنان الثلاثة، التي تضمّ أيضاً الانتشار اللبناني والسياحة. من الملحّ أن نقوم بكل ما في وسعنا لإبقاء شبابنا في أرضهم وإعطائهم كل فرص النجاح في وطنهم. نظراً إلى أنَّ المعلوماتية هي أساس اقتصاد الغد. لذلك يجب أن ننشئ صندوق بقيمة مليار دولار لتمويل قروض طلابية لكل من يريد أن يحصل على شهادات جامعية في مجالات المعلوماتية والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والاتصالات وكل ما يرافقها من تخصّصات.
طبعاً، لا مجال للدخول بكل نواحي خطة اقتصادية اجتماعية متكاملة في ورقة من بضع صفحات، ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى أهمية العدالة الضرائبية والشفافية الضرائبية في تحقيق العدالة الاجتماعية. فلا عدالة في المجتمع حين يدفع البعض ضرائبهم كاملة (وهي حال الموظفين، خاصة في القطاع العام) بينما يصرّح البعض الآخر (وهي حال غير الموظفين) عن جزء صغير من دخلهم ويدفعون مبالغ بسيطة إلى الخزانة العامة. هذا وضع يعمّق هوّة القدرة الشرائية بين طبقات المجتمع، وينافي الاخلاق والقيم، ويخسّر الخزينة المليارات. ولزيادة الطين بلّة، فقد قامت الحكومات اللبنانية المتتالية بفرض ضرائب غير مباشرة لتغطية نقص المداخيل، ممّا يحمّل الطبقة الفقيرة عبء مضاعف لأن الطبقة الفقيرة تنفق الجزء الأكبر من مداخيلها على شراء سلع وخدمات تخضع للضريبة على القيمة المضافة مثلاً، بينما تقوم الطبقة الغنية بتوفير واستثمار الجزء الأكبر من مداخيلها فتزداد قيمتها ويزداد الشرخ أكثر فأكثر. لذا لا بدَّ، برأيي، من تصميم وتطبيق ضرائب تصاعديّة على الدخل وإجراءات تضمن الشفافية وتردع التهرّب الضريبي. هذه خطوات أساسية لإعادة تكوين الطبقة الوسطى.
في النهاية، أودّ أن أشارككم حوار جرى في مؤتمر دافوس بيني وبين الرحّالة والباحثة الاجتماعية مانديپ راي، صاحبة كتاب “بوصلة القيم” الذي يتكلّم عمّا يُمكن أن تعلّمنا إيّاه أهمّ قيمة يمثّلها مجتمع كل دولة في العالم. سألتها: “ما هي القيمة التي يمثلها لبنان بالنسبة لكٍ؟”، فأجابتني بسؤال: “ما هي تلك القيمة برأيك أنت، أستاذ حايك؟” قلت، وفي مخيلتي أنها ستأتي على ذكر تلك القيمة التي نردّدها نحن عادةً: “النهوض المتجدد؟ (Resilience)” أجابتني: “لا، فيتنام تمثل النهوض المتجدد. لبنان يمثل النجاح”. أثار جوابها إعجابي، فنحن فعلاً أمةٌ تعطي النجاح أهميّةً قصوى. هذه هي فعلاً الصّفة اللصيقة باللبنانيين في العالم، حيثما وجد مجتمع منظم يحتضنهم، فيجذبهم إليه ليشاركوا في سباقاته ويلمعوا. وهذا هو أيضاً في نفس الوقت سبب الفوضى التي يعيشونها في لبنان حيث لا نظام ولا ضوابط في “حارة كل مين إيدو إلو” فيصبح السباق تلاطماً وخناقاً.
أردتُ أن أشير إلى هذا الحوار لأقول أنَّه لا يمكن أن يتعافى لبنان ما لم تنتظم قواعد اللعبة فيه، اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا. وهذا يتطلّب ثلاثة أمور ذكرتها في بداية مداخلتي: إصلاح نظام الحوكمة الرديئة الذي نعاني منه، واستعادة ثقة المواطن اللبناني بدولته، واستعادة هيبة الدولة وسلطتها على كل أراضيها ومكوناتها. طبعاً هذه أمور يطول البحث فيها وقد تكون موضوع ندوة أخرى مستقبلاً.
شكرا على إصغائكم.
اللقاء العاشر 29-05-2024
“لبنان دولة المواطنة والشراكة الميثاقيَّة في الحُكم“
لمحات من اللّقاء العاشر من مسار الحوارات الصّباحيّة “لبنان دولة المواطنة والشراكة الميثاقيَّة في الحُكم“
لمشاهدة الّلقاء العاشر
اللّقاء العاشر عقد تحت عنوان “لبنان دولة المواطنة والشراكة الميثاقيَّة في الحُكم” وحضره نخبة من الشخصيات الأكاديمية والإدارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والقضاة والضباط المتقاعدين والإعلاميات والاعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الهيئة الإداريّة للملتقى.
بيان صحفي
ملتقى التأثير المدني في لقائه العاشر من “الحوارات الصباحية” تحت عنوان:
“لبنان دولة المواطنة والشراكة الميثاقية في الحكم“
حاسبيني: نعمل ليكون زمن تصويب المفاهيم والمسارات، واسترداد الدّولة
حمدان: «الميثاقية» عبارة تحولت مرادفة لنهج التعطيل وحماية الفساد
شمس الدين: المطالبة بدولة المواطنة والشراكة الميثاقية يعني اننا نطالب بما سرق
تابع ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم مسار “الحوارات الصباحيَّة” الشهريَّة بانعقاد اللقاء العاشر في فندق الجفينور – روتانا الحمرا تحت عنوان “لبنان دولة المواطنة والشراكة الميثاقية في الحكم“. وحضره نخبة من الشخصيات الأكاديمية والإدارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والقضاة والضباط المتقاعدين والإعلاميات والاعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الهيئة الإداريّة للملتقى.
وقائع اللقاء
في بداية اللقاء الذي قدّمت له الإعلاميّة دنيز رحمة فخري، ونقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن “ملتقى التأثير المدني“، ومن ثمَّ وثائقي إستعراضي للِّقاء التاسع تحت عنوان: “”لبنان دولة المواطنة: التعافي الاقتصادي – المالي والعدالة الاجتماعيّة“.
كلمة حاسبيني
بعدها كانت كلمة نائب رئيس “ملتقى التأثير المدني” الدكتور عبد السلام حاسبيني الذي قال: “مرَّة جديدة ها نحنُ اليوم معًا في اللّقاء العاشر من مسار “الحوارات الصّباحيّة“، ولُبْنان يناضل كي يبقى وطن الحريّة، والديمقراطيّة، والعدالة، والحوكمة السّليمة”. وأضاف: “المرحلة تاريخيّة ومصيريّة بامتياز، تتهدّد الهويّة والكيان، وتُفرّغُ فيها الدّولة من كلّ مقوّماتها، وفي صلب ذلك تجزئة السيّادة والسّياسات العامّة. رغم كلّ ذلك لن نكلّ ولن نتعب في نضالنا، مسارُنا تراكميٌّ كي نبني دولة المواطنة”. وانتهى إلى القول: “قوّة لبنان قائمة في الشّراكة الميثاقيّة بين مكوّناته، فهل ثمّة من يسعى لتحويل هذه الشراكة إلى هيمنة أو تفكيك؟ إنّه زمن تصويب المفاهيم وتصويب المسارات، إنّه زمن استرداد الدّولة. وهذا عهدٌ علينا ووعد.عُشتم وعاش لبنان”
كلمة حمدان
ثمَّ تحدثت ميسّرة الحوار الاستاذة لينا حمدان التي أشارت إلى “جملة من المصطلحات والتعابير التي تتردد في الحياة السياسية اللبنانية، وفي مقدّمها مصطلح “الميثاقية” الذي ينطوي على استحقاقات دستورية، ويحمل أبعاداً قانونيّة، وينطوي على مآذارات غالباً ما تتعارض مع روح الدستور ومبدأ العيش المشترك ومصطلح “دولة المواطنة” الذي أراد لها المشّرع الدستوري أن تكون بمثابة التزام بالمواثيق الدولّية، ومبدأ المساواة بين اللبنانيين، وإبعاد الدين عن الدولة، مع الحفاظ على حق الطوائف في تدّبر خصوصياتها توازياً مع التخفيف من الاحتقان الطائفي”. وكل ذلك “بحسب مقتضيات وثيقة الطائف، التي لم تطبّق بعد”.
ولفتت حمدان إلى أنّه و”في الوقت الذي تتوسّع فيه دائرة الدول الديمقراطية في العالم، التي تحكم وتدير شؤونها، وفق قاعدة الحكم البسيطة، أي أنّ الأكثرية تحكم والأقلية تعارض، مع ضوابط تقرّها دساتير تراعي “خصوصياتها وقيم شعوبها”، نجد في لبنان أنّ مصطلح “الميثاقية” أخذ ينمو في اتجاهات أصبحت معها عبارة مرادفة لنهج التعطيل، تستحضرها الطبقة السياسية كشعارٍ غب الطلب، لاستعماله في لعبة المصالح والتغطية على الفساد السياسي.”
وأضافت أنّ الحديث عن “الميثاقية” مرده الى “الميثاق أو العهد غير المكتوب بين الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح اللذين صاغا تحالفاً ميثاقياً قوامه تسوية تؤسس لخصوصية لبنانية بنهائية كيانه إلى أن جنح بها البعض فاعطاها بعداً جذرياً بجوهر سياسي مغاير لمضمونه الحقيقي. فتم تحويلها لميثاقية أحزاب السلطة”. وبعدما اكدت ان مصطلح “ميثاقي” غير موجود في أي نص مباشر في الدستور وليس له صفة الزامية باستثناء بعض النصوص التي تشير إلى كيفية تقسيم الوظائف والفئات بين مكونات المجتمع اللبناني إلى درجة بتنا نحتسب انه “عند إجماع الطّوائف على تأييد أي قرار حتى يصبح نافذًا”، في حين أنّ الديمقراطية تفرض “حصول أي قرار على النسبة المحددة في الدستور، إمّا على أكثرية النصف أو الثلثين في حالات معينة ليتم اقراره ويصبح نافذًا”.
وأشارت حمدان، إلى أنّ “مفهوم الميثاقية تبلور في «اتفاق الطائف» في العام 1989 في التعديلات الدستورية التي أضافت الى الفقرة «ي» في مقدمة الدستور “على أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”. وهذا المفهوم جعل من الديموقراطية في لبنان “ديموقراطية توافقية”، وقد أشارت اليها المادة 65 من الدستور التي حددت آليات تستند على وجوب “اتخاذ قرارات مجلس الوزراء بالتوافق بينهم، وفي حال التعذر فبالتصويت بأكثرية الحضور. ولمّا حدّدت بعض المواضيع الأساسية التي تحتاج إلى موافقة ثلثي مجلس الوزراء، لا يعني انها تحتاج إلى “الاجماع”. ولذلك بدلا من اعتبار الثلثين “ضمانة” قادت التصرفات إلى اعتماد “الثلث المعطل”، مجرد “أداة تعطيل اتخاذ أي قرار، توازياً مع تعطيل كامل للمؤسسات الدستورية وعملها” وهو ما نشهده في ما يحكى عن “ميثاقيّة انتخاب رئيس الجمهورية”. وبدلا من اعتبار ان “نسبة الثلثين في نصاب الجلسة للحفاظ على ميثاقية الانتخاب”، فسرتها هيئة مكتب المجلس لـ “تكريس مآذارات من خارج الدستور، وهو أمر يتعدى صلاحياتها ويعود الى مجلس النواب مجتمعاً.
أمّا في النقطة الثانية المتعلقة بـ “دولة المواطَنة”، لفتت حمدان الى إنّ المصطلح ورد في مقّدمة الدستور بقوله “أّن لبنان هو وطن نهائي لجميع أبنائه، واحداً أرضاً ومؤسسات، ما يجعل انتماء المواطن إلى الدولة يتصدّر أي انتماء أو رابط آخر، وفي مقدّمها الرابط الطائفي، فالدّولة المدنيّة هي نقيض الدولة الدينّية، ومن هنا أرست الماّدة 95 من الدستور مبدأ إلغاء الطائفية السياسّية واستحداث مجلس الشيوخ، ونّظمت المرحلة الانتقالية بحيث نصّت على انتخاب مجلس النـواب على أسـاس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، تزامناً مع اتخاذ الإجـراءات الملائمة لتحقيق إلغـاء الطائفية السياسية وفق خطـة مرحليّة”. لكنها أشارت إلى عقبات شّتى تحول دون تفعيل المادة 95 للاستمرار في عقلية انتماء الفرد إلى الطائفة، نعيش نماذج “تسببت في شل الحياة السياسية”.
وانتهت حمدان إلى القول أنّ “الإشكاليّة المطروحة اليوم في لبنان هي بين ميثاقّية تعطيل متعّمد يرمي إلى شّل الحياة السياسية، بما يُسمى “الثلث المّعطل وبين “ميثاقّية إيجابّية” استذكرت “وصايا” سماحة الامام محمد مهدي شمس الدين، الذي شدّد على تطبيق الديمقراطية على أساس مبدأ “الشعب مصدر السلطات” وفقاً لأطروحة “ولاية الأمة على نفسها”، مقابل الأطروحة الإيرانية المعمول بها حالياً “ولاية الفقيه العامة على الأمة” والتي لا تنطبق على مجتمع تعددي يشكّل نموذجاً فريداً في المشهد السياسي الاقليمي”.
كلمة شمس الدين
بعدها كانت مداخلة الوزير السابق ابراهيم شمس الدين الذي استهلها بالقول :”في العادة يطرح مفهوم المواطنة مقابل مفهوم الرعية مواطنون مقابل رعايا. الدولة الرعوية تضم رعايا يتبعون حاكماً/ سلطاناً / سلطة مطلقة او شبه مطلقة، وحيث مفهوم الحقوق الفردية غير مؤصّل وغير موجود غالباً، وما يحصل عليه الأفراد من في الدولة الرعوية هو عطاءات تُمنَح وتُمنَع. أيضاً” .
واضاف شمس الدين: ” هذا الوضع هو الموجود السائد الغالب الآن في لبنان هي أن اللبنانيين ليسوا مواطنين، هم أفرادٌ رعايا طوائف، بالأحرى رعايا سلطات مذهبية. حتى الطوائف كجماعة ثقافية، صارت بدورها رعايا لأحزاب ومن ثم لزعيم واحد او لتحالف زعامة ثنائية او اكثر.”
وقال شمس الدين: “في لبنان “الأصلي”، في لبناننا، يُفترض اننا مواطنون، لا نحتاج إلى تأسيس مواطَنة. وكما يقول الدستور: ” لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين من دون تمييز أو تفضيل”.. ومعناه ان “هذا النص السامي، هذا الدستور يقول بإثبات ان وطننا هو جمهورية وليس إمارة ولا مشيخةً ولا ولاية، وهو جمهورية ديمقراطية فيها حريات، و ليست مكاناً للرعايا والموالي، وفيها حقوق ثابتة لنا كمواطنين وليس كأتباع مُستَلحقين ، و هذه الحقوق ليست مِنّة، وهي لا تُمنَحُ ولا تُمنعُ كالعطايا. وهو جمهورية ديمقراطية برلمانية وبالتالي نحن نختار، في حياتنا وبرضانا، من يدير شؤوننا، ونستبدله ان خان مصلحتنا، وليس أننا نولد نحن وأبناؤنا تحت قبة الزعيم، ونموت وهو حي دائم، ديمومةَ البلاء وديمومةَ الوباء”.
وتابع شمس الدين “عندما نطرح دولة المواطنة والشراكة الميثاقية فهذا يعني أننا نطلبها، وإذ نطلبها فهذا يعني أننا نفتقدها. وهو ليس نتيجة انعدام الوجود بل هو نتيجة سرقة. دولتنا سُرقت من داخلها فانتُزِعت مواطنتُنا وأُعطينا بطاقة طائفية هويةً بديلة وجوازَ بقاء .. و إلاّ الهجرة؛ وصارت الشراكة شركة، وصارت الميثاقية محاصصة بين اللصوص”.
وأضاف شمس الدين: “إن دولة المواطنة والشراكة الميثاقية في الحكم هي بكل قوة وبكل بساطة ايضاً دولةَ الدستور والقانون والمؤسسات؛ وهذه الدولة موجودة لا تحتاج إلى استيلادٍ على طاولة مستديرة او في فندقٍ خليجي فاخر، كما انها قطعاً لا تحتاج إلى خلوةٍ تأسيسية في منتجع تزلج. وهي دولة موجودة، ولكنها أسيرة و كسيرة، وتحتاج إلى تحرير من سلة مهملات الحكومة و مجلس النواب ومن سلة رئيس مجلس النواب تحديداً الذي يمتنع عن تطبيق الدستور ، وصار في السنوات الأخيرة يحرصُ على عدم تطبيقه، ويحرسُ اهماله وتحقيرَه، حتى جعل من نفسه – بمساعدة و تغطية من حلفائه، بعضهم بعيونٍ مفتوحة، وآخرون منهم بقلوب عمياء – في آنٍ معاً رئيساً للجمهورية ورئيساً لرئيس الحكومة ورئيساً للحكومة ورئيساً للقضاة والشرطة والادارات والنقابات والنفط والغاز والحدود في البر والبحر”.
وشدّد شمس الدين على “أن الشراكة الميثاقية و الحرص على تطبيقها تكون بشراكة الطوائف في السلطة وبعدالة تمثيلها كما ينص الدستور، وليس بشراكة الأحزاب وزعاماتها وحصرية تمثيلها. وهي تكون بقانون انتخاب صحيح وعادل يستفيد منه المواطنون اللبنانيون، وهم بأفرادهم، يشكلون الشعب اللبناني الذي هو مصدر السلطات وصاحب السيادة يآذارها عبر المؤسسات الدستورية بحيث لا يكون مجدداً ضحية التفليسة التي مورست عليه عبر الطبقة السياسية.”
وحذّر شمس الدين من “وضع الدستور عند كل محطة صحيحة او مفتعلة على طاولة المحاصصة والتوافق على التعطيل. الدولة تُدار وتُحفظ بمنطق الدولة وبقانون الدولة وبرجال الدولة وليس بأي طريقة أخرى مهما كانت الشعارات، فالدين ليس ستاراً للتسلط، والتحرير تكليف وواجب وليس وسيلة للتحكّم والتعطيل، والخوف ليس حصانَ طروادة ولا معبراً لتحالفاتٍ خارجية تتحول إلى غزواتٍ، كما ان العددَ ليس آلةً للغلبة بالكثرة، وليس حفرة للاختباء بالقِلّة. الدولة العادلة هي التي تردع الكثرة وتمنعها من الطغيان، وتمنع تكوّن الشعور بالأقلية بعدالتها وقوانينها؛ الدولة العادلة، دولة القانون والمؤسسات هي التي تحفظ مواطنيها احراراً.”
ولفت الى “أن اتفاق الطائف الذي صار دستور لبنان هو ايضاً دستور اللبنانيين كل اللبنانيين ومنهم المسلمون الشيعة وهذه حقيقة راسخة واقعية. وما ترونه هو غبار ثقيل ترتسم فيه صور واشكال، وما تسمعونه هو ضجيج يطغى على الكلام والتلاوة الوطنية اللبنانية. من يمثلون اللبنانيين المسلمين الشيوع اليوم بحكم قوانين انتخابية خاصة ومآذارات انتخابية قمعية، هؤلاء لايتكلمون باسم اللبنانيين الشيعة إنما يتكلمون عنهم، والمسافة كبيرة بين هذه وتلك”.
ولفت شمس الدين بالقول” ان حفظ لبنان وحفظ ما تبقى من قدرة على استعادة الدولة وتحريرها من سجّانيها، في داخلها وخارجها، يكون بعدم الاستسلام والتنازل عن الدستور والقبول باستبداله بتوافقات ماكرة كما في اتفاق الدوحة وكما في التحالف الرباعي، لقد خسرنا كل شيء تقريباً ولكننا فيما آمل وأعتقد بقوة، ما زلنا نمتلك قدرة حقيقية وطاقة كبرى على استرجاع و اصلاح دولتنا.”
وانتهى شمس الدين متسائلا “هل من تعارض بين مفهوم المواطنة والإيمان الإسلامي/ هل ان نهائية الوطن اللبناني والشراكة أو الوضعية العادلة في ادارته وحكمه ما تزال قناعة راسخة أم انها صارت موضوعاً للمراجعة بفعل الغلبة والاستقواء/ هل ان إلغاء الطائفية السياسية شعار حق يراد به باطل/ لماذا لم تطبق المادة 95 من الدستور بشكل خاص وهل هناك جهة محددة وراء منع تطبيقها أم ان كثيرين يشتركون خفية في هذا المنع؟”
ملتقى التأثير المدني
المكتب الإعلامي
بيروت في 29 ايار 2024
كلمة نائب رئيس ملتقى التأثير المدني الدكتور عبد السلام حاسبيني
اللّقاء العاشر
لبنان دولة المواطنة والشراكة الميثاقيَّة في الحُكم
كلمة الدّكتور عبد السّلام حاسبيني
نائب رئيس “ملتقى التأثير المدني”
السيّدات والسّادة،
مرَّة جديدة ها نحنُ اليوم معًا في اللّقاء العاشر من مسار “الحوارات الصّباحيّة”، ولُبْنان يناضل كي يبقى وطن الحريّة، والديمقراطيّة، والعدالة، والحوكمة السّليمة.
المرحلة تاريخيّة ومصيريّة بامتياز، تتهدّد الهويّة والكيان، وتُفرّغُ فيها الدّولة من كلّ مقوّماتها، وفي صلب ذلك تجزئة السيّادة والسّياسات العامّة. رغم كلّ ذلك لن نكلّ ولن نتعب في نضالنا، مسارُنا تراكميٌّ كي نبني دولة المواطنة.
السيّدات والسّادة،
قوّة لبنان قائمة في الشّراكة الميثاقيّة بين مكوّناته، فهل ثمّة من يسعى لتحويل هذه الشراكة إلى هيمنة أو تفكيك؟ إنّه زمن تصويب المفاهيم وتصويب المسارات، إنّه زمن استرداد الدّولة.
هذا عهدٌ علينا ووعد.
عُشتم وعاش لبنان
بيروت 29–05-2024
كلمة الأستاذة لينا حمدان/ ميسّرة الحوار
اللّقاء العاشر
“لبنان دولة المواطنة والشراكة الميثاقيَّة في الحُكم “
كلمة الأستاذة لينا حمدان
في ظلّ النزاعات المتعددة التي نشهدها اليوم على أكثر من مستوى، تبرز جملة من المصطلحات والتعابير التي تتردد في الحياة السياسية اللبنانية، وفي مقدّمها مصطلح “الميثاقية” الذي ينطوي على استحقاقات دستورية، ويحمل أبعاداً قانونيّة، وينطوي على مآذارات غالباً ما تتعارض مع روح الدستور ومبدأ العيش المشترك ومصطلح “دولة المواطنة” الذي أراد لها المشّرع الدستوري أن تكون بمثابة التزام بالمواثيق الدولّية، ومبدأ المساواة بين اللبنانيين، وإبعاد الدين عن الدولة، مع الحفاظ على حق الطوائف في تدّبر خصوصياتها توازياً مع التخفيف من الاحتقان الطائفي؛ مع ما يرافقها من أنظمة الأحوال الشخصّية، وإقامة “مجلس الشيوخ” وتطبيق اللامركزية الإدارية الشائعة الذكر حالياً وكل ذلك بحسب مقتضيات وثيقة الطائف، التي لم تطبّق بعد!
في الوقت الذي تتوسّع فيه دائرة الدول الديمقراطية في العالم، التي تحكم وتدير شؤونها، وفق قاعدة الحكم البسيطة، أي أنّ الأكثرية تحكم والأقلية تعارض، مع ضوابط تقرّها دساتير تلك البلاد انطلاقاً من خصوصياتها وقيم شعوبها، نجد في لبنان أنّ مصطلح «الميثاقية» أخذ ينمو في سياق واتجاهات أصبحت معها هذه «الميثاقية» عبارة مرادفة لنهج التعطيل، تستحضرها الطبقة السياسية كشعارٍ غب الطلب، لاستعماله في لعبة المصالح والتغطية على الفساد السياسي.
حول النقطة الأولى المتعلقة بـ”الميثاقية” نسبة إلى الميثاق أو العهد، والمقصود بها العودة إلى الميثاق غير المكتوب بين الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح اللذين صاغا تحالفاً ميثاقياً قوامه تسوية تؤسس لخصوصية لبنانية بنهائية كيانه، وببعد عربي، لا يجنح صوب شعارات وحدوية كبرى، ولا يشكل تهديداً للدول العربية، مع الحفاظ على انفتاحه على الشرق والغرب، من دون تنازل الدولة عن دورها وفرض هيبتها في الداخل، وصيانة سيادتها تجاه الخارج.
لاحقاً أعطيت تلك العبارة بعداً جذرياً بجوهر سياسي مغاير لمضمونه الحقيقي. فتم تحويلها لميثاقية أحزاب السلطة بحيث لا يتم الاعتراف بحقوق الافراد إلا من خلال الانتماء الحزبي والمذهبي، فكل من يخرج من عباءة الزعيم يخرج من امتيازات الطائفة، ويُحكم عليه بالالغاء والتهميش.
بالتعريف ارتبطت الميثاقية في التاريخ اللبناني الحديث بميثاق 1943، فالمصطلح “ميثاقي” غير موجود في أي نص مباشر في الدستور وليس له صفة الزامية باستثناء بعض النصوص التي تشير إلى كيفية تقسيم الوظائف والفئات بين مكونات المجتمع اللبناني وفقاً لتعديل العام 1989: “تتمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة”. وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار أي أمر على أنه ميثاقي أو غير ميثاقي؛ والمقصود هنا اجماع الطّوائف على تأييد أي قرار حتى يصبح نافذًا، في حين أن الديمقراطية تفرض حصول أي قرار على النسبة المحددة في الدستور، إما على أكثرية النصف أو الثلثين في حالات معينة ليتم اقراره ويصبح نافذًا. وبالتالي، لم يكن المقصود منها تمييز الطوائف بل تثبيت صيغة “عيش مشترك” عابرة لكلّ المكونات.
وقد تبلور مفهوم الميثاقية في «اتفاق الطائف» في العام 1989 الذي نتجت عنه التعديلات الدستورية في أيلول من العام 1990 والتي أضافت الى المقدمة الفقرة «ي» التي تنصّ على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”.، وهذا المفهوم جعل من الديموقراطية في لبنان “ديموقراطية توافقية” مكمّلة للديمقراطية القائمة على الأكثرية والأقلية بحيث تحتاج إلى اجماع بين مكونات المجتمع اللبناني التعددي لكي يكون أي قرار فيه نافذًا. وحدّدت المادة 65 من الدستور آليات تستند على وجوب “اتخاذ قرارات مجلس الوزراء بالتوافق بينهم، وفي حال التعذر فبالتصويت بأكثرية الحضور”. كما حدّدت بعض المواضيع الأساسية التي تحتاج إلى موافقة ثلثي مجلس الوزراء، مثل الحرب والسلم، والاتفاقيات الدولية، وقانون الموازنة، وقانون الانتخاب، وقانون الجنسية… وبالتالي حين تفرض المادة 65 أكثرية موصوفة لقرارات معيّنة، فهذا يعني أنّ هذه المواضيع تدخل في إطار الميثاقية، وهي لا تعني الإجماع، خلافاً للمعتقد السائد اليوم والذي وبدلاً من النظر إلى هذه الآلية الدستورية من زاوية أنّ الثلثين ضمانة، يُنظر إلى الثلث على أنّه معطّل في المآذارة السياسية. وبدلاً أن تكون الميثاقية بمثابة قرار “العيش معاً” بتفاهم وسلام، باتت الميثاقية مجرد أداة تعطيل اتخاذ أي قرار، توازياً مع تعطيل كامل للمؤسسات الدستورية وعملها.
ومن الأمثلة على ذلك، ميثاقيّة انتخاب رئيس الجمهورية، إذ حدّد الدستور أكثرية الثلثين للنصاب والانتخاب في الدورة الأولى، وأكثرية النصف زائداً واحداً للانتخاب في الدورة الثانية. وجرى تحديد هذه الأكثرية للنصاب والانتخاب للحفاظ على ميثاقية الانتخاب. لكن هناك تفسيرات عدة للنصاب المطلوب في الدورات اللاحقة للأولى، وقد اتخذت هيئة مكتب المجلس منذ سنوات قراراً بتفسير النصاب المطلوب للدورة الثانية وكلّ الدورات اللاحقة وتكريس مآذارات من خارج الدستور، وهو أمر يتعدى صلاحياتها ويعود الى مجلس النواب مجتمعاً!
أما في النقطة الثانية المتعلقة بـ “دولة المواطَنة”، فالمصطلح يندرج من المبدأ الوارد في البند الأول من مقّدمة الدستور حيث جاء أّن لبنان هو “وطن نهائي لجميع أبنائه، واحداً أرضاً ومؤسسات“، ما يجعل انتماء المواطن إلى الدولة يتصدر أي انتماء أو رابط آخر، وفي مقدمها الرابط الطائفي. فالدولة المدنية هي نقيض الدولة الدينّية، ونقيض الدولة التي تراعي الطائفّية في تكوين مؤسسات الحكم، ومن هنا أرست وثيقة “الوفاق الوطني” (1989) في الماّدة 95 من الدستور مبدأ إلغاء الطائفية السياسّية واستحداث مجلس الشيوخ، ونّظمت المرحلة الانتقالية بحيث نصّت: “على انتخاب مجلس النـواب على أسـاس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، تزامناً مع اتخاذ الإجـراءات الملائمة لتحقيق إلغـاء الطائفية السياسية وفق خطـة مرحلية وتشكيل هيئـة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضـافة إلى رئيس مجلس النـواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية وتتضمّن مهام الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.” وباختصار ثمة عقبات شّتى تحول دون تفعيل المادة 95 للاستمرار في عقلية انتماء الفرد إلى الطائفة، وإلى الزعيم، وإلى مدرسة المصالح الذاتّية، وإلى ثقافة حماية الفساد عللى حساب مصلحة الوطن ومصلحة الدولة، ما يطرح إشكالية على مستوى السلوك السياسي والشراكة بالحكم ويتسبب في شل الحياة السياسية.
وبالمحصلة، الإشكالية المطروحة اليوم في لبنان هي بين ميثاقّية تعطيل متعّمد يرمي إلى شّل الحياة السياسية ( بما يُسمى “الثلث المّعطل وبين “ميثاقّية إيجابّية” تحرص على إزالة الخوف المتبادل بين مكّونات المجتمع اللبناني، وتؤّسس لدولة مواطنة ولدولة مدنية. نطرح هذه الاشكالية بحضور معالي الدكتور ابراهيم شمس الدين، حامل “وصايا” سماحة الامام محمد مهدي شمس الدين، الذي شدّد في “وصاياه” على تطبيق الديمقراطية على أساس مبدأ “الشعب مصدر السلطات” وفقاً لأطروحة “ولاية الأمة على نفسها”، مقابل الأطروحة الإيرانية المعمول بها حالياً “ولاية الفقيه العامة على الأمة” والتي لا تنطبق على مجتمع تعددي يشكّل نموذجاً فريداً في المشهد السياسي الاقليمي.
ورقة عمل الوزير السّابق إبراهيم شمس الدّين
اللّقاء العاشر
“لبنان دولة المواطنة والشراكة الميثاقيَّة في الحُكم “
ورقة عمل الوزير السَّابق
إبراهيم شمس الدَّين
(ملخّص)
عادةً يُطرح مفهوم المواطنة مقابل مفهوم الرعيّة؛ مواطنون مقابل رعايا. الدّولة الرعويّة تضمّ رعايا يتبعون حاكماً/ سلطاناً / سلطة مطلقة أو شبه مطلقة، وحيث مفهوم الحقوق الفرديّة غير مؤصّل وغير موجود غالباً، وما يحصل عليه الأفراد من في الدّولة الرعويّة هو عطاءات تُمنَح وتُمنَع. أيضاً، في اللّغة، الرعايا هم الخدم، التّابعون الذين لهم مَوْلى؛ هم الملتحقون بسيّد بزعيم، بمعنى أنّ حَيْثيتَهم مرتبطة بشخص أو جهة حصراً وليس لهم، أو لا تكون لهم، حَيْثِية مستقلّة بمعزلٍ عن ذاك الشخص أو تلك الجهة. ( والحيثيّة هي الإعتبار والمعنويّة اللّتين تستدعيان الحقوق ).
- هذا الوضع هو الموجود السائد الغالب الآن في لبنان: اللّبنانيّون ليسوا مواطنين، هم أفرادٌ رعايا طوائف، بالأحرى رعايا سلطات مذهبيّة . حتى الطّوائف كجماعة ثقافيّة، صارت بدورها رعايا لأحزاب ومن ثمّ لزعيم واحد أو لتحالف زعامة ثنائيّة أو أكثر.
- في لبنان ” الأصلي”، في لُبناننا، يُفترض أنَّنا مواطنون، لا نحتاج إلى تأسيس مواطَنة، إذ أنّ الّدستور ، دُستور الّدولة اللّبنانيّة الذي هو دُستور الشّعب اللّبنانيّ يستعمل تعبير ‘ مواطنين ‘ ومُفردها مواطن، عندما يتكلم عنّا، نحن الشّعب اللّبناني، شعب هذا الدّستور، في البند (ج) من مقدّمته فيقول: ” لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة تقوم على احترام الحريّات العامّة وفي طليعتها حريّة الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعيّة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين من دون تمييز أو تفضيل“.
- هذا النص السامي، هذا الدّستور يقول بإثبات أنّ وطننا هو جمهوريّة وليس إمارة ولا مشيخةً ولا ولاية، وهو جمهوريّة ديمقراطيّة فيها حريات وليست مكاناً للرعايا والموالي، وفيها حقوق ثابتة لنا كمواطنين وليس كأتباع مُستَلحقين، وهذه الحقوق ليست مِنّة، وهي لا تُمنَحُ ولا تُمنعُ كالعطايا. وهو جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة وبالتّالي نحن نختار، في حياتنا وبرضانا، من يدير شؤوننا، ونستبدله إن خانَ مصلحتنا، وليس أنّنا نولد نحن وأبناؤنا تحت قبّة الزعيم، ونموت وهو حيّ دائم، ديمومةَ البلاء وديمومةَ الوباء.
- ولكن عندما نطرح دولة المواطنة والشراكة الميثاقيّة فهذا يعني أنّنا نطلبها، وإذ نطلبها فهذا يعني أنّنا نفتقدها. وهذا الفقدان ليس نتيجة انعدام الوجود بل هو نتيجة سرقة. دولتنا سُرقت من داخلها فانتُزِعت مواطنتُنا وأُعطينا بطاقة طائفيّة هويّةً بديلة وجوازَ بقاء .. وإلاّ الهجرة؛ وصارت الشراكة شركة، وصارت الميثاقيّة محاصصة بين الّلصوص.
- دولة المواطنة والشراكة الميثاقيّة في الحكم هي بكل قوّة وبكل بساطة أيضاً دولةَ الدّستور والقانون والمؤسّسات؛ وهذه الدّولة موجودة لا تحتاج إلى استيلادٍ على طاولة مستديرة أو في فندقٍ خليجيّ فاخر، كما أنّها قطعاً لا تحتاج إلى خلوةٍ تأسيسيّة في منتجع تزلّج.
- هي دولة موجودة، دولتنا موجودة ولكنها أسيرة وكسيرة، وتحتاج إلى تحرير من سلّة مهملات الحكومة ومجلس النّواب ومن سلّة رئيس مجلس النّواب تحديداً الذي يمتنع عن تطبيق الدّستور ، وصار في السّنوات الأخيرة يحرصُ على عدم تطبيقه، ويحرسُ اهماله وتحقيرَه، حتى جعل من نفسه – بمساعدة وتغطيّة من حلفائه، بعضهم بعيونٍ مفتوحة، وآخرون منهم بقلوب عمياء – في آنٍ معاً رئيساً للجمهوريّة ورئيساً لرئيس الحكومة ورئيساً للحكومة ورئيساً للقضاة والشرطة والإدارات والنقابات والنفط والغاز والحدود في البرّ والبحر.
- الشراكة الميثاقيّة والحرص على تطبيقها تكون بشراكة الطّوائف في السّلطة وبعدالة تمثيلها كما ينصّ الدّستور، وليس بشراكة الأحزاب وزعاماتها وحصريّة تمثيلها. وهي تكون بقانون انتخاب صحيح وعادل يستفيد منه المواطنون اللّبنانيّون، وهم بأفرادهم، يشكّلون الشّعب اللّبنانيّ الذي هو مصدر السّلطات كما يقول ويثبت البند “د” من مقدّمة الدّستور، وهو ايضاً صاحب السّيادة يآذارها عبر المؤسّسات الدّستوريّة بحيث لا يكون مجدداً ضحيّة التّفليسة التّي مورست عليه عبر الطبقة السياسيّة.
- ان الميثاقيّة اللّبنانيّة والدّيمقراطيّة التّوافقيّة اللّبنانيّة الخاصّة أو الاستثنائيّة قد تحقّقت بين اللّبنانييّن وانتجت دستور دولة صالح لبناء دولة، قادرة على حفظ مواطنيها وتمكينهم من بناء مستقبل كريم لأنفسهم ولأبنائهم. لا يمكن قبول تزوير وكذب أنّ التوافقيّة والميثاقيّة تقتضيان المساومة والمناكفة في كل مادّة دستوريّة، وأن يوضع الدّستور عند كل محطّة صحيحة أو مُفتعلة على طاولة المحاصصة والتّوافق على التعطيل. الدّولة تُدار وتُحفظ بمنطق الدّولة وبقانون الدّولة وبرجال الدّولة وليس بأي طريقة أخرى مهما كانت الشّعارات، فالدّين ليس ستاراً للتسلّط، والتّحرير تكليف وواجب وليس وسيلة للتحكّم والتعطيل، والخوف ليس حصانَ طروادة ولا معبراً لتحالفاتٍ خارجيّة تتحول إلى غزواتٍ، كما أنّ العددَ ليس آلةً للغلبة بالكُثرة، وليس حفرة للإختباء بالقِلّة. الدّولة العادلة هي التي تردع الكُثرة وتمنعها من الطغيان، وتمنع تكوّن الشعور بالأقليّة بعدالتِها وقوانينِها؛ الدّولة العادلة، دولة القانون والمؤسّسات هي التي تحفظ مواطنيها احراراً.
- اتفاق الطّائف الذي صار دستور لبنان هو أيضاً دستور اللّبنانييّن كل اللّبنانييّن ومنهم المسلمون الشّيعة وهذه حقيقة راسِخة واقعيّة. وما ترونه هو غبار ثقيل ترتسم فيه صور وأشكال، وما تسمعونه هو ضجيج يطغى على الكلام والتلاوة الوطنيّة اللّبنانيّة. من يمثلون اللّبنانييّن المسلمين الشيوع اليوم بحكم قوانين انتخابيّة خاصّة ومآذارات انتخابيّة قمعيّة، هؤلاء لا يتكلمون بإسم اللّبنانييّن الشّيعة إنما يتكلّمون عنهم، والمسافة كبيرة بين هذه وتلك.
- إنّ حفظ لبنان وحفظ ما تبقى من قدرة على استعادة الدّولة وتحريرها من سجّانيها، في داخلها وخارجها، يكون بعدم الإستسلام والتّنازل عن الدّستور والقبول باستبداله بتوافقات ماكرة كما في اتفاق الدّوحة وكما في التحالف الرباعيّ، لقد خسرنا كل شيء تقريباً ولكنّنا فيما آمل وأعتقد بقوة، ما زلنا نمتلك قدرة حقيقيّة وطاقة كبرى على استرجاع واصلاح دولتنا.
- هل من تعارض بين مفهوم المواطنة والإيمان الإسلاميّ/ هل إنّ نهائية الوطن اللّبناني والشّراكة أو الوضعيّة العادلة في إدارته وحكمه ما تزال قناعة راسخة أم إنّها صارت موضوعاً للمراجعة بفعل الغلبة والاستقواء/ هل إنّ إلغاء الطائفيّة السّياسيّة شعار حقّ يراد به باطل/ لماذا لم تطبّق المادة 95 من الدّستور بشكلٍ خاصّ وهل هناك جهة محدّدة وراء منع تطبيقها أم أنّ كثيرين يشتركون خفيّةً في هذا المنع؟
اللقاء الحادي عشر 15-10-2024
“لبنان والمواطنة: نحو دولة حكم القانون“
لمشاهدة الّلقاء الحادي عشر
اللقاء الحادي عشر عقد تحت عنوان “للبنان والمواطنة: نحو دولة حكم القانون” وحضره نخبة من الشخصيات الأكاديمية، والإدارية، والقانونية، والدستورية، والثقافية، والفكرية، والقضاة، والضباط المتقاعدين، والإعلاميات والاعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الهيئة الإداريّة للملتقى.
بيان صحفي
ملتقى التأثير المدني في لقائه الحادي عشر من “الحوارات الصباحية“
تحت عنوان: “لبنان والمواطنة: نحو دولة حكم القانون“
الحويك: لم نرِد وَقْف نِضالِنا في الملتقى، وعيننا على لبنان في اليَوْم التّالي
الأمين: محكومون أكثر من أيّ وقت بأسئلة الوطن وحلم الدولة وانتظام العيش
غانم: المصدر الأصلي لحكم القانون مرتبط بتراكم الاختبارات العمليّة
تابع ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم مسار “الحوارات الصباحيَّة” الشهريَّة بانعقاد اللقاء الحادي عشر في فندق جفينور – روتانا الحمرا تحت عنوان “لبنان والمواطنة: نحو دولة حكم القانون” وحضره نخبة من الشخصيات الأكاديمية، والإدارية، والقانونية، والدستورية، والثقافية، والفكرية، والقضاة، والضباط المتقاعدين، والإعلاميات والاعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الهيئة الإداريّة للملتقى.
وقائع اللقاء
في بداية اللقاء الذي قدّمت له الإعلاميّة دنيز رحمة فخري، ونقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، فدقيقة صمت عن أرواح ضحايا العدوان في لبنان، وبعده وثائقي تعريفي عن “ملتقى التأثير المدني“، ومن ثمَّ وثائقي إستعراضي للِّقاء العاشر الذي عقد تحت عنوان: “لبنان دولة المواطنة والشراكة الميثاقية في الحكم“.
كلمة الحويك
بعدها كانت كلمةّ عضو مجلس إدارة ملتقى التأثير المدني المهندس الياس الحويك، الذي رحب بالمشاركين “من رَحم الوجع، من قلب الدّمار، من الخَطَر على الكيان، ومن تهديد السّيادة، ومن التّضامن في مواجهة العدوان، والوحدة الوطنيّة لوقف استِباحة الدّولة”. وقال: “لم نرِد وَقْف مسار نِضالِنا في الملتقى، وعيننا على لبنان في اليَوْم التّالي، أولم تكفينا حروبٌ، وصراعاتٌ، ورهاناتٌ، وارتِهانات؟ مرَّة جديدة ها نحنُ اليوم معًا في اللّقاء الحادي عشر من مسار “الحوارات الصّباحيّة”، ولُبْنان يناضل كي يبقى وطن الحريّة، والديموقراطيّة، والعدالة، والحوكمة السّليمة”. وأضاف: “المرْحلة مفصليَّة نحتاجُ فيها توحيد الرؤية، والبرنامج، في قيادةٍ تشاركيّة نحو بناء دولة المواطنة السيّدة الحرَّة العادلة المستقلّة”.
وختم الحويك قائلا: “دولة حُكْم القانون تستصرِخُنا بعد ضرب الدَّولة، وتفخيخ الحُكْم، وتدمير القانون. إنّه زمن تصويب المفاهيم والمسارات، إنّه زمن العَوْدَة إلى الدّولة. إنّه زمن التَّوبة. هذا عهدٌ علينا ووعد.عُشتم وعاش لبنان”.
كلمة الأمين
ثمَّ تحدث ميسّر الحوار الصحافي علي الأمين، فقال: “يسعدني أن أكون بينكم، نتطلّع وإيّاكم إلى لبنان الذي يجمعنا كمواطنين، مسكونين بإرادة النّهوض بالدّولة، الممتشقين سلاح الكلمة، الباحثين عن إشعاع حضاريّ، يشرق كخيوط الضوء من بريق عيني كلّ لبناني، على امتداد هذه الارض، نفتّش في قاموس الوطن، عن المعنى في أن نكون شعبًا، على أرض يحكمها نظام ارتضيناه، وعقد اجتماعي يحيل العدل والانصاف والمساواة امام القانون، إلى حيّز الوجود الوطني”.
وأضاف: “لعلّنا ونحن في حضرة ملتقى التأثير المدني، محكومون أكثر من أيّ مساحة لبنانيّة أخرى، باسئلة الوطن وحلم الدّولة، وسبل إنتظام العيش اللّبناني، نتطلّع في هذه اللّقاءات الدوريّة الى مستقبلنا كمواطنين لبنانيّين، ممتلئين بهذا العشق السّاحر والمؤلم والقاتل للبنان، لشعبه، لأرضه، لقامات في الفكر والأدب والشعر والثقافة والفنون، جعلت من هذا الوطن حكاية مشتهاة، ومرتجى لأوطان وشعوب، رغم كل الآلام والأحزان والمصائب، التي لا تنكفّ عن فعل النّكبة في هذا اللّبنان الجريح.”
ولفت إلى أنه “لا يستطيع المرء في هذه الأيام، إلّا أن يستحضر هذا الذي يهزّ بنيان الدّولة شعبًا ومؤسسات، وأرضًا مستباحة من العدوان الهمجيّ للعدّو الخارجيّ، ها نحن اليوم أمام واقع غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث، أكثر من مليون نازح لبناني في بلدهم، وإزاء عمليّة تدمير ممنهج لقرى وبلدات على امتداد الجنوب والبقاع، وأمام سلطات لبنانيّة بتراء، مستسلمة لعجزها وضعفها، غير ساعية لفعل ما يجب، من أجل حماية الشّعب او الذود عن الدّولة، هي ببساطة التّعبير الصّارخ عن مسار سلطويّ طويل، من تجاوز الدّستور واستباحة القانون وغياب المحاسبة، أو توفير الوسائل الضامنة لتنفيذ القانون”.
ومضى يقول: “لعلّه من هنا نبدأ في مواجهة هذا الكمّ الهائل من التحدّيات، التي تصل بنا الى السّؤال الوجودي كمواطنين ودولة، إذ لا يفتقد لبنان الى النّصوص القانونيّة التي تنظّم حياة المواطنين داخل الدّولة، ولا القواعد التي تقرّ مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون، وحق التّقاضي وربما ثمّة عشرات القوانين، إن لم تكن المئات التي تفتقد معناها، لانّها تحيد عن غاياتها بقوّة السّلطة من جهّة، ومن غياب الضمانات للسّير في تطبيقها، او لانعدام الآليّات التي يتطلّب تحققها”.
وأشار:”لذا عنوان لقائنا اليوم هو: “لبنان المواطنة نحو دولة حكم القانون”، ومن حظّ هذا اللّقاء وحظوظنا جميعًا، أن من يقارب هذا التّحدي الوطنيّ القانونيّ، هو قامة لبنانيّة نفتخر بها جميعًا، الغنيّة عن التّعريف، وهو القاضي الدّكتور غالب غانم، والسّيرة تطول وتمتدّ لهذا الرّجل اللّبناني بامتياز، والقاضي النّزيه والمتمرّس طيلة أربعين عامًا في السّلطة القضائيّة، توجهًا برئاسة مجلس القضاء الأعلى، وهو إلى ذلك كلّه، أديب مفعم بإرث الشّعر واللّغة”.
وانتهى إلى القول:”من دولة القانون إلى دولة حكم القانون وما الفرق بينهما، ما الغاية والهدف، وكيف يطبّق القانون، وما هي السّبل التي تقربّنا من العدالة؟ كلّ ذلك وسواه نتشوّق للإنصات إليه من المحاضر القاضي الدّكتور غالب غانم وله الكلام في زمن عزّ فيه كلام السّواء والحقّ”.
كلمة غانم
بعدها كانت مداخلة الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي الدكتور غالب غانم، الذي استهلها بالقول: “إنّ مصطلح “حكم القانون” هو الصيغة العربية لما يُسمّى (Rule of Law) بالانكليزيّة، أو (Le règne du droit) بالفرنسية. ومن الجليّ أنّ الصيغة الفرنسيّة تختلف عن المصطلح الآخر الشائع المسمّى (État de droit) اي دولة القانون، وهو اختلاف سيكون له دور في تبرير التفريق بين دولة القانون وحكم القانون”.
وقال غانم: “بالرغم من أنّ لحكم القانون معالم في حضارات شتّى شرقيّة وغربيّة، مُعرّقة في القدم أو حديثة، كانت تتبدّى كلّما كان القانون يوضع ويُفسّر ويُطبّق في خدمة الإنسان، فإنّ جذوره البعيدة وانطلاقته الرائدة لازمتا الثقافة الأنكلوساكسونية التي تعير اهتماماً بالغاً لتكييف الوظيفة القانونية مع مقتضى الواقع. وإنّ بلورة نظريته تعود بصورة خاصة الى محاضرات للبروفسّور Albert Venn Diceys نُشرت سنة 1885 ودارت حول ثلاثة أركان مُلخّصها أن القانون، وهو الأسمى من كلّ سلطة، يتعارض مع كلّ ما هو تعسّفي واستنسابي، وأنّ جميع المواطنين متساوون أمام القانون بغضّ النظر عن أيّ هويّة أو موقع، وأنّ ما يحمي الأفراد هو القانون العام Common Law الذي يضمن الحقوق والحريات عن طريق معالجة خرقها في المحاكم، وهذا ما يجعل الشعب مصدر السلطات لا الدستور كما هي الحال في الثقافة القانونية اللاتنية”.
وأضاف:”لمزيد من التمييز بين مفهوم دولة القانون ومفهوم حكم القانون، بالمستطاع التعويل على مصدر كلّ منهما، فمصدر دولة القانون لصيق بمصطلحات الشرعية ومبدأ تسلسل القواعد وحتميّة احترام أنظمة الدول، أمّا المصدر الأصلي لحكم القانون فهو مرتبط بتراكم الاختبارات العمليّة التي تقدّم النموذج الأفضل لإدارة شؤون الناس ولحمايتهم من أيّ عَسْفٍ أو طغيان”. و”بالرغم من نقاط الإطلاق المتباينة ومن وجوه التطبيق والتقنيات القانونية المتباعدة في الأصل، وبالرغم ممّا بين المفهومين موضوع هذه الورقة من تمايز، فإنهما راحا، في ظلّ الدولة الحديثة، يتقاطعان عبر أركان متعددة أبرزها الرّداء الديمقراطي المنشود الذي يضع في صدارة اهتمامه مواكبة مسؤولية الحاكم، وحقّ المواطن، واستقلال القضاء”.
ولفت غانم أنه “يحسن التذكير، ولو في هذه العجالة، بأن مفهوم حكم القانون يتعزّز عن طريق الوسائل (كالحكم الديمقراطي، وفصل السلطات، والرقابة على دستورية القوانين وعلى أعمال الإدارة…) وعن طريق الغايات (ثلاثيّة الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، والحق بالدعوى العادلة، وحماية الطرف الأضعف، وتحقيق العدالة…)، وعن طريق الضمانات (حكم المؤسسة لا حكم الفرد، واستقلال القضاء واستقلال القاضي، والشفافية والمساءلة…).كما يحسن التذكير مرّة أخرى، بأنّ التعداد الآنف الذكر لا يخلو من ملامح التقاطع بين مفهومي دولة القانون وحكم القانون”.
وأشار إلى “أنّ أبرز ما تصبو اليه دولة المواطنة بمفهومها الأحدث هو التوفيق بين مقتضى مآذارة السلطة وتعزيز دور المؤسسات وترسيخ مبدأ دستورية القوانين وحماية النظام العام من جهة، وبين وضع هذه الأدوات جميعاً في خدمة المساواة والحريّة وأيّ حق آخر من حقوق الإنسان. وإنّ دولة المواطنة المنشودة في لبنان لن تستقيم إلّا بتخطيّ عقبات شتّى أبرزها الانتماء إلى الجماعات الصغرى وإلى الطائفة لا إلى الجماعة الكبرى والوطن، وذهنية الإنتماء إلى الفرد لا إلى المؤسسة السياسية الديموقراطية، وفقدان روح التضامن الاجتماعي، وشيوع مآذارات الفساد، والمحاولات الرامية إلى خلخلة القضاء”.
وختم بالقول: “ما عدّدناه هو بعض العقبات، وقد يكون بعضها القليل…في حين أنّ المآذارات لا تسلك الطريق الصحيح، والطويل”.
مناقشة عامة
وختاما كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.
ملتقى التأثير المدني
المكتب الإعلامي
بيروت في 15 تشرين الأول 2024
كلمة المهندس إلياس الحويّك عضو مجلس إدارة ملتقى التأثير المدني
اللّقاء الحادي عشر
“لبنان والمواطنة: نحو دولة حكم القانون”
كلمة المهندس الياس الحويّك
عضو مجلس إدارة “ملتقى التأثير المدني”
السيّدات والسّادة،
من رَحم الوجع، من قلب الدّمار، من الخَطَر على الكيان، ومن تهديد السّيادة، ومن التّضامن في مواجهة العدوان، والوحدة الوطنيّة لوقف استِباحة الدّولة، لم نرِد وَقْف مسار نِضالِنا في “ملتقى التأثير المدني” وعيننا على لبنان في اليَوْم التّالي.
أولم تكفينا حروبٌ، وصراعاتٌ، ورهاناتٌ، وارتِهانات؟ مرَّة جديدة ها نحنُ اليوم معًا في اللّقاء الحادي عشر من مسار “الحوارات الصّباحيّة”، ولُبْنان يناضل كي يبقى وطن الحريّة، والتنوّع، والديموقراطيّة، والعدالة، والحوكمة السّليمة، والعيش المشترك.
المرْحلة مفصليَّة نحتاجُ فيها توحيد الرؤية، والبرنامج، في قيادةٍ تشاركيّة نحو بناء دولة المواطنة السيّدة الحرَّة العادلة المستقلّة.
السيّدات والسّادة،
دولة حُكْم القانون تستصرِخُنا بعد ضرب الدَّولة، وتفخيخ الحُكْم، وتدمير القانون. إنّه زمن تصويب المفاهيم وتصويب المسارات، إنّه زمن العَوْدَة إلى الدّولة. إنّه زمن التَّوبة.
هذا عهدٌ علينا ووعد.
عُشتم وعاش لبنان
بيروت 15-10-2024
كلمة الصّحافي علي الأمين/ ميسّر الحوار
اللّقاء الحادي عشر
“لبنان والمواطنة: نحو دولة حكم القانون “
كلمة الصّحافي الأستاذ علي الأمين
يسعدني أن أكون بينكم، نتطلّع وإيّاكم إلى لبنان الذي يجمعنا كمواطنين، مسكونين بإرادة النّهوض بالدّولة، الممتشقين سلاح الكلمة، الباحثين عن إشعاع حضاريّ، يشرق كخيوط الضوء من بريق عيني كلّ لبناني، على امتداد هذه الارض، نفتّش في قاموس الوطن، عن المعنى في أن نكون شعبًا، على أرض يحكمها نظام ارتضيناه، وعقد اجتماعي يحيل العدل والانصاف والمساواة امام القانون، إلى حيّز الوجود الوطني.
لعلّنا ونحن في حضرة ملتقى التأثير المدني، محكومون أكثر من أيّ مساحة لبنانيّة أخرى، باسئلة الوطن وحلم الدّولة، وسبل إنتظام العيش اللّبناني، نتطلّع في هذه اللّقاءات الدوريّة الى مستقبلنا كمواطنين لبنانيّين، ممتلئين بهذا العشق السّاحر والمؤلم والقاتل للبنان، لشعبه، لأرضه، لقامات في الفكر والأدب والشعر والثقافة والفنون، جعلت من هذا الوطن حكاية مشتهاة، ومرتجى لأوطان وشعوب، رغم كل الآلام والأحزان والمصائب، التي لا تنكفّ عن فعل النّكبة في هذا اللّبنان الجريح.
لا يستطيع المرء في هذه الأيام، إلّا أن يستحضر هذا الذي يهزّ بنيان الدّولة شعبًا ومؤسسات، وأرضًا مستباحة من العدوان الهمجيّ للعدّو الخارجيّ، ها نحن اليوم أمام واقع غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث، أكثر من مليون نازح لبناني في بلدهم، وإزاء عمليّة تدمير ممنهج لقرى وبلدات على امتداد الجنوب والبقاع، وأمام سلطات لبنانيّة بتراء، مستسلمة لعجزها وضعفها، غير ساعية لفعل ما يجب، من أجل حماية الشّعب او الذود عن الدّولة، هي ببساطة التّعبير الصّارخ عن مسار سلطويّ طويل، من تجاوز الدّستور واستباحة القانون وغياب المحاسبة، أو توفير الوسائل الضامنة لتنفيذ القانون.
لعلّه من هنا نبدأ في مواجهة هذا الكمّ الهائل من التحدّيات، التي تصل بنا الى السّؤال الوجودي كمواطنين ودولة، إذ لا يفتقد لبنان الى النّصوص القانونيّة التي تنظّم حياة المواطنين داخل الدّولة، ولا القواعد التي تقرّ مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون، وحق التّقاضي وربما ثمّة عشرات القوانين، إن لم تكن المئات التي تفتقد معناها، لانّها تحيد عن غاياتها بقوّة السّلطة من جهّة، ومن غياب الضمانات للسّير في تطبيقها، او لانعدام الآليّات التي يتطلّب تحققها.
لذا عنوان لقائنا اليوم هو: “لبنان المواطنة نحو دولة حكم القانون“، ومن حظّ هذا اللّقاء وحظوظنا جميعًا، أن من يقارب هذا التّحدي الوطنيّ القانونيّ، هو قامة لبنانيّة نفتخر بها جميعًا، الغنيّة عن التّعريف، وهو القاضي الدّكتور غالب غانم، والسّيرة تطول وتمتدّ لهذا الرّجل اللّبناني بامتياز، والقاضي النّزيه والمتمرّس طيلة أربعين عامًا في السّلطة القضائيّة، توجهًا برئاسة مجلس القضاء الأعلى، وهو إلى ذلك كلّه، أديب مفعم بإرث الشّعر واللّغة.
من دولة القانون إلى دولة حكم القانون وما الفرق بينهما، ما الغاية والهدف، وكيف يطبّق القانون، وما هي السّبل التي تقربّنا من العدالة؟
كلّ ذلك وسواه نتشوّق للإنصات إليه من المحاضر القاضي الدّكتور غالب غانم وله الكلام في زمن عزّ فيه كلام السّواء والحقّ!
ورقة عمل القاضي الدّكتور غالب غانم
اللّقاء الحادي عشر
“لبنان والمواطنة: نحو دولة حكم القانون “
ورقة عمل القاضي الدكتور غالب غانم
إنّ مصطلح “حكم القانون ” هو الصيغة العربية لما يُسمّى Rule of Law بالانكليزيّة، أو Le règne du droit بالفرنسية. ومن الجليّ أنّ الصيغة الفرنسيّة تختلف عن المصطلح الآخر الشائع المسمّى État de droit اي دولة القانون، وهو اختلاف سيكون له دور في تبرير التفريق بين دولة القانون وحكم القانون.
وبالرغم من أنّ لحكم القانون معالم في حضارات شتّى شرقيّة وغربيّة، مُعرّقة في القدم أو حديثة، كانت تتبدّى كلّما كان القانون يوضع ويُفسّر ويُطبّق في خدمة الإنسان، فإنّ جذوره البعيدة وانطلاقته الرائدة لازمتا الثقافة الأنكلوساكسونية التي تعير اهتماماً بالغاً لتكييف الوظيفة القانونية مع مقتضى الواقع. وإنّ بلورة نظريته تعود بصورة خاصة الى محاضرات للبروفسّور Albert Venn Diceys نُشرت سنة 1885 ودارت حول ثلاثة أركان مُلخّصها أن القانون، وهو الأسمى من كلّ سلطة، يتعارض مع كلّ ما هو تعسّفي واستنسابي، وأنّ جميع المواطنين متساوون أمام القانون بغضّ النظر عن أيّ هويّة أو موقع، وأنّ ما يحمي الأفراد هو القانون العام Common Law الذي يضمن الحقوق والحريات عن طريق معالجة خرقها في المحاكم، وهذا ما يجعل الشعب مصدر السلطات لا الدستور كما هي الحال في الثقافة القانونية اللاتنية.
ولمزيد من التمييز بين مفهوم دولة القانون ومفهوم حكم القانون، بالمستطاع التعويل على مصدر كلّ منهما، فمصدر دولة القانون لصيق بمصطلحات الشرعية ومبدأ تسلسل القواعد وحتميّة احترام أنظمة الدول، أمّا المصدر الأصلي لحكم القانون فهو مرتبط بتراكم الاختبارات العمليّة التي تقدّم النموذج الأفضل لإدارة شؤون الناس ولحمايتهم من أيّ عَسْفٍ أو طغيان.
وبالرغم من نقاط الإطلاق المتباينة ومن وجوه التطبيق والتقنيات القانونية المتباعدة في الأصل، وبالرغم ممّا بين المفهومين موضوع هذه الورقة من تمايز، فإنهما راحا، في ظلّ الدولة الحديثة، يتقاطعان عبر أركان متعددة أبرزها الرّداء الديمقراطي المنشود الذي يضع في صدارة اهتمامه مواكبة مسؤولية الحاكم، وحقّ المواطن، واستقلال القضاء.
ويحسن التذكير، ولو في هذه العجالة، بأن مفهوم حكم القانون يتعزّز عن طريق الوسائل (كالحكم الديمقراطي، وفصل السلطات، والرقابة على دستورية القوانين وعلى أعمال الإدارة…) وعن طريق الغايات (ثلاثيّة الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، والحق بالدعوى العادلة، وحماية الطرف الأضعف، وتحقيق العدالة…)، وعن طريق الضمانات ( حكم المؤسسة لا حكم الفرد، واستقلال القضاء واستقلال القاضي، والشفافية والمساءلة…).
كما يحسن التذكير مرّة أخرى، بأنّ التعداد الآنف الذكر لا يخلو من ملامح التقاطع بين مفهومي دولة القانون وحكم القانون.
إنّ أبرز ما تصبو اليه دولة المواطنة بمفهومها الأحدث هو التوفيق بين مقتضى مآذارة السلطة وتعزيز دور المؤسسات وترسيخ مبدأ دستورية القوانين وحماية النظام العام من جهة، وبين وضع هذه الأدوات جميعاً في خدمة المساواة والحريّة وأيّ حق آخر من حقوق الإنسان. وإنّ دولة المواطنة المنشودة في لبنان لن تستقيم إلّا بتخطيّ عقبات شتّى أبرزها الانتماء إلى الجماعات الصغرى وإلى الطائفة لا إلى الجماعة الكبرى والوطن، وذهنية الإنتماء إلى الفرد لا إلى المؤسسة السياسية الديموقراطية، وفقدان روح التضامن الاجتماعي، وشيوع مآذارات الفساد، والمحاولات الرامية إلى خلخلة القضاء.
ما عدّدناه هو بعض العقبات، وقد يكون بعضها القليل…في حين أنّ المآذارات لا تسلك الطريق الصحيح، والطويل.